من الصعب المسارعة إلى تقييم محطة مؤتمر الاتحاد الاشتراكي في شوطه الثاني، فعناصر مثل هذا التقييم لم تكتمل بعد، فلحد كتابة هذه السطور، لم تكتمل عملية إقرار أوراق المؤتمر، وبشكل خاص أرضيته السياسية، ولم تكتمل عملية انتخاب المجلس الوطني والمكتب السياسي، لكن هذا لا يمنع من تسجيل بعض الملاحظات الأساسية: - الملاحظة الأولى: يبدو أن الحزب نجح في لملمة جراحه الداخلية، وتوصل ما بين شوطي المؤتمر إلى الصيغة التي منعت الاتحاديين من إفشال مؤتمرهم، ولم تكن هذه الصيغة سوى الآلية الديمقراطية التي جعلت انتخاب الكاتب الأول للحزب والمجلس الوطني وكذا المكتب السياسي يتم بشكل مباشر من قبل المؤتمرين. - الملاحظة الثانية: يضيف هذا المؤتمر مؤشرا ثانيا على أن الآلية الديمقراطية داخل البنية الحزبية قد تعززت، فبعد المسيرة التي دشنها حزب العدالة والتنمية بمؤتمره السادس، يأتي هذا المؤتمر ليعزز هذه الآلية، ويظهر مرة أخرى أن الأحزاب السياسية المغربية آلت إلى تبني ديمقراطية مفتوحة، بل وصارت تحتكم إلى الآلية الديمقراطية لفك خلافاتها التنظيمية، ورسم اختياراتها السياسية والاستراتيجية، وهو ما يمكن أن يعتبر جوابا على الذين يسوغون شرعية وجودهم للاستحواذ على الحياة السياسية بضعف الأحزاب وعدم اعتمادها للديمقراطية التنظيمية، كما يمكن اعتباره من جهة أخرى مكسبا حقيقيا للمغرب ولمساره الديمقراطي، إذ لا يمكن أن يتقوى مسار المغرب الديمقراطي إلا بأحزاب قوية، ولا قوة للأحزاب دون تفعيلها للديمقراطية الداخلية. - الملاحظة الثالثة: لأول مرة جرب الاتحاد الاشتراكي أن يدخل إلى المؤتمر بدون توافقات على القيادة وعلى خطه السياسي، وهو الأمر الذي كان يعتبر في بعض الأدبيات مغامرة غير محسوبة العواقب، لكن محطة مؤتمر الاتحاديين في شوطها الثاني جاءت لتكشف وهم كثير من التصورات التي تسوغ تعطيل الديمقراطية بدعوى المؤامرة والخوف على خط الحزب وخياراته الاستراتيجية. - الملاحظة الرابعة: بغض النظر عن المآل الذي ستنتهي إليه الأرضية السياسية التي أقرها المجلس الوطني، وهل سيقرها المؤتمر أم يدخل عليها بعض التعديلات أم يرفضها، فإن المؤتمر بحد ذاته هو تدشين لحوار سياسي حول العديد من القضايا وبشكل خاص حول تقييم تجربة الانتقال الديمقراطي والأعطاب التي تعاني منها، أوبلغة الشهيد المهدي بن بركة الأخطاء القاتلة التي أوصلت هذه التجربة إلى مداها. فمجرد إثارة النقاش بهذا الوضوح بخصوص هذه القضايا، ومجرد عرض وجود الاتحاد الاشتراكي في الحكومة للمساءلة، ومجرد عرض تجديد مفهوم الحزب لمنطق تحالفاته للنقاش، يعتبر في حد ذاته تعبيرا عن حراك فكري ودينامية سياسية تتحرك في أحشاء هذا الحزب، وسواء انتهى الحزب إلى هذه الصيغة أوتلك بخصوص تحالفاته أوالموقف من وجوده في التشكيلة الحكومية، فإن مجرد طرح هذه النقاط للنقاش السياسي يعتبر رسالة سياسية واضحة إلى أن المغرب لا يمكن أن يعود إلى أساليب الماضي في ممارسة العمل السياسي، وأن المغرب لا يمكن أن تمارس فيه السياسية بدون قواه الحية المنبثقة من المجتمع. - الملاحظة الخامسة: لقد أثبت هذا المؤتمر، وقبله مؤتمر حزب العدالة والتنمية، أن الأحزاب السياسية معنية لإثبات شرعية وجودها وشرعية موقعها في الخريطة السياسية أن تقطع مع الأشكال القديمة والمتقادمة في تدبيرها للقضايا التنظيمية والسياسية، وأنها معنية بتجديد آلياتها ومعنية أكثر بتجديد نخبها، وهي التحديات التي شرعت الأحزاب السياسية الحية في الإجابة عنها بما لا يترك مجالا للجهات التي تعلق الشماعة على ضعف الأحزاب لتبرر انقلابها على تجربة الانتقال الديمقراطي.