احتد النقاش مؤخرا حول هوية مشروع قانون المالية لسنة ,2008 فبينما ترى الحكومة أنه المشروع الذي أعطى الأهمية للقطاعات الاجتماعية وقدم بصددها إجراءات متقدمة، ترى المعارضة أن هذا المشروع لم يأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الدولية ولا الواقع الوطني المتضرر بالفياضات والكوارث الطبيعية، وأن الإيجابيات التي وردت في هذا المشروع بخصوص التخفيض على الضريبة على الدخل لا تشمل إلا ثلث المغاربة، بينما لم تقدم الحكومة أي إجراء يستفيد منه الثلثان المتبقيان من المغاربة كالتخفيض على القيمة المضافة مثلا والذي عرف على العكس من ذلك تزايدا في العديد من المنتوجات الأساسية للموطنين، في هذا الحوار يناقش الدكتور محمد نجيب بوليف مشروع قانون المالية لسنة ,2008 والمرتكزات التي بني علي ويبسط ها، ويكشف عن أهم التعديلات التي ينوي حزبه التقدم بها. بشكل عام، ما هو العنوان الذي يختصر فلسفة الحكومة في مشرع قانون المالية لسنة 2009؟ مشروع قانون مالية خارج التغطية باعتبار أنه لم يأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الدولية الأخيرة المتعلقة بالأزمة المالية، و لا الواقع الوطني المتضرر بالفياضانات والكوارث الطبيعية. أشار وزير المالية إلى أن مشروع قانون المالية لهذه السنة أولى عناية كبيرة للقطاعات الاجتماعية (التعليم، الصحة..) هل تشاطرونه الرأي في كون هذا المشروع خلافا لسابقيه من المشاريع كان بأولية اجتماعية؟ هناك ملاحظة أولية لا بد من الإشارة إليها: الحكومة لا زالت متمادية في اعتبارها بعض القطاعات قطاعات اجتماعية، بينما الأصل فيها أنها قطاعات إنتاجية. فالذي يعتبر أنه من الاجتماعي تدريس المغاربة وتعليمهم ففهمه خاطئ وقاصر، وبالتالي لا يمكنه أن يعطي لهذا القطاع ما يستحق. فقطاع التعليم قطاعي إنتاجي يوفر القدرات البشرية المكونة الضرورية لإنتاج وافر ونوعي، وكلما ارتفع مستوى التعليم والتربية إلا وارتفعت الإنتاجية، وبالتالي فلا بد من إعادة النظر في تقسيم الحكومة لميزانياتها القطاعية. أما من حيث المبالغ المخصصة لهذه القطاعات التي تعتبرها الحكومة اجتماعية، فالملاحظ أن ميزانياتها قد ارتفعت قياسا مع السنة الماضية لكنها لازالت قاصرة عن تحقيق الأهداف المرجوة، أولا باعتبار حجم الزيادة في الميزانيات الاجتماعية كان في حدود 12 مليار درهم، بمعنى حوالي 10 في المائة بينما زادت نفقات الدولة خلال 2009 بأكثر من 20 في المائة، فالزيادة في القطاعات الاجتماعية إذن لم تصل إلا إلى نصف الزيادة في الميزانية العامة للمغرب. ثانيا: إن حجم التحديات الاجتماعية كبير وخصوصا بعد الارتفاعات الكبيرة التي عرفها مؤشر تكلفة المعيشة خلال السنوات الماضية، ثالثا: إن أغلب الزيادات تخص مجال التسيير وبالتالي لن يعرف الاستثمار في هذه القطاعات الإنتاجية زيادات معتبرة تمكنها من تجاوز الإشكالات المتراكمة. من القضايا الإيجابية التي أشار إليها قانون المالي التخفيض في الضريبة على الدخل، من 42 بالمائة إلى 40 بالمائة، هل هذا الإجراء يؤشر على أن الحكومة وفت بالتزاماتها بخصوص إيلاء الجانب الاجتماعي أولوية كبيرة؟ لقد قدم الوزير الأول تصريحه الحكومي- بعد توليه رئاسة الحكومة- الذي ركز فيه على الرفع من مستوى عيش المغاربة من خلال تخفيض الضرائب. لكننا نلاحظ على الحكومة أنها لا تمتلك نظرة شمولية لهذا الموضوع، موضوع الإصلاح الضريبي، بحيث أنها تجزئ تنزيله خلال سنوات. فسنة 2008 تم التخفيف فيها من عبء الضريبة على الشركات، حتى بالنسبة للمؤسسات المالية والبنكية التي لم تكن بحاجة لهذه التخفيضات، ولا زال المغاربة، كل المغاربة، ينتظرون تخفيض الضريبة على القيمة المضافة كما تم الوعد بها لأنها تمسهم جميعا دون استثناء. وبالرجوع لهذه السنة، فقد قررت الحكومة التخفيف من عبء الضريبة على الدخل، وهذا شيء جميل وهام لا يمكن إلا تثمينه بالنسبة للوطن ككل، لكن هنا أيضا وجب القول أن الذين سيستفيدون من هذا الإجراء يمثلون حوالي ثلث المغاربة بينما الثلثين لن يستفيدوا، مما قد تكون له تبعات أخرى متعلقة بتعميق الفوارق الاجتماعية بين مختلف فئات المجتمع، وخاصة الفلاحين والمياومين والذين لا عمل قار لهم. كما أننا نقول أن الدول المماثلة للمغرب كمصر والأردن وغيرها قامت بزيادات هامة في هذا المجال، مما رفع القدرة الشرائية بأكثر مما سيحصل في المغرب، وثالثا إن هذه التخفيضات الضريبية كانت ستكون مفيدة جدا لو لم تكن الزيادات في الأسعار بالمستوى الذي عرفه المغرب خلال ,2008-2007 مما يعني أن القدرة الشرائية، بعد هذه التخفيضات ستعود إلى مستوى ما كانت عليه سنة .2006 ما هي في نظركم أهم الانتقادات التي تسجلونها على مشروع قانون المالية لسنة 2009؟ الانتقادات كثيرة وعديدة نذكر منها: - غياب أولويات وأهداف سنوية مالية واقتصادية واجتماعية، في مقابل التصريح بمجموعة من الأهداف الفضفاضة كالوحدة الترابية ووسطية الإسلام....وهي أهداف بعيدة عن القانون المالي و لا يكاد يجادل فيها أحد. - تقديم المشروع بنفس إيجابي، دون الإشارة إلى الإكراهات العديدة التي يعرفها المغرب، سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي أو الدولي أو الوطني... - غياب منظومة إصلاحية تنموية متكاملة ومندمجة لإخراج المغرب من مشاكله الاقتصادية والتنموية. - غياب الحديث عن الأزمة المالية العالمية وتبعاتها على الاقتصاد والنمو المغربيين، وكأن المغرب منعزل وغير مرتبط بالدول التي تعرف الأزمة، مما قد يدفع المغرب لا حقا إلى اتخاذ تدابير استثنائية غير واردة في المشروع، وخاصة بعد المشاكل التي قد يعرفها القطاع العقاري والسياحي وقطاع النسيج وتحويلات المغاربة بالخارج وقطاع البورصة.... - غياب مقترحات واضحة حول الإجراءات الممكن اتخاذها لتجاوز الفياضانات والكوارث الطبيعية الأخيرة التي حلت بالمغرب، وخاصة بعض مدنه كطنجة مثلا التي تضرر نسيجها الصناعي الإنتاجي مائة في المائة في إحدى أكبر المناطق الصناعية بالمغرب. - غياب إجراءات حقيقية على المستوى الضريبي والجبائي العام، بل اتخاذ تدابير متعارضة كالرفع من الضريبة على القيمة المضافة على الصابون المنزلي والطرق السيارة مثلا، مما سيرفع من تكلفة نقل البضائع.... - عدم الشفافية في عرض المعطيات الاقتصادية والمالية المتعلقة بالميزانية، من قبيل إخفاء الموارد الهائلة التي نتجت عن صادرات الفوسفاط ، مقابل الحديث المبالغ فيه عن الاستيراد الطاقي، بينما عرف الميزان التجاري فائضا لصالح المغرب إذا ما قارنا صادرات المغرب الفوسفاطية وواردات المغرب الطاقية فقط، مما يخلق لدى المغاربة تصورا بأن ارتفاع الأسعار العالمية أثر سلبا على الميزان التجاري بينما العكس هو الذي حصل. نفس الأمر يمكن قوله فيما يخص المداخيل الضريبية التي فاقت التوقعات ب45 في المائة، مما يفيد أن البرلمان لم يستطع التدخل في صرفها وتوزيعها على القطاعات المختلفة، الأمر الذي قامت به الحكومة في غياب تشريع خاص في هذا المجال. - عدم الوضوح فيما يخص بعض المداخيل والنفقات، فالحكومة مثلا قررت صرف 500 مليون درهم لدعم الصادرات المغربية، 250 منها ستصرف سنة 2009 وذلك بإحداث صندوق خاص، غير أن هذا الصندوق لم يرد في المشروع المالي و لا ندري كيف تم إحداثه وكيف سيتم صرف المبالغ المودعة به... ما هو أهم تعديل تعتزمون تقديمه على هذا المشروع؟ هناك تعديلات تمس الرفع من القدرة الشرائية للمواطنين، وكذلك تقليص الفوارق الاجتماعية، وإعادة النظر في مسألة التمويل.... يتضمن هذا المشروع إعادة النظر في الازدواجية التي كانت مفروضة على رسوم التسجيل بالنسبة إلى المرابحة التي تعمل به التمويلات البديلة، ما هي حيثيات هذا الإجراء،هل من شأن هذا الإجراء أن يرفع من الإقبال على منتوجات التمويلات البديلة؟ لا بد من الإشادة بهذا التعديل الذي قامت به الحكومة نظرا للاحتجاجات المتكررة التي قام بها المواطنون بهذا الخصوص والذين اعتبروا أن إدراج المنتوجات البديلة بالصيغة السابقة هدفه قتلها في المهد. لكننا نرى أن موضوع التمويل بالمرابحة ينقصه كثير من التدقيق على اعتبار أن الضريبة يجب أن تكون محايدة بالنسبة لمختلف وسائل التمويل، بحيث لا تؤثر على صيغة تمويلية مقابل إفادات لصيغة أخرى. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الاقتراض الكلاسيكي بفائدة يستفيد من مجموعة من المزايا كتخفيض الفوائد من الحصيلة التي تؤدى عنها الضريبة على الدخل...إلخ، وبالتالي سنعمل على تقديم تعديلات بهذا الشأن بهدف جعل الضرائب محايدة. بنى مشروع قانون المالي لسنة 2009 تقديراته على 100 دولار كسعر لبرميل النفط، كيف تفسرون ذلك؟ وهل يمكن لهذا الاحتراز الذي لجأت إليه الحكومة أن يجنبها الإكراهات التي واجهتها السنة الماضية بسبب خطئها في التقدير؟ في جميع الحالات تبقى مثل هذه الفرضيات قابلة للنقاش، وملاحظتنا العامة في هذا المجال هو أن الحكومة لا تقوم بالمشاورات الضرورية مع المؤسسة البرلمانية لكي تقول هذه الأخيرة رأيها في الفرضيات العامة، وذلك على خلاف ما تقوم به المؤسسات الحكومية في الدول الديموقراطية. أما فيما يخص الأرقام فلا شك أن توقعات أكتوبر 2008 قد يتم تجاوزها خلال الأشهر المقبلة إذا ما قامت دول الأوبك بتخفيض ثاني لإنتاجها البترولي، لكن نقص الطلب سيبقي الأثمان بين 12080 دولار خلال سنة ,,.2009وبالتالي فإننا نعتبر أن توقع الحكومة معقول، لكن ما هو غير معقول هو ترامي الحكومة على أموال المواطنين بحيث أنها رفعت من أسعار البنزين عندما ارتفعت الأسعار العالمية، لكن عند الانخفاض بأكثر من 50 في المائة في الأسعار العالمية لا زالت الحكومة تأخذ الفارق من جيوب المواطنين وهنا يكمن الخلل الكبير في تدبير الشؤون العامة. كيف تنظرون إلى الإجراءات التي اتخذها القانون المالي بخصوص صندوق المقاصة؟ وما علاقة ذلك بالقدرة الشرائية للمواطنين؟ لا زال المغاربة ينتظرون إصلاح صندوق المقاصة كما وعدت بذلك الحكومة...التي لا زالت تقوم بدراسات في الموضوع. وأظن أن الحكومة لن تستطيع تقديم مشروع متكامل وخاصة أن هذه السنة هي سنة انتخابية بامتياز. أما المشروع المالي الحالي فهو يتحدث عن أرقام للدعم فقط...في غياب تصور إصلاحي واضح المعالم. وللإشارة فإن قطاع الطاقة خشركات التوزيع بالأساس- لازالت عنده متأخرات في حدود 6 مليار درهم ينتظرها من الحكومة...كما أن الحكومة تحصل على أكثر من 11 مليار درهم من المداخيل الجبائية الطاقية...وهي أمور تنتظر الوقوف الحقيقي عليها لاتخاذ التدابير اللازمة . ينتظر العديد من المواطنين أن يحمل هذا المشروع إجراءات ترفع من مستوى دخلهم وتعزز قدرتهم الشرائية، في نظركم هل استطاع هذا المشروع أن يلبي هذه الانتظارات؟ انتظارات المغاربة كبيرة في ظل التدني الكبير لمستوى العيش، كما أن التحديات الجديدة المتعلقة بأثر الأزمة المالية العالمية ستعمق الإكراهات. أضف إلى ذلك أن الكوارث الطبيعية التي حلت بالمغرب، في مختلف مدنه، بالشمال والشرق والجنوب والوسط، ستضطر الحكومة لاتخاذ تدابير استثنائية، مما سيقلص من قدرتها على التصرف المطلق في مداخيلها. كل هذه الإكراهات تجعلنا نقول أن الإجراءات الحكومية، مهما كانت، في ظل النفس الذي تشتغل فيه، وفي ظل غياب أهداف تنموية واضحة ومحددة، وفي واقع آسن تكثر فيه الرشوة والاستبداد الإداري والسياسي، لن يجرنا إلا إلى مزيد من تدهور القدرة السياسية على التعبير، وتدني القدرة الشرائية ... خلافا للوعود التي قطعتها الحكومة بشأن مراجعة الإجراء التي أقدمت عليه بالزيادة على الضريبة على القيمة المضافة على المنتوجات المقتناة بالليزينغ، جاء مشروع قانون المالية يزكي نفس إجراء قانون المالية ,2008 كيف تفسرون هذا التراجع؟ وكيف تقرؤون آثاره؟ هو تراجع واحد من بين التراجعات العديدة لهذه الحكومة. ويبدو لي أن الضغوطات واللوبيات العاملة في هذا القطاع استطاعت أن تقنع الحكومة بالعدول عن تقديم إجراءات نوعية في هذا المجال. وقد اعتبرت الحكومة أن تحول المستهلكين من التمويل بالليزنغ إلى التمويل عبر القروض الكلاسيكية أمر يخدم مصالحها ومصالح المؤسسات البنكية، وبالتالي فلا يعنيها التراجع عن الزيادة التي خصت عمليات الليزنغ السالفة. بالنظر إلى الأزمة المالية العالمية، هل ترون في الإجراءات التي اتخذها مشروع قانون المالية لسنة 2009 ما يجعل المغرب في مأمن من تأثيرات هذه الأزمة خاصة وأن تحليلات اقتصادية تقدر أن قطاع العقار والسياحة سيعرفان تضررا كبيرا؟ لقد سبق أن أشرنا إلى أن الأزمة المالية العالمية ستضر بالطلب الموجه للمغرب من الدول المتقدمة وخاصة أمريكا وأوربا، مما يعني أن السياحة المغربية ستتأثر، وقد صرح الوزير المكلف بالقطاع أن المغرب لن يصل إلى أهداف رؤية ,2010 التي حددت 10 مليون سائح، وهنا بداية التراجع، حتى قبل الأزمة... فماذا بعد الأزمة؟ كما سيتأثر قطاع الاستثمارات الأجنبية بالمغرب نظرا لأن الأموال التي كان من المفروض توجيهها للمغرب ستبقى في دولها. كما أن العقار الخاص بالأجانب خالفاخر- سيعرف تراجعا، أضف إلى ذلك أن تحويلات المغاربة بالخارج ستعرف نقصا باعتبار أن جزءا كبيرا منهم سيفقد مناصب عمله، وخاصة أن مجموعة من الشركات، وخاصة في قطاع السيارات قد أقفل أو سيقفل بأوربا، كما أن الصادرات المغربية ستجد صعوبة في تسويقها عند الدول التي ستعرف الأزمة، وخاصة في قطاع النسيج الذي بدأ يعرف تراجعا في الطلبيات منذ شهر شتنبر,,.2008وكل هذه الأمور لم تجد صدى عند الحكومة باعتبار أن الحكومة تقول أن المغرب لن يتأثر بالأزمة...فهل نحن في اقتصاد مغلق؟ هل نحن في جزيرة خاصة؟ هل تراجع بورصة المغرب بناقص 98 في المائة لم تؤثر فيه الأزمة العالمية؟ نترك لعقلاء الحكومة التقرير في هذا الأمر.