إلى حدّ يمكن الوثوق من دعوة الاتحاد الاشتراكي في مشروع أرضية السياسية التي صادق عليها مجلسه الوطني إلى إقامة ملكية برلمانية؟ تاريخيا في أدبيات الاتحاد الاشتراكي، خاصة بعد انفصاله عن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، فإن مطلب الملكية البرلمانية كان يبرز إلى أي حد أن الحزب يناضل من أجل دولة ديمقراطية، وبالتالي كان يتصور أن الملكية لا يمكن أن تكون ديمقراطية إلا إذا كانت برلمانية، بمعنى أن الملك ينبغي أن يسود وأن لا يحكم، في حين يوكل دستوريا وقانونيا الحكم إلى الوزير الأول من خلال اختصاصات محددة، بعد أن تفرزه نتائج الاقتراع، ويحظى بأغلبية برلمانية، وهذا المطلب تم التعبير عنه إلى حدّ ما في المؤتمر الثالث للاتحاد الاشتراكي في ,1978 لكن بعد ذلك، عاد الاتحاد الاشتراكي ليعبر عن رؤية أخرى، كان يعتبرها متوازنة، بالنظر إلى ميزان القوى السياسي الذي كان قائما، ودعا حينها إلى ملكية متوازنة، بمعنى تحقيق توازن بين الحكومة والملك، غير أن هذا المطلب اختفى ضمنيا في مرحلة ثالثة، ورفعته في المقابل تنظيمات يسارية معروفة، أبرزها منظمة العمل الشعبي التي تأسست في بداية الثمانينات، وتشكل العمود الفقري لليسار الاشتراكي الموحد اليوم. وبالتالي فإن عودة هذا المطلب اليوم كما تضمنته مشروع الأرضية السياسية التي ستقدم إلى المؤتمر الثامن، أي الدعوة إلى ملكية برلمانية، أرى أن الاتحاد لا يطرحه كمطلب فوري وآني، بل كمطلب استراتيجي، بمعنى أن النضال الحزبي يجب أن ينتهي إلى إقرار ملكية برلمانية، وليس مطلبا فوريا وآنيا، وبالنسبة للحزب فإن إقامة ملكية ديمقراطية لا يمكن أن تتحقق إلا في ملكية برلمانية. لكن لهذه الدعوى اليوم سياق سياسي بحيث أنها جاءت بعد 10 سنوات من وجود الاتحاد الاشتراكي في الحكومة، انتهت بخلافات قوية بين قادته، ألا تعتبر تلك الدعوة مقدمة وتمهيد نحو دفع المؤتمر في شوطه الثاني للخروج من الحكومة والعودة الى المعارضة؟ كما قلت لك فإن الاتحاد الاشتراكي يعتبر أن ملكية برلمانية هو مطلب استراتيجي، أي على المدى البعيد، وليس مطلبا آنيا أو مستعجلا، و أعتقد أن الحزب قادر على تقديم تأويلات، لما دعا إليه، ونحن نلاحظ كيف أنه عندما قرر المشاركة في الحكومة، فقد برر مشاركته بأنه يرغب في دفع مسلسل الانتقال الديمقراطي إلى الأمام، وبالتالي بناء الدولة الديمقراطية، واليوم أكيد أن الحزب، وانطلاقا من حسابات معينة، قد يجعل من انتقاله للمعارضة كمدخل لتفعيل هذا المطلب الاستراتيجي، وقد يكون العكس، بمعنى قد يعتبر استمراره في الحكومة هو مدخل من أجل توفير الشروط لتحقيق المطلب نفسه، إن التبريرات لا تعوز قادة الحزب، ولكن كما قلت فالاتحاد الاشتراكي من خلال أرضية البيان السياسي يتحدث عن مطلب استراتيجي وليس مطلبا آنيا أو فوريا. وهذا يعني أنه لن تكون هناك مفاجآت في الشوط الثاني للمؤتمر؟ انطلاقا من أرضية البيان السياسي، فإن الذي يظهر هو أنه لن تكون هنالك مفاجآت، فالبيان السياسي لا يتحدث عن موقف واضح بخصوص البقاء في الحكومة أو الانتقال إلى المعارضة، بمعنى آخر فإن قرارا بهذا الشأن قد يوكل إلى الهيئات التي ستسير الحزب ويفرزها المؤتمر، بمعنى قد يفوض إلى المكتب السياسي المقبل، اتخاذ القرار المناسب وفق حسابات ورهانات محددة. منها تقوية الثقة والصف الداخلي وأيضا تدبير الاستحقاقات المقبلة، غير أنه كل الاحتمالات تبقى واردة.