قبل ظهر يوم السبت 27/12/2008 بدأ الهجوم النازي والبربري على قطاع عزة عبر شن طائرات حربية صهيونية غارات متتالية على عدد من المقار الأمنية التابعة لحركة حماس. المجزرة كما شاهدها العالم عبر الفضائيات مباشرة لم تكن غارات بل حربا ضروسا لا تخطئ الهدف وإن اختلاف الكبير والصغير حول من يتحمل المسؤولية في غفلة عن سؤال: ما الأولوية الآن؟ هل هي وقف المجزرة أم تبادل التهم بشأنها؟ الصور التي تتابعت أمام أعيننا لم تكن صادمة بل مفجعة ومقززة ووحشية، تدل على وحشية الاستخراب (وليس الاستعمار) الصهيوني الإحلالي: أكوام من لحم، وأجساد مفتتة إلى قطع، وأيد وأرجل ورؤوس مهشمة، وأطفال خائفون، وسيارات إسعاف منعدمة، وهلع على الوجوه وفي الشوارع.. وكاميرات تجري خلف الخراب في كل مكان.. ثم توالت التصريحات عبر شاشة الجزيرة، فيتدخل مواطن مصري: والله مصر قالت لحماس تحملوا مسؤوليتكم.. إسرائيل تخطط لهجوم كبير وما عليكم إلا أن تجددوا التهدئة أو تتحملوا المسؤولية.. يتابع مصري آخر: الكل يتهم مصر، وكأن مصر هي من يحاصر قطاع عزة.. يقاطع عربي كلامه قائلا: مصر جار لقطاع عزة وهي أم الدنيا أليس كذلك؟ يجيب مصري ثالث: يا عمي، قادة حماس يحرضون على إطلاق الصواريخ ويتركون الناس يموتون وحدهم هناك.. وهل مصر وحدها يجب أن تدافع عن القطاع؟ إلى حدود ظهر يوم السبت ارتفع عدد الشهداء إلى أكثر من 100 شهيد وأكثر من 100 جريح، في حين يعلق أحد مستشاري الرئيس عباس بأن حماس وصواريخ حماس هي المسؤولة عن غارات اليوم.. ويتدخل ثان بأن عباس وحكومة سلام فياض يتحملان مسؤولية السكوت عن هذه المجزرة. ونحن في المقهى، قال المصري الأول: حماس تتحمل المسؤولية، وأين هم قادتها؟ لماذا لا يحاربون مع أبناء الشعب الفلسطيني؟ بينما تنقل قناة الجزيرة تصريحات إضافية لقيادات فكرية ودينية وسياسية تنديد بهذه المجزرة وتحمل المسؤولية للأمة المسلمة علماء وسياسيين وشعوبا. الكل يحمل المسؤولية إلى الآخر ولا يلتفت إلى أن القضية هي المجزرة التي ترتكب بحق شعب دون النظر إلى أنه أعزل ومجوع. هل يعقل إذا تعرض شعب القطب الشمالي أو الجنوبي مثلا أن نحمل هذا الطرف أو ذاك مسؤولية القتل والتقتيل؟ أليس من الواجب عقلا وزمانا وفكرا ومبدأ وقف المجزرة أولا؟ التعاطف مع المستضعفين أولوية الأوليات وأعلى السياسيات، وتحميل هذا أو ذاك المسؤولية ضرب من قلة الوعي أو إعطاء الذريعة لاستمرار المذابح النازية، بل تملص من المسؤولية والواجب. أن يقول مستشارون إن حماس مسؤولة أو تقول الأخيرة إن سلطة رام الله مسؤولة فلن يلغي واجب التكاتف في وجه الغطرسة الصهيونية وجرائمها.. ودعوة القيادات الفكرية والدينية والسياسية الشعوب للتحرك، ودعوة الشعوب هذه القيادات للتحرك ضرب من الهروب من تحمل المسؤولية. الواجب يقتضي الوقوف بجانب المظلوم أيا كان فكيف إذا كان أحد جذورنا الحضارية ألا وهو الشعب الفلسطيني، الكل عليه أن يتحرك العالم والمفكر والسياسي والمواطن والحاكم وحتى القنوات الفضائية وجميع أنواع وسائل الإعلام، فلا يعقل أن يقتل الناس في بقعة عربية -على الأقل- ونحن نمضي في بث برنامج وثائقي حول تلوث الهواء من قبل فضائيات عربية تقول إنها حيادية وخدمت تطور الإعلام العربي! كما لا يعقل أن تبث القنوات العربية المسلسلات والأفلام والأغاني من أجل التعتيم على شعوبها أو أسرهم دون متابعة المجزرة الإسرائيلية. ليس هناك عذر لأي أحد، مواطنا بسيطا كان أو مثقفا أو سياسيا أو حاكما، الأولوية الآن هي وقف هذه المجزرة الإسرائيلية بالضغط على الصهاينة ووقف إمدادات الغاز وإغلاق الأبواب دون الصادرات الإسرائيلية، وتفعيل المظاهرات في البيوت والشوارع والمقاهي والإنترنت والمواقع والتعليقات وغيرها.. الهدف اليوم هو وقف المجزرة وبعده فك الحصار، ثم يأتي بعد ذلك وقت السؤال عمن يتحمل المسؤولية.. هذه هي المسؤولية الحقيقية، أما من يبرر الجرائم أينما تقع بتهور هذا أو ذاك فإنه يبرر تورطه.. والسكوت ليس حكمة وقت القتل والتقتيل بل تواطؤ ورضا من قبل الفرد العادي والسياسي والمفكر والعالم والمواطن والدول.