طرحت القضية المعروضة على إحدى محاكم الرباط، التي يتابع فيها مدراء ثلاث يوميات مغربية (« الأحداث المغربية »، « الجريدة الأولى » و « المساء »)، ب « تهمة القذف » في شخص الرئيس الليبي معمر القدافي ( قائد الثورة، بصيغة الإعلام الرسمي في طرابلس )، الكثير من ردود الفعل، التي جرَّتْ إليها حتى النقابة الوطنية للصحافة المغربية، من خلال التأويل الذي أعطي للموقف الرسمي لهذه النقابة، ثم قلق بعض الزملاء المتابعين من ما اعتبروه « تقصيرا » في التضامن معهم. لكن، الحقيقة، أن القضية، التي لابد أن ننتبه إليها جميعا، ليست بين الجسم الصحفي المغربي، بعضه ضد بعضه، بل إن القضية أن هناك رئيس دولة مغاربية يرفع دعوى قضائية ضد صحف مغربية، لأنها لم تحترم القاموس الصحفي المستعمل في البلاغات الرسمية للدولة الليبية ( للجماهيرية العظمى )، والحال أن هذه الصحف لا تصدر في طرابلس (وصعب تصور صدور شبيهات لها في بلد البطل عمر المختار، لأنه لا مجال للمقارنة بين واقع الحريات في التعبير بين الدارالبيضاء وبنغازي ). بالتالي، فإن صحفنا المغربية غير ملزمة باتباع ذلك الخط التحريري المتبع والمقرر والمفروض، في الجماهيرية. لقد أخدت القضية أبعادا كبيرة، بعد أن دخلت على الخط العديد من الفضائيات العربية، وبعض من الصحف الجزائرية، التي اهتبلتها فرصة للعب دور « محامي الشيطان »، بغاية الوصول إلى خلق فجوة ما في العلاقات بين الرباطوطرابلس. وهي على كل حال لعبة قديمة ( بل إنها لعبة « بايتة » و « حامضة » ) ما عاد أحد يأكل منها اليوم، لأن واقع المغارب اليوم ليس هو واقعهم قبل عقد من الزمن. مثلما أن الدور المغربي في دعم الحق الليبي في العودة إلى الإندماج في منظومة العلاقات الدولية، بعد سنوات الحصار الصعبة التي عانى منها شعبها، لا ينكره ولا ينساه الليبيون، لإدراكهم أن المغرب لا يفاضل قط بذلك الدور عليهم. الحقيقة، أنه لا يمكن للمرء إلا أن يتضامن مع الزملاء الصحفيين المغاربة في مواجهتهم للدعوى القضائية التي رفعها الرئيس الليبي ضدهم في الرباط، خاصة وأن ما تتأسس عليه الدعوى غير سليم مهنيا وحقوقيا، وتمة ثقة كاملة في أن يعيد القضاء المغربي الأمور إلى نصابها العادي والطبيعي. حتى، والواحد منا يدرك أن قضايا مثل هذه القضية، مفروض أن تعرض على قضاء متخصص في « جرائم الصحافة »، لا نتوفر عليه بعد في بلادنا للأسف. وما دام الأمر يكتسب بعدا سياسيا واضحا، لابد من الإنتباه - عكس ما ذهبت إليه بعض الكتابات الفرانكفونية المغربية - أن المنتصر رمزيا في العملية هو المغرب وجسمه الصحفي، ذلك أن رئيس دولة عربية مغاربية إفريقية، التجأ إلى القضاء، حين شعر أنه أسيئ إليه، وأنه متضرر من تلك الإساءة. وهذا مهم.. لماذا هو مهم؟!، لأن القدافي لم يلتجئ إلى زملائه المسؤولين المغاربة الرسميين، عبر القنوات الطبيعية ( والسرية ) بين الحكومات والدول، للضغط من أجل إسكات الصحف المغربية أو الإنتقام منها، كما اعتاد أن يفعل العديد من قادتنا العرب وفي مقدمتهم قادتنا المغاربيون. فالرجل، مهما كان، التجئ، في هذه النازلة المغربية، إلى القضاء. مما يترجم أنه يثق في هذا القضاء، مثلما أنه يدرك أن العملية السياسية في المغرب تغيرت، وأن لا سبيل سوى اتباع مسطرة دولة الحق والقانون، وهي المسطرة القانونية العادية كما هو معمول به في كل الدول ذات الخيار الديمقراطي الذي لا رجعة فيه. وهذا مما يجب أن يحترم عليه الرئيس الليبي، حتى والواحد منا لا يتفق بتاتا مع أسباب رفع الدعوى لا مهنيا ولا حقوقيا، ويأمل من القضاء المغربي إنصاف الزملاء في الجرائد الثلاث بقوة الحق والقانون والعدل. في هذا السياق، تحضرني واقعة، ضمن وقائع عدة، كان زملاء صحفيون مغاربة يعملون في قنوات فضائية عربية وأجنبية، ضحايا لها، حيث تدخل رؤساء دول مغاربية لدى حكومات ووزارات إعلام تلك الدول، من أجل توقيف وطرد هؤلاء الزملاء بدعوى « أنهم بوق للدعاية المغربية الرسمية » ( حالة، كانت قد وقعت للزميل محمد العلمي بواشنطن، وحالة أخرى وقعت للزميل حسن الراشدي بالدوحة ).. هنا، لم يكن هناك لا قضاء، ولا فرصة لنقاش عمومي، ولا هم يحزنون.. كان هناك القرار السلطوي، وكانت هناك المجاملة السياسية، التي تعتبر الصحفي في نهاية المطاف حائطا قصيرا، لا يستحق أي اعتبار أو اهتمام. أما في الحالة المعروضة أمامنا كجسم صحفي مغربي، فإنها فرصة أخرى كي نعلي من النموذج المغربي في التدبير والتعامل، داخليا وخارجيا. أي أن لكل سلطة مكانتها ودورها ( وضمنها سلطة الإعلام وسلطة القضاء )، وأن حوادث الطريق في مهنة خطيرة مثل مهنة الصحافة، تأخدنا إلى بعض الضوء الحارق، وأن القضاء خيمة الجميع التي تعيد الأمور إلى نصابها في هذا الإتجاه أو ذاك. والرابح هو الديمقراطية ودولة الحق والقانون.