هنيئا لسامي الحاج وهو يخرج في ليلة الثالث من ماي، العيد الأممي لحرية الصحافة، من جحيم غوانتنامو من بين أنياب بوش بن بوش البربري الدموي، الذي لم يستطع اتهامه بعد ست سنوات من الاحتجاز، والذي انهزم أمام الحقيقة التي لم يفلح في طمسها رغم ما أوتي من نار ومن حديد. وكم كان يوم الثالث من ماي عندنا بالمغرب سيكون بمذاق الفرحة لو اختارت الدولة أن تعتذر إلى الصحفيين والصحفيات عن قراراتها الجائرة التي صنعت داخل أجهزتها المقررة وانتدبت النيابات العامة وقضاة الحكم لتفعيلها، بوضع حرمة الله في سجن عكاشة، وبإجبار بوبكر الجامعي على اختيار المنفى، وعلي المرابط على العيش كلاجئ بإسبانيا، وعبد العزيز كوكاس على الوقوف بين المطرقة والسندان، وأحمد رضا بنشمسي برقبته على كف جزار، ورشيد نيني بامتصاص دم جوفه ليهيئ القبر لدفن ل«المساء»،... هؤلاء وغيرهم من عشاق حرية الصحافة، كلهم التهمتهم محرقة الأحكام الجائرة بالمحاكم، وكلهم انضافوا إلى ضحايا عدالة استسلمت لضعاف القضاة، حتى ضاعت بكارتها وضاع شرفها بقرارات السجن والمنع من الممارسة وملايين الدراهم من التعويَضات والغرامات... ناهيكم عمن منهم ضحايا اعتداءات وانتقامات من طرف قوات عمومية أو عصابات إجرامية بالشارع العام خلال أو بمناسبة معارك المثقفين والحقوقيين والمعطلين وغيرها. هؤلاء وغيرهم من الصحفيين ضحايا عدالة البطش بحرية الصحافة، كلهم جردتهم الألسنة الملوثة لعدد من المسؤولين بكل أنواع الإدانات والاتهامات وفي كل المناسبات، وكأني بهم قضاة تفتيش، أخرجوا سموم الحقد ليقتلوا بها كل صحفي صمد في وجه اختراق السلطة، مسؤولون نصبوا أنفسهم باباوات يطلقون لعابهم بنصائح كلها دعوة للصحفيين إلى خيانة نبل رسالة الصحافة، مرة بمطالبتهم بمدح الدولة ورجالها، ومرة بدعوتهم إلى الانضباط للخطوط الحمراء، وأخرى بحثهم على الوقوف عند باب المقدس، وتارة ببيع أقلامهم بالمال المدنس... إن الدولة ولسان الخشب لبعض مسؤولي إعلامها ومن يتبعونهم بالدف والمزمار، تصر، ويصرون، على فرض رقابتها على الصحافة عبر تحريم ما تريد وكيفما تريد على الصحفيين، وتصر على انتهاك استقلاليتهم بإعطاء الدروس للصحافة في قواعد المهنة وتقاليدها، وتصر على تهجين رسالتهم بالتأثير على الصحفيين في تعاطيهم مع المعلومة والخبر والحدث، وتؤكد أن مفهومها الخاص لحرية التعبير والصحافة سيمر في النهاية عبر تقزيمها بمشروع قانون على مقاس مفاهيمها وتوجهها، تكرس فيه إرادتها عبر وضع قيود على حرية رجال ونساء الصحافة بواسطة عقوبة الحبس، وعقوبة الغرامة، وتعميق مفاهيم الغموض والتغليط لمعاني النظام العام والمس بالمؤسسات لاستخدامها ضد الحقيقة الصحفية التي لا تقوم إلا في أجواء من الحرية، وعبر قانون يسهل تدخل الدولة كذلك في تكوين مؤسسات الهيئة الصحفية وصلاحياتها وتشكيلتها بما فيها أخذ مقعد داخل هيئتها، وهذا بالطبع ما لا ينبغي قبوله أو التساهل في تمريره حماية لحرية التعبير واستقلال الصحفيين، وكلنا لازال يتذكر كيف استطاع البصري وصحبه أن يهجن الصحافة وأن يحتوي رسالتها ولم يسلم من مائدته إلا من صمدوا أمام مغرياته. لقد حلت ذكرى ثالث ماي العالمية لتؤكد الصحافة بالمغرب أنها أولوية ضمن انشغالات المواطن يريدها رفيقته ولسانه وسلاحه، ولتؤكد أنها مصرة على التحدي وعلى مواجهة اختيار الدولة التي خيبت آمالها لبناء مقوماتها والمحافظة على استقلالها والكف عن زجرها، ولتعلن من جديد أن هناك وضعا غير آمن لأداء رسالتها، ولتعلن أن حرية التعبير لن تفقد حماتها إلا عندما يفقد الصحفيون حمايتهم، ولتؤكد أن الصحفيين جسم قوي، ولن يتمكن أحد من كسر أقلامهم أو تكميم أفواههم وقطع حبل الكتابة والقراءة والتفكير والتعبير عنهم. إن هناك شعورا لدى المسؤولين بأن الصحافة سلطة تخيف وتحرج، لكن التخوف من حرية الصحافة هو تخوف من الديمقراطية، و وهروب من النقد ورفض للمساءلة وبقاء خارج التاريخ. إن مظهرا من مظاهر تخوفها قائم أمامنا، إذ إن الدولة تحجز لنفسها مجالا واسعا من مشهد الإعلام عبر عدد من الإذاعات ومن القنوات التلفزية وعبر جرائد وراءها وفي خدمتها، ووكالة أنباء رسمية تروج لها ولرجالاتها، وقد أكدت الهيئة العليا في تقريرها الأخير أن الدولة تسيطر على ما يقرب من ثمانين في المائة من الحضور على شاشات وقنوات الإعلام السمعي البصري، وهذا وضع مرفوض لأنه متخلف ينبغي أن ينتهي وتنتهي معه سياسة امتلاك واحتواء القطاعات الحيوية في المجتمع، مثل قطاع القضاء والعدالة ومجال حقوق الإنسان، ليكون اليوم العالمي لحرية الصحافة انطلاقة حقيقية تشهد على تحول جدي وجذري للمغرب نحو تتحرر الحقيقة من تحايل الدولة ومؤسساتها، وتحرر الرأي والرأي المضاد من رقابتها ونفوذها، ولكي لا نسمع، استقبالا، وزيرا أو مسؤولا من مجلس لحقوق الإنسان يهين الصحافة أو يهددها أو يتوعدها. شكرا للصحافة في المغرب وفي العالم وهي صامدة دفاعا عن القضايا الإنسانية العادلة، وشكرا للصحفيين ماداموا في مقدمة المدافعين عن حرية التعبير بوعي وجرأة وأخلاق ومسؤولية.