كان يفترض أن تمر مقاضاة الزميلة المساء الخميس 30 أكتوبر 2008 في جو يؤطره النفس العام للخطاب الملكي ل30 يوليوز ,2008 والذي تحدث بلغة واضحة عن ضرورة تحديث جهاز القضاء وصيانة استقلاله وتخليقه وتوفير مناخ الثقة والأمن القضائي، لكن يبدو أن الحكم الذي نطقت به محكمة الاستيناف أمس، والذي أكد حكم المحكمة الابتدائية، يبرز أن المسافة لا زالت طويلة بين التطلعات الرسمية بخصوص إصلاح القضاء وبين واقع الممارسة القضائية في المغرب عامة وبين تحول هذه الممارسة إلى رافعة للنهوض بالحريات والديموقراطية خاصة. وسواء حكمنا المعايير القضائية في تقييمنا لهذا الحكم أو حكمنا حتى المعايير السياسية ، فإن الحكم الذي صدر ضد الزميلة المساء لا يمكن أن يكون مبررا إلا أن يكون القصد من الحكم هو اغتيال المساء ومعها تجربتها الإعلامية، ذلك أن الحكم ب 600 مليون سنتيم و120 ألف درهم كغرامة للخزينة العامة مع تحميل الصائر للجريدة لا يمكن أن يفهم منه أحد أنه حكم يتعلق بجبر الضرر، ولا حتى برد الاعتبار لنواب وكيل الملك الأربعة في المحكمة الابتدائية بالقصر الكبير. فهذا المبلغ الضخم الذي حكمت به محكمة الاستيناف يعني أن المستهدف هو رأس المساء ومعه استهداف الحريات الصحفية بالبلاد وجلدها، وليس شيئا آخر مما قد يتذرع به، والتعلل بجبر الضرر ورد الاعتبار لقضاة في هذه القضية قد يكون له من معنى لو كان المبلغ المحكوم به على المساء معقولا يحقق مقصده من جبر الضرر، وينبه على الخطأ عندما يقع، فالأخطاء لا تسلم منها جريدة من الجرائد، ومتوقع من الجميع، والخيط الذي يوجد بين نقل الحقيقة كما هي وبين المس بسمعة شخص أو قذفه هو خيط دقيق ولهذا فالتجاوز وارد ، وسبقالمساء أن أعلنت أنها لم تكن تقصد الإساءة لنواب وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بالقصر الكبير، وأن المصدر الذي استقت منه الخبر لم يتأكد من معلوماته. فهذا الاعتراف من المساء كان يكفي لهيئة المحكمة لتنظر إلى ما نشرته المساء بخصوص هذه القضية على أساس أنه خطأ مهني لا قصد فيه للإساءة أو لتشويه سمعة أحد، لكن يبدو أن هيئة المحكمة، لم تأخذ بعين الاعتبار هذه الحيثية المهمة في الملف، وأكدت حكما أقل ما يقال عنه بأنه دفع للزميلة المساء إلى الإفلا. يبدو أن الذين اختاروا أن يدفعوا المساء لهذا المصير المؤلم يريدون أن يوجهوا رسالة واضحة لاشك أنها وصلت لجميع المنابر الإعلامية، فالأمر بدون شك لن ينتهي عند حدود المساء، وإنما الأمر في حقيقته يطال حرية الصحافة في هذا البلد، فاستهداف المساء لا يمثل إلا حلقة ضمن حلقات استهداف حرية الصحافة، وما البدء بالمساء إلا منطلق وإشارة لتسليط بعبع الإفلاس على كل تجربة إعلامية خرجت عن حدود السيطرة. المشكلة أن الذين يدفعون في خيار التضييق على حرية الصحافة لا ينتبهون إلى أن المغرب ـ حسب تقرير مراسلون بدون حدود ـ تدهورت رتبته في حرية الصحافة من 106 سنة 2007 إلى 122 في السنة الحالية، ولا يدركون أنهم بهذا الاستهداف يدفعوا المغرب لمزيد من التردي وليتبوأ مواقع تتقدم فيها عليه دول لم تكن يوما محسوبة ضمن الدول التي يوجد بها الحد الأدنى من الحريات. من الضروري أن تدرك بعض الجهات التي تتضايق من حرية الصحافة، ووتضايق من أي هامش للحرية في هذا البلد، وتتضايق من كل الأصوات الغيورة على الحرية في هذا البلد، من الضروري أن تعلم أن للمغرب أحد خيارين: إما أن يمضي في اتجاه الدمقرطة بجميع لوازمه ومنها ضمان حرية الصحافة، وإما أن يتجه البلد عكس هذا الخيار، أما التردد بين هذا الخيار وذلك، والتأرجح بين خيار الانفتاح وخيار مصادرة الحرية، فثمنه واحد وهو أن تنهار رتب المغرب في مجال الحريات وعلى رأسها حرية الصحافة، وهو الثمن الذي نتكبده كل يوم لكن أصحاب الشأن لا يستوعبون الدرس. وإلى أن يستوعب أصحاب الشأن هذه الرسالة، ننتظر ما ستؤول إليه القضية بعد إحالتها على النقض.