كل شيء يقوم على الثقة؛ وعندما تُفقد الثقة في أخلاق القائمين على الأمور وفي عملهم للمصلحة العامة قبل مصالحهم الشخصية يتحول الاقتصاد إلى غابة وينهار بسرعة ولا يبقى منها إلا الركام. هذا ما استنتجته مجلة ماريان وهي تصف فضيحة الشركة العامة الفرنسية التي هي ثاني أكبر شركة بنكية في فرنسا في عددها الأخير نهاية الاسبوع الماضي، والثقة لا يبعثها في الناس لا مرسوم ولا قرار من الحكومة. إن الأمر يقف على ضرورة تفادي تهرب المسئولين المذنبين من العقاب بشتى الذرائع. ففي حالة دانييل بوتان الرئيس المدير العام ل الشركة العامة؛ بدا السيد المدير بريئا؛ ففقط -كما تقول المجلة - تمكن من الاستحواذ على مبلغ مليون وثلاثمائة ألف أورو عن طريق المضاربة في أسهم الشركة التي هو مسؤول عليها في الوقت الذي يفقد فيه المساهمون كل ثرواتهم. وعندما انكشفت الحقيقة كان في إمكان الرئيس أن يبرر العملية بالمبرر الجاهز قبل المضاربة: هو بريء، فقط الموظف الشاب الذي يدير أعماله دخل في المزايدة دون علم الرئيس. هذه الحالة لها في بلادنا أكثر من نظير. ولا يحتاج المذنبون عندنا لتبرير أخطائهم فالطبيعي عندنا أن لا عقاب. والقصة التي كشفت عنها اسبوعية الحياة الجديدة حول التلاعب الكبير الذي تم من اجل تسهيل اقتناء مدير القرض السياحي والعقاري خالد عليوة لشقتين فاخرتين بالبيضاء من المؤسسة التي هو مسؤول عليها، ليست سوى التعبير المغربي عما حصل في فرنسا، ألم يقل الوزير السابق في الداخلية فؤاد عالي الهمة وداعم أحد المرشحين في الانتخابات الجزئية الأخيرة، ما معناه: من سرق شيئا من قبل فلا عقاب؟ تتحدث مجلة ماريان عن خيانة النخب أما عندنا فالأمر يتعلق بالخيانة والعجز معا. هل مقدور أنه حيثما وجد المال العام وجد ت بجانبه؛ المحسوبية والرشوة والفساد الإداري والمالي وجميع أنواع الفساد؟ تقرير المجلة كشف مسارات السرقة للمال العام والذي تم تحويله بطرق تشبه المشروعة وهي ليست مشروعة، في صناعة نخب المستقبل. فدانييل بوتان وأمثاله وحدهم يستطيعون أن يوفروا لأبنائهم تعليما في أرقى المدارس والجامعات التي تصنع النخب التي سوف تتحكم في أوصال الاقتصاد والشركات الكبرى التي تمكن من تكديس الثروات. وعندنا وحدهم المؤتمنون على المال العام يستطيعون أن يبعثوا بأبنائهم إلى أعلى المدارس الأمريكية والكندية وغيرها. وهكذا تورث مصادر الكسب السهل السريع. هل النخب خانت أو عجزت عن أن تتحمل مسؤولياتها كاملة؟ تخليق الحياة العامة شعار منذ أن أصبح تداوله مألوفا في خطابات المسئولين عندنا والمغرب يتراجع في سلم الثقةالتي بدونها تتحول الأنظمة الاقتصادية إلى غابة متوحشة. فبلادنا بعد أن كانت في الرتبة 52 في سلم محاربة الرشوة سنة 2002 أصبحت اليوم في الرتبة ,80 أما المخزي أكثر فهو أننا في الرتبة 164 في حماية المستثمرين ضمن مؤشر ممارسة الأعمال التجارية الصادر عن البنك الدولي. وكما يقال فإن الرأسمال جبان بطبعه حيثما انعدمت الثقة هرب بجلده.