يخلد الجسم الصحفي السبت المقبل العيد الوطني للصحافة، وهي محطة كان يفترض أن تكون مناسبة لتكريم الصحفيين والاحتفاء بهم وتقديم الجوائز التحفيزية للبارزين منهم في مختلف الأجناس الصحفية، لكن يبدو أن هذا المنحى الذي جرت عليه تقاليد الدول التي تحترم صحافتها وتحترم قبل ذلك حرية الرأي والتعبير، ليس له أي طعم ولا مذاق في بلد لا يوفر للصحفيين حتى الحق في الوصول إلى المعلومة. أمس الثلاثاء، تقابل مشهدان رامزان يعبران حقيقة عن المشهد الإعلامي، وكيف تمثله الوزارة الوصية من جهة، والجسم الصحفي من جهة ثانية، مشهد الوزير وهو يقدم الجوائز للصحفيين الفائزين بالجائزة الكبرى للصحافة الوطنية، ومشهد للجسد الصحفي بجميع مشاربه وتلويناته وقد وقف يحتج في نفس توقيت تسليم الجوائز على التضييق والمحاكمات الانتقامية التي تتعرض لها الصحافة الوطنية. مفارقة كبيرة يعبر عنها هذان المشهدان المتقابلان، لكنهما مع اختلافهما في الرمزية والدلالات يتفقان على أن العيد الوطني للإعلام سيكون هذه السنة بدون مضمون وبدون معنى، فالمفترض أن الأعياد تكون مناسبة للتتويج، ورصد الإنجازات الكبرى التي تحققت على مستوى ضمان حرية الصحافة وحقها في الوصول إلى المعلومة، وتكون مناسبة أيضا للتعبير عن وحدة الجسد الصحفي وتجنده للرفع من منسوب المهنية ورفع تحدي الانتشار الواسع، لكن في حالة المغرب، يبدو أن الأمر يسير في الاتجاه المعاكس، فعلى المستوى القانوني لا زال قانون الصحافة يراوح مكانه، ولا زال الصحفيون يفتقدون إلى الإطار القانوني الذي يضمن لهم الحق في الوصول إلى المعلومة، والمفارقة أن كثيرا من المسؤولين الحكوميين صاروا يتعاملون باحتقار مع الصحافة الوطنية، ولا يجدون غير الصحافة الأجنبية لإعطائها حوارات مطولة لا يحظى بمعشارها أشطر الصحفيين في هذا البلد. وعلى مستوى التضييقات التي تتعرض لها الصحافة الوطنية، لا نكاد نخرج من محاكمة حتى ندخل في أخرى، فمن محاكمة لوجورنال إلى حبس الصحفي حرمة الله إلى تقديم المدون محمد الراجي، إلى القضاء إلى المحاكمة الانتقامية من جريدة المساء التي وصل الحكم فيها إلى مبلغ غير مسبوق في تاريخ محاكمات الصحافة في المغرب، والأدهى من ذلك والأمر، هو نوع التعاطي الذي يتعامل به وزير الاتصال مع الصحافة الوطنية، بمحاكمة النوايا وإطلاق مفردات التهديد ، وتحذيرها من التشكيك في رواية الدولة. لهذه الدواعي وغيرها، نستطيع أن ننتهي إلى أن العيد الوطني للإعلام الذي سيخلد هذه السنة سيكون ناقصا وإن كان له من مضمون ومعنى فهو الاحتجاج على الوضعية التي يعيشها الإعلام وما يرتبط به من تراجع في حرية التعبير، وأن الاحتفاء الحقيقي بالصحافة لا يكون بتتويج أعمال أشخاص فقط، ولكن بتوفير الشروط القانونية والضمانات الضرورية لممارسة مهنة الصحافة، وما دام الصحفي لا يملك الحق في الوصول إلى المعلومة، وما دامت العقوبة الحبسية سيفا مسلطا على عنقه، وما دامت المحاكمات الانتقامية قدرا لكل من اقترب من الخطوط الحمر، فإن الجسم الصحفي لا يمكن أن يشعر بأن له مناسبة وطنية يحتفى به فيها حتى ولو كان اسمها العيد الوطني للإعلام.