بعد مرور ست سنوات على اعتماد التفيناغ حرفا للأمازيغية وإدماجها في المنظومة التربوية، ما يزال هذا الحرف يعيش نوعا من الغربة بين الأوساط المغربية، فصعوبة تداوله جعلت أغلب المتعلمين المغاربة من أصول أمازيغية في وضع الأمية، كما إن هذا الحرف المعتمد يقف حاجزا بينهم وبين الإقبال على الأمازيغية وتعلمها، ولعل هذا ما جعل البعض يحمله مسؤولية الصعوبات التي يواجهها إدماج الأمازيغية في المنظومة التربوية ومحدودية النتائج المحصل عليها بعد مرور ست سنوات، في حين يراهن البعض على نجاح هذه التجربة رغم الصعوبات التي تواجه تداول الحرف. ومن جهة أخرى يطرح مضمون الكتاب المدرسي، والحوامل البيداغوجية مجموعة من التساؤلات حول مدى تلبيتها للمتطلبات التربوية للتلميذ. ومن أجل فهم هذه الإشكالات ارتأت التجديد أن تقترب أكثر من عملية تدريس الأمازيغية بالحرف التفيناغ، لتقف على أهم الصعوبات التي تواجه تدريس هذه المادة، والحلول المقترحة كي لا تبقى اللغة غريبة داخل بلدها، وكيف تكون حظوظها في التعليم أكبر. كما حاولت أن تتطرق إلى المواضيع التي يتناولها الكتاب الأمازيغي، ومدى اقترابه من الواقع المغربي. الأطفال والأمازيغية في مدرسة باب سبتة التابعة لنيابة الرباط، قابلت التجديد مجموعة من التلاميذ الذين يدرسون الأمازيغية، هذه اللغة التي أصبحت محور حديث الشارع المغربي، فمنهم من يتوق لتعلمها في المدرسة لأنها لغته الأم، وتشعره بالفخر، ومنهم من يتوق لتعلمها ليكسر ذلك الحاجز اللغوي بينه وبين أبناء بلده خاصة منهم غير الناطقين بالعربية، فيفتخر بدوره لأنه تعلم لغة أخرى. وبينما كانت هذه اللغة متداولة بشكل شفوي فقط، أصبحت اليوم لغة قائمة بذاتها تدرس في المدارس كغيرها من اللغات. لكن يبقى الحاجز الأكبر للكثيرين في تعلمها هو صعوبة قراءة الحرف التفيناغ الأمر الذي اعتبره البعض خطأ في حق الأجيال، خاصة الأمازيغ منهم، والذين وجدوا أنفسهم بين عشية وضحاها أميين عن اللغة التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم. هذه الطريقة في الكتابة التي ميزت حرف التيفناغ جعلت الأطفال يشبهونها بـ خربشات اللعب، منهم من يجد صعوبة في قراءة وكتابة الحرف ومنهم من يتعلمه كغيره من الأحرف العالمية، ويجد في تخطيطها نوعا من المرح والتسلية، لكن الأكيد أن تدريس الأمازيغية رغم كل السلبيات والعوائق التي يضعها التفيناغ جعل التواصل بين الأطفال أكبر، لأنهم تعلموا لغة جديدة. ماجدة الوردي، طفلة تدرس في السنة الثانية ابتدائي، عمرها 6 سنوات ونصف، تحدثت لـ التجديد بطلاقة عن حبها للغتها الأم، مؤكدة أن هذه اللغة أضافت إلى معلوماتها أشياء أخرى غير متداولة في الوسط الأمازيغي الذي تعيش فيه، مثل أسماء الأدوات المدرسية التي ظلت متداولة بالعربية، أو الفرنسية فقط، والملابس...، مشيرة إلى أن تعلم الأمازيغية يكسر ذلك الحاجز بينها وبين غير الناطقين بالعربية من المغاربة الأمازيغ، ويسهل عملية تواصلها معهم. ونفس الأمر ركزت عليه زميلتها في الفصل شيماء البالغة من العمر 7 سنوات، والتي أكدت أنه منذ دخولها إلى المدرسة وقراءة الأمازيغية لم تعد تجد صعوبة في التواصل مع عائلتها التي تقطن بالريف، وبدل الإحساس الذي كان يراودها بالغربة في منطقة أصولها، وأصبحت تشعر بالإندماج، وبأنها فعلا تنتمي للمنطقة بفضل عملية التواصل بالأمازيغية التي تلقتها في المدرسة.وليس الناطقون بالأمازيغية وحدهم من يشعر بالفخر لأنهم يتحدثون لغتهم الأم في المدرسة، ولكن أيضا الناطقون بالعربية، بحيث أكد بعض التلاميذ أنها تمكنهم من التواصل بشكل أفضل وأنها تكسر ذلك الحاجز بين غير الناطقين بالأمازيغية والناطقين بها في المغرب.ومن جهة أخرى اعتبر عبد الله أوباري باحث أمازيغي أن تدريس الأمازيغية يفتح الباب للتواصل بين الناطق بالأمازيغية و غير الناطق بها، مؤكدا في الوقت ذاته أن المشكلة ليست في تدريس الأمازيغية، ولكنها في الحرف الذي تدرس به، على اعتبار أن أغلب الأمازيغ أنفسهم يجدون صعوبة في تعلم التفيناغ، وتبقى مسألة تدريس الأمازيغية بالـالتفيناغ أهم حاجز أمام الإدماج الكلي للأمازيغية في المنظومة التربوية حسب أوباري. ومن جهته اعتبر المختار ماربو عضو جمعية سوس العالمة أن ما يعانيه إدماج اللغة الأمازيغية في المنظومة التعليمية مرتبط بمجموعة من المشاكل منها ما يرجع إلى تقصير الجهات المسؤولة سواء منها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أو وزارة التربية الوطنية. ويتقاسم معهما المسؤولية الجمعيات الثقافية الأمازيغية التي كان أولى بها وأجدر أن تدفع بالمشروع إلى الأمام بدل ما يقوم به البعض منها من تعمد عرقلته لإفشاله، حسب ماربو، مضيفا في الوقت ذاته أن موضوع حرف الكتابة في حد ذاته أحد أهم هذه الأسباب، وذلك لعدم مرونته من جهة، ثم لكونه حرفا إضافيا ينضاف إلى تلميذ في بداية مشواره التعليمي من جهة أخرى، بحيث إنه كثيرا ما اشتكى المدرسون من لجوء التلاميذ إلى الخلط بين بعض حروف العربية وحروف تيفيناغ في كتاباتهم، الأمر الذي اعتبره ماربو أحد أخطاء تجربة تدريس الأمازيغية، مؤكدا أنه لو تم تدريسها بالحرف العربي لاختلفت الحصيلة. مضمون الكتاب المدرسي يطرح مضمون الكتاب المدرسي الأمازيغي مجموعة من التساؤلات حول مدى استجابته لواقع الطفل، وللواقع المغربي ككل، وفي هذا الإطار اعتبرت ليلى أبالي مدرسة الأمازيغية في مدرسة باب سبتةبالرباط أن الكتاب المدرسي بالأمازيغية يعالج مجموعة من المواضيع التي لها علاقة بالأسرة المغربية، وبمحيط التلميذ، من أدوات مدرسية، ومحيط مدرسي، وبعض المصطلحات الجديدة في الأمازيغية بالنسبة للمدرسة مثل: المدير، الأستاذ، التلاميذ.كما اعتبرت ليلى أن محتوى الكتاب الأمازيغي لا يختلف عن محتوى كتاب القراءة باللغة العربية، سواء فيما يتعلق بتناول الموضوعات، أو بالدور المنشود منه وهو تربية التلميذ على المواطنة، وعلى القيم الدينية. والكتب المدرسية الأمازيغية تعالج كل ما له علاقة بالثقافة المغربية، بحيث يتعلم التلميذ في البداية بعض الجمل الخفيفة التي تمكنه من أن يتواصل مع مجتمعه بشكل سليم، كما أنه يتلقى بعض مبادئ التربية على الأخلاق والمواطنة والقيم الحميدة، هدفها إعداد مواطن مغربي معتز بهويته، وثقافته، ومنفتح على محيطه المحلي والجهوي والوطني والكوني حسب أبالي. كما أن المقرر الإبتدائي بالأمازيغية يعتبر مكملا للمقرر بالعربية، إذ يسلط الضوء على بعض أبطال التاريخ المغربي، وعلى الشخصيات الأمازيغية من أجل تقريب الطفل من الثقافة الأمازيغية والشخصيات التي بصمت تاريخ المغرب.ومن جهته اعتبر امحمد البغدادي، مدير مركز الدراسات البيداغوجية والأبحات الديداكتيكية بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أن الموضوعات التي تعالجها المقررات المدرسية الأمازيغية، مرتبطة بكل ما له علاقة بالواقع والمستقبل، وهي إسقاط لنموذج هدفه صنع التغيير الإيجابي، على اعتبار أن جميع المجتمعات لها طموحات، ولها إسقاطات مستقبلية، ولها نماذج تطمح إلى تحقيقها في المستقبل، ومن هذا المنطلق، فإن صورة المرأة الأمازيغية في الكتاب المدرسي، ليست فقط تلك القروية وإنما هي أيضا تعيش في الحداثة وتواكب متغيرات العصر، كما أكد البغدادي أن الكتب المدرسية الأمازيغية تركز على مسألة التربية عن طريق التنشئة الاجتماعية، وعن طريق تغيير المفاهيم بالتمدرس وتربية الطفل على المواطنة وكل ما له علاقة بالقيم الدينية والأخلاق. ومن جانب آخر اعتبر أوباري أن الكتاب الأمازيغي لا ينفتح بما فيه الكفاية على العمق العربي والإسلامي، والمواضيع التي لها علاقة بمحيط الطفل في شكله المغربي المتنوع تبقى محدودة، في حين يركز على كل ما له علاقة بالتقاليد الثقافية الأمازيغية فقط. صعوبات في التدريس يعرف تدريس هذه اللغة الحديثة في المنظومة التربوية مجموعة من المشاكل بحيث اعتبرت ليلى أبالي أن أهم عائق هو مشكل التخصص، وجدول استعمال الزمن، بحيث إن الأستاذ غير متخصص في تدريس الأمازيغية يجد صعوبة في ممارسة عمله، وهو الأمر الذي عملت نيابة الرباط على تداركه، بالإتجاه إلى تدريس الأمازيغية عن طريق أساتذة متخصصين في حين يبقى التخصص غائبا في باقي نيابات وأكاديميا المملكة فيما يخص تدريس الأمازيغية. إضافة إلى ذلك فإن تدريس 3 ساعات المقررة من الأمازيغية أيضا يواجه صعوبات فيما يخص استعمال الزمن نظرا لكثافة المواد الدراسية المقررة للتلميذ. وبما أن الأمازيغية ما تزال حديثة العهد بالمجال الدراسي فإنها تفتقر إلى بعض المعينات الديداكتيكية، ووسائل الإيضاح التي يراها الأستاذ ضرورية في عملية التدريس، خاصة أن الطفل يسمع بعض المصطلحات لأول مرة ويحتاج لفهمها عن طريق الصورة، سواء كان أصله أمازيغيا أو عربيا، لأن بعض المصطلحات غير متداولة بين الأمازيغ ولا يمكن للشخص أن يتعلمها إلا في المدرسة حسب أبالي. من بين الصعوبات أيضا عدم توحيد الكتاب المدرسي المقرر على صعيد الجهة، بما فيها مراجع الأستاذ، مما يكرس خوف أصحاب المكتبات من عدم بيع منتجاتهم وبالتالي التلميذ هو الذي يدفع الثمن بتعذر حصوله على الكتاب المدرسي. زيادة على كل ذلك فإن هناك بعض الأخطاء في بعض القواميس التي يستعين بها التلميذ تاوالت ئينو والذي يعتمد الترجمة سواء من الأمازيغية إلى العربية أو إلى الفرنسية، مما يطرح مسألة مراقبة القواميس التي تباع في الأسواق من طرف المعهد الملكي، كي لا يكون هناك خلط في بعض المصطلحات اللغوية التي توقع التلميذ في عدم الفهم حسب أبالي.ومن جانبه اعتبر المختار ماربو أن ما تتميز به معاجم وقواميس اللغة الأمازيغية من تنوع إقليمي لهجي - وتقني مهني - وفني، هو إضافة نوعية من أجل تلبية حاجات المدرسين والمتعلمين على السواء.غير أن مشكل هذه المعاجم حسب ماربو هو كونها عبارة عن جهود شخصية أو جهود مشتركة لفردين مهتمين فقط، في غياب أي عمل منبثق عن مؤسسة رسمية ذات مصداقية، الأمر الذي جعلها عرضة كما هو معروف للأخطاء والتناقضات والاختلافات خاصة في ظل الوضع الحالي للأمازيغية كلغة بحاجة إلى التقعيد والمعيرة والتوحيد حسب المتحدث نفسه. ومن بين الصعوبات أيضا التي تواجه التلميذ الذي يدرس الأمازيغية هي ارتفاع ثمن الكتاب المدرسي كما أكدت ذلك المدرسة ليلى أبالي، بحيث أن المقررات التي يصدرها المعهد تباع بثمن مناسب يتراوح ما بين 9 دراهم، إلى 16 درهم، عكس الكتاب المدرسي الذي يؤلفه مجموعة من الأساتذة والمفتشين، والذي وصل ثمنه إلى 32 درهما، مما جعل أن أغلب تلاميذ السنة الأولى لم يشتروا كتاب الأمازيغية، حسب أبالي، وهو الأمر الذي اعتبره المختار باربو لا يصب في صالح مشروع إدماج الأمازيغية، خاصة أن بعض الأساتذة في هذه الحالة يضطرون إلى الإستغناء عن الكتاب المدرسي واعتماد وسائل تعليمية أخرى كالسبورة، مما يزيد من ضعف حصيلة التعلم.كما إن ثمن الكتاب المدرسي الأمازيغي في السوق يعد الأغلى بالقياس إلى بقية الكتب الأخرى، وهو الأمر الذي حمل فيه باربو المسؤولية للوزارة على اعتبار أنه كان من المفروض عليها أن تأخذ بعين الاعتبار وضعية الفقر التي تعاني منها أغلبية ساكنة العالم القروي وهم الفئة الأكثر استهدافا. أضف إلى ذلك أن الكتاب الأمازيغي هو الوحيد المستثنى من قائمة ما يوزع ضمن محافظ مشروع مليون محفظة، بل وفي كل مبادرات الدعم الشبيهة سابقا حسب نفس المصدر.ناهيك عن كل ذلك اعتبرت ليلى أبالي أن 3 دورات تكوينية التي يخصصها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية لتكوين الأساتذة غير كافية، ويحتاج الأستاذ إلى المزيد.