علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نرى بشائر النصر في أشد ظروف البأس والابتلاء كما كان عليه الأمر خلال غزوة الأحزاب أو غزوة الخندق، وهي الغزوة التي جمعت فيها قريش الأحلاف وتآمر فيها اليهود وخانوا العهد وطعنوا من الخلف دولتهم في المدينة التي كانوا مواطنين فيها بمقتضى الوثيقة التي شكلت آنذاك دستور الدولة الإسلامية الناشئة. ففي ظل اشتداد البأس والزلزلة وعظم الابتلاء كان النبي صلى الله عليه وسلم يحفر الخندق ويضرب بمديته ويقول: الله أكبر فتحت الروم، الله أكبر فتحت فارس. وفي مقابل المؤمنين الصادقين الثابتين الموقنين بموعود الله وبحتمية هزيمة الباطل كان هناك فريق من المنافقين المهزومين الذين كان يقولون : ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا . واليوم تظهر بشائر النصر بادية واضحة بالرغم من جنون الآلة الحربية الصهيوينة وحرب الإبادة الجماعية القائمة في غزة لأسباب متعددة منها: ـ الوعد القرآني الواضح في مطلع سورة الإسراء، وبالمناسبة فهذه السورة تستفتح بحادثة الإسراء بالرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس والعروج به من هناك إلى السماء، وبعدها مباشرة تتحدث عن إفساد بني إسرائيل في الأرض وعلوهم الكبير، وأنه كلما حدث ذلك بعث عليهم عبادا له أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار ليسوؤوا وجوه بني إسرائيل كما حدث فى الأولى، وأنه عند مجيئ وعد الآخرة سيدخل عباده أولئك أولي البأس الشديد المسجد كما دخلوه أول مرة ليتبروا ما علوا تتبيرا، وأن هذا قانون مطرد يتكرر وينطبق على الإفساد الثالث والرابع، أي أنه كلما عادوا إلى علوهم وإفسادهم ظهر من عباده قوم أولوا بأس شديد فجاسوا خلال الديار وتبروا ما علوا تتبيرا، وكما قال تعالى: وإن عدتم عدنا، وهذه مسألة واضحة من نص القرآن، ولا يغير منها هل ما وقع في تاريخ بني إسرائيل إلى الآن هو إفسادان كبيران أو أنه فساد كبير واحد وأننا اليوم بصدد الإفساد الكبير الثاني. ـ وعد الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث أنه لن تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود المحاربين ـ والقتال شرعا لا يجوز إلا في المحاربين ـ إلى الدرجة التي سيقول فيها الشجر والحجر يا عبد الله هذا يهودي ورائى تعال فاقتله، وفي ذلك كناية على درجة من الانكشاف وفقدان النصير وغياب أي مترس طبيعي أو بشري سياسي يختبئون من ورائه، ويمارسون من ورائه إجرامهم. والمتأمل في حالة الكيان الصهيوني يلاحظ أنه كيان هش قام ولا يزال قائما على التمترس واستخدام القوى الدولية وتسخيرها لتحقيق أغراضه، فاستخدم في إقامة دولته بريطانيا آنذاك لنيل وعد بلفور واستقرار جحافل العصابات الصهيونية في أرض فلسطين تدريجيا؛ من خلال أعمال القتل والتهجير والاستيطان، ويستخدم اليوم الولاياتالمتحدةالأمريكية وحمايتها ومظلتها للاستمرار في جرائمة الوحشية. لكن من وراء هذا الوعد الإلهي فإننا نلاحظ بشائر نهاية إسرائيل في الحقائق والمعطيات التالية : ـ التراجعات المتتالية في المشروع الصهيوني الذي انطلق اليوم من فكرة: إسرائيل الكبرى ليستبدلها بفكرة إسرائيل الأكبر ، فإسرائيل التي لم تستطع أن تجلب الأمن لها في حدود 84 وفي حدود 76 بكل ترسانتها العسكرية وبحروبها المتوالية في المنطقة، إسرائيل التي أحاطت نفسها بمئات الكيلومترات من الجدار العازل تثبت بالملموس نهاية المشروع الصهيوني القائم على التوسع وتأمين مجال حيوي، إسرائيل أعجز اليوم من أن تكون هي الأكبر، لأن هذه النظرية قد قامت عند المروجين لها على تكريس الهيمنة الاقتصادية والهيمنة التكنولوجية وميل ميزان الرعب وقوة الردع لفائدتها، ونظرية الأمن الإسرائيلي التي أسقطتها صواريخ المقاومة اللبنانية وتسقطها اليوم صواريخ المقاومة الفلسطينية، وستسقطها وسائل ردع أخرى سيتفتق عليها ذكاء المقاومة إن آجلا أو عاجلا ـ الهجرة المعاكسة التي عرفها الكيان الصهيوني منذ الانتفاضة دون شك ستتفاقم مع سقوط نظرية الأمن الإسرئيلي، فقد أصبح اليوم كل شبر من الكيان الصهيوني في مرمى من استهداف المقاومة، كان ذلك بالحجر فى الانتفاضة وكان بالعمليات الاستشهادية وهو اليوم بالصواريخ، والشعوب المقاومة لها مبدعة خلاقة في أساليب المقاومة وإقامة مبدأ توازن الرعب، وستستمر المقاومة الفاسطينية في الإبداع على هذا المستوى . إسرائيل هذه لم تعد قادرة على إقناع اليهود بالعودة إلى أرض الميعاد، إذ تتزايد حدة الهجرة المعاكسة، وذلك مؤشر من مؤشرات العد العكسي لنهاية إسرائيل . ـ إسرائيل اليوم نجحت فقط في إحاطة نفسها ببحر من الكراهية وسط مليار ونصف مليار مسلم، وبحر من الكراهية من ملايين أبناء العالم من غير المسلمين الذين يكتشفون في كل يوم، واكتشفوا الوجه البشع الكالح لمجرمي الحرب من حكام إسرائيل، فمع اتفاق أوسلو وأوهام التسوية كان جيش من طوابير عرب إسرائيل في العالم العربي قد تحولوا إلى ماسحي أحذية إسرائيل، وقال واحد منهم ذلك بكل وقاحة وأنه يفضل ذلك على أن يعيش إلى زمن يصعد فيها إسلاميون إلى الحكومة، وكانوا قد بدأوا يسوقون للتطبيع وانخرطوا في حرب إبادة ثقافية قائمة على محو الذاكرة وتزوير حقائق التاريخ وتقديم صور مزيفة عن الصهانية المجرمين من خلال سينما وفنون صهيونية أو متصهينة، وكان كثير من حكام المنطقة قد شرعوا يتهافتون على أعتاب إسرائيل لإقامة العلاقات السرية والمعلنة، واليوم بدأنا نسمع على الأقل بسحب السفراء من إسرائيل، وضغطا شعبيا من أجل قطع العلاقات، وإذا كان من المؤكد أنه ليس لدى حكام العرب من الجرأة ما يجعلهم قادرين على الوصول إلى هذا الحد، فإنه من المؤكد أن السفارات الإسرائيلية في القاهرة وعمان ستظل إلى غير رجعة بنايات فارغة وغير ذات جدوى وأن اللعنة الشعبية ستطارد ساكنيها إن عاد إليها بعد اليوم سكان وقاصديها إن بقي بعد اليوم لها قاصدون: كما أن اللعنة الشعبية ستطارد ساكني السفارات العربية في تل أبيب ـ الحرب العدوانية الهمجية الصهيونية على غزة التي تحظى بالتغطية السياسية لبوش الذي أبى إلا أن يختم آخر أيامه بمزيد من الخزي والعار كشفت إن كان الأمر يحتاج إلى زيادة الطبيعة الإجرامية لبعض النخب والإدارات الحاكمة في الغرب، الرؤساء الغربيون ومسؤولو الاتحاد الأوروبي ومعهم بعض الحكام العرب، بينوا كيف يستطيع الاختراق الصهيويي للعقل الغربي والأمريكي أن يحوله إلى مسوغ لأكبر حروب الإبادة في التاريخ. وينبغي لأحرار فرنسا أن يتبرأوا من تصريحات رئيسهم الذي قدم التغطية السياسية للجرائم الصهيونية التي بررت حرب الإبادة تلك، وحملت حماس وبالمناسبة كل الشعب الفلسطيني هذه الأيام حماس والشعوب العربية والإسلامية كلها حماس، ووصف المقاومة الفلسطينية في غزة بالإرهاب واعتبارها هو المشكلة إهانة للشعب الفلسطيني كله وللشعوب العربية والإسلامية ، وللشعب الفرنسي نفسه، وإلا هل يمكن لساركوزي أن يقبل أن توصف مقاومة الفرنسيين للاحتلال الألماني لفرنسا بأنه إرهاب أوأنها هي السبب في الدمار الذي قام به الألمان لدى احتلالهم لفرنسا. إن حرب غزة أسقطت إذن عدة أقنعة وكشفت عدة حقائق وجذرت الوعي لدى ملايين الشباب من أبناء العرب والمسلمين بالطبيعة العدوانية للكيان الصهيوني والمتحالفين معه من الذين يغطون جرائمه . الشعوب اليوم من طنجة إلى جاكارتا تصيح وتنادي كلنا حماس ، كلنا غزة .فكرة المقاومة والجهاد لتحرير فلسطين أخذا اليوم زخما أعمق وأكبر. وذلك يعني دعما سياسيا ومعنويا وماليا أكبر للمقاومة، ولو فتح باب التطوع لنصرة غزة لكانت القوائم بالملايين . المقاومة اليوم في غزة تعيد تشكيل الوعي والواقع السياسي العربي والإسلامي والإنساني . في الأطفال الذين شاهدوا مشاهد الدمار والأشلاء والجثث والعشرات من الشهداء من نظرائهم الأطفال عشرات من مشاريع خالد مشعل وفتحي الشقاقي ويحيا عياش . ولن تكون إسرائيل طاقة بمواجهة هذا البحر من الكراهية والعداء، ولن تنهزم المقاومة وهي تلقى هذا الحجم من الدعم، فالمقاومة فكرة وإرادة وهي أصبحت اليوم أكثر تجذرا واتساعا ، وإسرائيل وهم وباطل وواقع هش لا يملك مقومات الاستمرار والصمود، لذلك فإسرائيل إلى زوال والمقاومة إلى نصر وفلسطين إلى تحرير.