لقد شكلت السلفية على امتداد التاريخ الإسلامي منهجا في الإقتداء بالسلف الصالح واستلهام تراثهم العلمي والأخلاقي والجهادي. و قد شكلت دعامة أساسية في مخيال المغاربة ضد الاستعمار وضد التخلف، فالسلفي في الأربعينات والخمسينات هو رجل مجدد، وطني، ومحارب للخرافة، فضلا عن الاستقامة والالتزام بالشعائر الدينية. غير أن هذه الصورة شهدت تغيرا كبيرا كدر صفاءها، وذلك حينما انتسب إلى السلفية أو نُسب إليها فئات عريضة من أهل الغلو والتشدد أو من تيارات التكفير والتفجير. وقد ازدادت هذه الصورة قتامة حينما سعت نفس الجهات التي تريد استغلال الطرق الصوفية لتوظيفها ضد الحركة الإسلامية، إلى القيام كذلك باستغلال حالة التعدد في الحقل السلفي من أجل التحريف والتخويف؛ تحريف لتلك الصورة الأصيلة للسلفية المغربية الإصلاحية العميقة الجذور والمنهج، وتخويف من الاقتداء بالسلف الصالح في توجيه وترشيد حركة التدين، ومن ثمة الحد من الانتماء والتعاطف المتواصل مع تيار الصحوة الإسلامية. ولمواجهة هذه المخططات على الحركة الإسلامية أن تسهم في تصحيح الصورة ثم البحث عن المشترك من مجالات العمل التي تساهم في التسديد والترشيد، وبناء علاقات تتنوع بتنوع أنماط السلفية. 1 ـ السلفية الأصيلة: لقد سعت عدة تيارات خلال فترة السبعينات والثمانينات إلى اجتثاث السلفية الأصيلة للمغرب من خلال إلصاق تهمة الرجعية والظلامية بهذا الفكر، وأذكر شخصيا كيف عانى طلبة حزب الاستقلال جراء تعرضهم لأبشع أشكال الترهيب والعنف عند ذكرهم لبعض أفكار علال الفاسي، مهما بلغت تلك الأفكار من عمق إصلاحي وعقلانية في النظر والتفكير. وقد تمت استعادة دور الاجتثات من طرف الاستئصاليين حاليا. إن على الحركة الإسلامية أن لا تقع تحت طائلة منطق التخويف والتحريف الذي تمارسه تلك الجهات ،بل لابد لها أن تسهم في إزالة الغموض عن السلفية الأصيلة، واستعادة المعنى الأصيل للسلفية باعتبارها في الأصل منهجا في النظر والتدين، قبل أن تكون تيارا مذهبيا ومجتمعيا. 2 ـ تيار الغلو والتشدد: يعتبر ظهور تيار الغلو والتشدد أحد تجليات رد الفعل الاجتماعي على تطرف آخر هو تطرف العلمنة والعولمة والاستهلاك، ذلك أن محاولات ترسيم الانحلال الأخلاقي ومحاربة رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باسم الحريات الفردية ، يسهم لا شك في تشجيع الشباب على اختيار الانعزال والمفاصلة والتشدد، كرد فعل للتحصن من الميوعة والانحلال. إن الحركة الإسلامية معنية أساسا بمناهضة الميوعة ، والعمل على تحصين المجتمع من الانفلات الأخلاقي والقيمي، باعتبار ذلك من وظائفها الأصلية و، وفي نفس الوقت فهي معنية بإشاعة قيم الوسطية والإيجابية والمشاركة والمخالطة والصبر على الأذى في التفاعل مع تيار التشدد، وذلك من خلال فتح مناقشات علمية لأطروحاتها الأساسية 3 ـ تيار التكفير والتفجير: لقد أبانت العمليات التفجيرية التي عرفتها بلادنا بأن وراءها في الغالب شباب حديث عهد بالالتزام الديني ولا يمتلك نصيبا معتبرا من العلم الشرعي ، كما أن أغلب الانفجاريين ينتمون لشرائح اجتماعية موسومة بالهشاشة والهامشية، مما ييسر عمليات استدراجهم إلى الخلايا التفجيرية. ولذلك فإن دور الحركة الإسلامية يظل مهما في تصريف خطابها التربوي والدعوي وسط هذه الفئات، والتواجد وسط هذه الشرائح الاجتماعية والأحياء التي تعرف ظروفا صعبة. 4 ـ السلفية العلمية: لاشك أن الحركة الإسلامية محتاجة إلى قوة الاستدلال الشرعي الذي يميز السلفية العلمية باعتبار عناية أهلها بالعلوم الشرعية وبالسنة النبوية الشريفة التي جعلوها في صميم اهتمامهم وأولويات تفكيرهم، ولذلك فإن باب الانفتاح والتعاون والتناصح والتفاعل مداخله كبيرة ومتعددة مع طلاب العلم من السلفية العلمية، قد نختلف في بعض القضايا، لكن دورنا أن نحول هذا الاختلاف إلى خير عام يخدم الدين والبلد والأمة، ويجنب بعض شباب الأمة السقوط في فخاخ التكفير والتفجير. وخلاصة القول أنه بالإضافة إلى دور الحركة الإسلامية الأساسي في التأطير العلمي، والتربية الصالحة، والحضور المجتمعي القوي في جميع المناطق، بما فيها تلك التي توصف بالهامشية، كل ذلك وغيره، فإن هذا الإمكان الهام في التعاون سيسهم ولا شك في تحصين الخصوصية المغربية من التحلل والانهيار وفي إشاعة روح الحكمة والرشد في المجتمع، ويجعل كل مكوناته خلايا يقظة لخدمة القضايا الكبرى للبلد، وليس خلايا نائمة تستغلها أطراف خارجية في أجندة التوسع والهيمنة . إن الحركة الإسلامية محتاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى توسيع دائرة منهج نحن دعاة لا قضاة، لتشمل بالإضافة إلى العلاقة مع نظام الحكم ، العلاقة مع جميع مكونات الصحوة الدينية، إذ لا يكفي أن نصف هؤلاء بالخرافية وهؤلاء بالتشدد وأولئك بالرسميين، لنعتبر أنفسنا قد قمنا بالواجب، بل لابد للحركة الإسلامية من الإبداع في المنهجيات والكيفيات التي تسمح لها ببناء علاقات رشد بين جميع مكونات البلد.