شد الحبل القائم بين الصحافة خاصة ما يعرف بالمستقلة منها، والدولة والذي انطلق مسلسله منذ بداية العهد الجديد في المغرب أو قبل ذلك بفترة معينة، أصبح يتطلب نقاشا وطنيا هادئا بعيدا عن كل أشكال البوليميك، لمعرفة أسبابه ودوافعه، خاصة وأن العديد من الكتابات الصحفية، ومن خلال الحرب المعلنة والخفية بين مكونات الجسم الصحفي وصلت في كثير من المراحل إلى حد فضح علاقات معينة لهذا المنبر أو ذاك بجهة من الجهات المتحكمة في مصادر القرار، سواء السياسي أو الاقتصادي، مما يعطي الانطباع أن الصحافة المستقلة ولا نقصدها كلها، ولكن الأغلب فيها كان نتاج مخطط محدد في مواجهة الصحافة الحزبية، وفي تمرير بعض المواقف تحت غطاء حرية الرأي والتعبير، وهو ما يبدو جليا في كثير من المنابر التي تلتقي وليس من باب الصدفة في الانخراط في حملات محددة، وخلال فترات محددة، ضد جهات قد تكون من عالم السياسة، أو عالم الاقتصاد، أو عوالم أخرى. ومن بين أبرز المواجهات التي ظهرت موازاة مع استغلال التطور النوعي في مجال الحريات، اعتماد أنواع من الإثارة المبنية على تقديم معطيات ذات حساسية بالغة لكن بعيدا كل البعد عن مفاهيم المهنية المبنية على أن »الخبر مقدسم والتعليق حر«، مما يضع إشكالا حقيقيا في علاقات الصحافة بالمنظومة القانونية، وبحق الأفراد والجماعات في الدفاع عن ذواتهم، مما يمكن أن يشكل تشهيرا، أو قذفا، أو محاولة، لزعزعة العقائد الاجتماعية والدينية على حد سواء، وهو ما يعتبره الجسم الصحفي عند تحققه استهدافا للصحافة وتقييدا لحريتها من خلال مبدأ: »التضامن الصحفي« لاشك أن للصحافة دورا أساسيا وجوهريا في صناعة الرأي العام، وتوجيهه وتعبئته، وهو الدور الذي قامت به ولسنوات طوال الصحافة الحزبية، وأدت فيه ثمنا باهظا تشهد عليه أحداث كثيرة من ضمنها الاعتداء الشنيع الذي تعرضت له مطبعة الرسالة في العهد الأوفقيري، ومحاكمة الأستاذين الجليلين عبد الكريم غلاب وعبد الجبار السحيمي شافاه الله في قضية »السيادة للأمة«، وصدور جريدة العلم الغراء في العديد من أعدادها بأعمدة كتب فيها حذفته »الرقابة« وهي نفس الممارسات التي تعرضت لها صحف حزبية أخرى مثل جريدة »المحرر«، ونسوق هذه الأمثلة على سبيل المثال لا الحصر، للتأكيد على أن الصحافة الحزبية لعبت دورا استراتيجيا في تحقيق الكثير من المكاسب التي تجني ثمارها اليوم الصحف المستقلة، دون إغفال قيمة تأسيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية والدور الذي لعبته في ترسيخ أسس المهنية وحقوق الصحافة، وإحداث الميثاق الأخلاقي للمهنة، وهو الدور الذي مكن فيما بعد من تحقيق مكاسب مهمة، وإن لازالت تحتاج إلى الكثير من الجد لتحقيق تعاقد أكثر بين الدولة كمؤسسة مسؤولة عن الحرص على تطبيق القانون بدون تجاوزات، والجسم الصحفي كسلطة رابعة دون أن تتجاوز هذه السلطة حدود اللياقة الضرورية المبنية على المهنية في معالجة القضايا المطروحة مؤسساتيا بعيدا عن تصفية الحسابات عبر استخدامها من أطراف قد لا تبدو في واجهة الصورة، ودون المس بالحرمة الشخصية لأي كان، وتحت أي ذريعة كانت. وطننا يعرف تحولات مهمة تستوجب الحد من بعض الآثار غير السليمة بجدل يبدو أحيانا عقيما، ويضع موضوع توسيع الحريات في فوهة بركان نتيجة التهور من هذا الطرف أو ذاك، فكما أن المشهد السياسي عانى من ويلات البلقنة السياسية والترحال، فإن بعض صحافتنا اليوم ومع كل التقدير الواجب للنزهاء داخلها، أصبحت تعيش بلقنة خطيرة وتعيد إنتاج الترحال، الذي انتقدته كثيرا في المجال السياسي. ولبعض هؤلاء نقول ما قاله أبو الطيب المتنبي: »لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم«