تهيبت كثيرا عندما علمت أن السيد سعيد لكحل بعث برد على ردي؛ خصوصا وقد تهجم في عنوانه على حركة إسلامية راسخة في العمل الدعوي ؛ هي حركة التوحيد والإصلاح التي لها جهدها المحمود في المساهمة في الحفاظ للبلد على استقراره والابتعاد بشبابه عن التطرف والغلو؛ واصفا إياها بالبعد عن الإصلاح والتوحيد. ولكن عندما قرأت ما يسميه ردا وجدتني أمام هزال ليس فيه إلا مزيد من الكذب والافتراء، وأمام نفَس إقصائي حاقد، قد له بساقط الكلام، فضلا عن التهرب المفضوح من مواجهة الأسئلة الحقيقية التي طرحها المقال الذي عنونته ب سعيد لكحل من التحريض الاستئصالي إلى الافتراء على المؤسسة الملكية، مستمرا في نهج إطلاق التهم دون تقديم الدليل الملموس، بل وفي إصرار غريب على افتعال الصدام بين حركة التوحيد والإصلاح وبين إمارة المؤمنين، والذي يذكر بأسلوب استئصالي قديم، والقيام بنشر رد السيد لكحل والرد عليه، يعود أولا استجابة للحق في الرد من جهة، و لكون ما يعبر عنه صراحة نجده يحكم سلوك العديد من الاستئصاليين، مما يقتضي التقدم لتفنيد الأباطيل التي يوظفها هذا الفكر في المغرب من جهة ثانية. وسنقف عند كل نقطة اساسية من نقط رده المتهافت رد السيد سعيد لكحل على حدة. 1 ـ الدفاع عن عدم احترام القانون حيث تهرب سعيد لكحل من مناقشة جوهر المشكل، وهو كون قرارات إغلاق دور القرآن، يتم خارج القانون ودون توضيح للأسباب، رغم كونها مرتبطة بجمعيات مرخص لها قانونا، والأنكى من كل ذلك هو تقديم قرارات الإغلاق على أنها إرادة ملكية، رغم أنه يعلم جيدا بحكم اعتماده الكثير على الخطاب الملكي ل29 ماي 2003 أن التوجه الملكي واضح وصريح في أن مكافحة الإرهاب تتم في إطار القانون، وأن بناء الديمقراطية وترسيخها، لا يمكن أن يتم إلا في ظل الدولة القوية بسيادة القانون، فأين هو الالتزام بمقتضيات القانون في إغلاق هذه المؤسسات، وموقف الحركة واضح في الدعوة لاحترام القانون، أما الدفاع عن عدم احترامه في إغلاق دور القرآن التابعة لجمعيات مرخص بها وحشد كل المبررات لذلك كما يفعل السيد لكحل ، فلا تمثل سوى دعوة واضحة للتسيب الذي يرفع السيد لكحل شعار مناهضته لكنه يدعو إليه بمقالته، والتي لو سايرنا منطقها لاتهمت المؤسسة الملكية نفسها بالتسيب مادامت قد دعت إلى احترام القانون في مكافحة الإرهاب، بل عبرت الإستراتيجية التي عرضها خطاب 29 ماي 2003 على التوجه الشمولية وهذا ضمن استراتيجيتنا الشمولية المتكاملة الأبعاد، بما فيها الجانب السياسي والمؤسسي والأمني، المتسم بالفعالية والحزم، في إطار الديمقراطية وسيادة القانون. والجانب الاقتصادي والاجتماعي، الذي يتوخى تحرير المبادرات وتعبئة كل الطاقات، لخدمة التنمية والتضامن. والجانب الديني والتربوي والثقافي والإعلامي، لتكوين وتربية المواطن، على فضائل الانفتاح والحداثة والعقلانية، والجد في العمل والاستقامة، والاعتدال والتسامح. وسنظل حريصين، أشد ما يكون من الحرص على نهج السياسات اللازمة، لتفعيل هذه الاستراتيجية، لكن ما يدعو له السيد لكحل هو استراتيجية أحادية تخرق القانون. 2 ـ الكذب على حركة التوحيد والإصلاح بالقول بمناصرتها للمغراوي في فتواه الزعومة حيث قال بدون خجل من الافتراء أو الكذب ولا عجب في أن تناصر الحركة المغراوي في فتواه التي تعصف بحقوق الطفل وتشوه سمعة المغرب، فبيان الحركة الصادر يوم 26 شتنبر الماضي في الموضوع عبر صراحة على أنه لا يتفق مع رأي الشيخ محمد المغراوي في تزويج الصغيرة، على اعتبار أن مدونة الأسرة قد حسمت في الموضوع، وهذا موقف واضح لا أعرف كيف سمح السيد لكحل بإطلاق هذا الاتهام ضد الحركة، وقبل ذطلك فجريدة التجديد الناطقة بلسان الحركة سبق أن نشرت موقف المجلس العلمي الأعلى من رأي الشيخ المغراوي كما نشرت حوارا مع الأستاذ مصطفى الرميد عبر فيه صراحة عن كون هذا الرأي المعروض في قضية زواج الصغيرة متهافت وخارج التاريخ، لكن كل ذلك لم يره السيد سعيد لكحل زلم يتردد في الكذب على الحركة، ولم يتسطع أن ينتبه أن الحركة ميزت بين موضوع دور القرآن وبين موضوعج الرأي الفقهي للمغراوي لكنه العمي الاستئصالي، ولهذا نجده يتعب نفسه لإقحام الحركة في ذلك تحت ما سماه بعقيدة الولاء والبراء، رغم أن ما ذكره في هذا الأمر يدل على جهله الشنيع بها، لكن لمساعدته هو ومن يرددون هذا القول، فإن ما يحكم الحركة في الموضوع هو الدفاع عن احترام القانون سواء في محاكمات الإرهاب أو حاليا في الإغلاق التعسفي لدور القرآن، ولا علاقة لذلك بوجود اتفاق أو خلاف مع أصحابها، وإلا فإن منطق السيد لكحل سيؤدي بكل المنظمات الحقوقية الدولية والوطنية إلا أن تصبح هي الأخرى مدانة بالإرهاب، مادامت طالبت باحترام مبادئ المحاكمة العادلة، لكنه البؤس الاستئصالي الذي يرفعه شعار الديموقراطية لكنه أول من يقدم على انتهاكها. بل إنه لا يعرف ما يقول عن مسألة الولاء والبراء التي يتحدث عنها هنا. 3 ـ خرق أبسط قواعد الاستدلال العلمي حيث لا يتردد في إطلاق تهم الافتراء دون تقديم دليل واحد عليها، وكأنه أصبح مطلعا على الغيب، فكل محايد متحيزا لهذه التيارات المتطرفة حتى وإن لم يعتنق عقائدها، لكن هذا أهون إذا ما قورن بقول السيد لكحل وها نحن نعيش ونلمس ونقرأ كيف باتت الحركة نصيرا للمغراوي في تخريبه للتماسك المغربي عقيدة ومذهبا وتشريعا . إنه خيار ومسار كان ولا زال هو المحدد لمواقف الحركة واصطفافها، مما سنوضحه بالتفصيل في الفقرة الموالية. 4 ـ الافتراء على الحركة بالقول بسعيها لإفشال مشروع الإصلاح الديني حيث اتهم صاحب الرد السيد لكحل الحركةب أنها تسعى لإفشال استرتيجية الإصلاح الديني وإفراغ خهكذا لغةً؛ وليس تفريغ كما جاء في ما كتب لكحل- قرارات الملك من محتواها الإصلاحي، لكن ما حشر فغقرة من بيان للحركة لا علاقة بالموضوع، رغن أن بيان الحركة كان واضحا بقوله والمكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح إذ يثمن هذه الخطوات والإجراءات، وما هي بحسب البيان ، أولا الزيادة في عدد المجالس العلمية بتوسيع مجال انتشارها على مستوى كل عمالة وإقليم مما يحقق مزيدا من القرب والاستجابة لحاجات المواطنيين المتجددة في ظل واقع متغير ومليء بالتحديات.، وثانيا تقوية العناية الاجتماعية بالقيمين الدينيين بما يفرغهم للقيام بمهام العناية بالمساجد ويحفظ كرامتهم ومكانتهم اللائقة بهم في المجتمع.، وثالثا إحداث مجلس علمي للمغاربة المقيمين بالخارج استجابة لحاجاتهم المتزايدة في التأطير والإرشاد بما يحقق حفاظهم على هويتهم الإسلامية ويسهم في تحصين تدينهم في إطار الوسطية والاعتدال وينآى بهم عن التشدد والتفريط، ورابعا تفعيل دور المساجد وتشجيع بنائها، مما من شأنه أن يعيد للمسجد دوره المركزي في حياة الأمة ويجعل منه من جديد مصدر إشعاع تربوي وتعليمي كبير يسهم في بناء المجتمع على أسس سليمة ومتماسكة، وخامسا إطلاق حملة لتأطير الأئمة ضمن مشروع ميثاق العلماء استجابة لحاجاتهم في التأطير والتكوين المستمر الكفيل بتأهيلهم لمجابهة تحديات الواقع المعاصر التي تتطلب مزيدا من الاجتهاد والانفتاح والإلمام بأحوال الناس وخاصة الشباب الذين يحتاج المتصدي لتوجيههم امتلاك ثقافة العصر وآليات التأثير والتواصل الحديثة، ثم بعد ذلك لا يتردد السيد سعيد لكحل في القول أن موقف الحركة يضعها في تناقض مع أهداف الملك ومناهضة لمشروعه الإصلاحي ؟، فهل حقا قرأ السيد لكحل بيان الحركة. 5 التفسير التآمري لدعوة الحركة إلى تعميق خيار الإشراك فقد ورد في بيان الحركة الخاص بالحقل الديني دعوة إلى تعميق خيار إشراك مختلف الفاعلين في الحقل الديني والانفتاح عليهم من مؤسسات رسمية وشعبية على أساس من التكامل والتعاون على غرار ما تشهده باقي المجالات الوطنية التي عرفت انفتاحا كبيرا على مكونات المجتمع المدني العاملة في ذلك المجال، حيث اعتبار السيد لكحل أن الحركة تطالب بفتح المجال أمام من أفسد على المغاربة سكينتهم وهدد أمنهم وأنه وإذا كانت الحركة تبرر مطلبها بقياس المجال الديني على المجال السياسي الذي يخضع للتعدد والاختلاف ، فإن الملك سبق وحسم نهائيا وقطعيا الأمر كالتالي وإذا كان من طبيعة تدبير الشؤون الدنيوية العامة الاختلاف ، الذي يعد من مظاهر الديمقراطية ، والتعددية في الآراء لتحقيق الصالح العام ، فإن الشأن الديني ، على خلاف ذلك ، يستوجب التشبث بالمرجعية التاريخية الواحدة للمذهب المالكي السني ، الذي أجمعت عليه الأمة ، والذي نحن مؤتمنون على صيانته، وهذه قراءة انتقائية تشوه نص الخطاب الذي تحدث عن التشبت بالمرجعية التاريخية الواحدة للمذهب المالكي السني، وهو الشيء الذي لا علاقة له بموضوع خيار الإشراك، بل إن الحركة كانت من السباقين للدفاع عن المذهب المالكي وعن إمارة المؤمنين في المغرب منذ انطلاقتها، الذي جاء في سياق الدعوة للإشراك الفاعلين في تنفيذ التوجهات التي أعلنت لإصلاح الحقل الديني هذا من جهة، ولم يقع القياس على المجال السياسي بل على المجال المدني وهذا مؤشر على آخر على الكذب والافتراء من جهة ثانية، بل إن التأويل الباطل الذي روج له السيد لكحل . يتعارض مع ما سبق أن دعا له الملك في رسالة الملكية للملتقى الدولي لسيدي شيكر2004 حيث جاء فيه ولما كان اختيارنا السياسي في المغرب، هو اختيار النهج الديمقراطـي في تدبير شئون شعبنا تدبيرا عصريا في توافق تام مع ديننا الحنيف، فإننا نرى أن حرية التنظيم والمبادرة المكفولة بالقانون، تفسح المجال أمام جميع الطاقات التي كانت مكبوتة في سياقات الخوف والتوجس والإقصاء والاحتكار، فلا شيء مع هذه الاختيارات المنصفة يمكن أن يحد اليوم من المبادرات الخيرة الراقية، فهذا رد واضح على دعاة الفكر الاستئصالي. 6 ـ الافتراء على الشيخ أحمد الريسوني حول إمارة المؤمنين فقد سمح السيد سعيد لكحل لنفسه بالادعاء بأن الشيخ أحمد الريسوني استنتج بأن يتولى إمارة المؤمنين الأحق بها دون أن يكون الملك، فأين وجد لكحل هذا الكلام؟ لقد قال الدكتور الريسوني ليومية أوجوردوي لوماروك إن جلالة الملك بحكم تكوينه يحتاج إلى علماء متخصصين لمساعدته على الفتوى، فما يدعيه السيد لكحل من افتراء وتضليل لا يُفهم منه إلا استحواذ النفس الإقصائي والاستعدائي على قلمه الذي لم يتوقف عن نفث الافتراءات والرجم بالغيب، وتتبع منطقه سيدفع إلى ضرورة القول بحل الهيأة العليا للإفتاء التابعة للمجلس العلمي الأعلى لتقوم بأمر الفتوى في الشؤون العامة. 7 ـ تحويل السلفية إلى تهمة أما آخر الترهات التي يحرص السيد لكحل على بثها وهي تحويله للسلفية إلى تهمة، حيث أبان لكحل عن جهل كبير بما يقول عندما اتهم السلفية بكونها لا تعرف غير العنف والقتل والتدمير، وهو بهذا يعترف صراحة أنه لا يعرف ما هي السلفية، عندما يعتبرها سبة وتهمة. وأريد أن أسأله: هل السلطان المولى سليمان رحمه الله الذي كان سلفيا، والعالم علال الفاسي وقبله شيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي الذي كان عضوا في مجلس العرش وغيرهم في التاريخ الحديث للمغرب كثير كل هؤلاء السلفيين لا يعرفون غير العنف والقتل والتدمير؟، لكن الذي يفتري على جلالة الملك لن يتوانى عن الافتراء على الفكر السلفي الوطني وكما لن يتوان عن الافتراء على حركة التوحيد والإصلاح. وما ذا بعد؟ هذا رد أولي على افتراءات تحاول تبرير انتهاك القانون والتشويش على مشروع إصلاح الحقل الديني بإغلاق دور القرآن دون تبرير قانوني، لكنه الهوس الاستئصالي بمحاربة دور القرآن التي يرى فيها مؤسسات للتطرف دون أن يقدم دليلا واحدا على ذلك، أما الأمور الأخرى الفرعية التي وردت في الرد، فهي متهافتة لدرجة لا تستحق الرد.