تحتفي هذه السنة الفيلموغرافية المغربيةالمغربية بخمسينيتها التي انطلقت سنة 1958 مع أول فيلم مغربي طويل الإبن العاق للمخرج الراحل محمد عصفور الذي أعطى الشرارة الأولى للسينما المغربية، بسبب العشق الذي الذي يكنه للفن السابع، وإن كان قد بدأ تصوير أفلامه منذ الأربعينيات من القرن الماضي. بعد هذه المدة القصيرة من عمر السينما المغربية؛ هناك سؤالان يفرضان نفسهما: ما هي أهم المحطات الكبرى للفيلموغرافية المغربية؟ و ما هي معيقات وآفاق السينما المغربية؟ البدايات الأولى مما لا شك فيه أن السينما المغربية التي ظهرت أولى ملامحها مع محمد عصفور كانت هاوية وليس احترافية. و لذلك أجمع أغلبية النقاد والمهتمين السينمائيين على أن البداية الحقيقية للسينما المغربية تعود إلى سنة 1970 مع فيلم وشمة للمخرج حميد بناني، وأن ما جاء قبل ذلك لا يرقى إلى عمل سينمائي حقيقي. و هذا ما ذهب إليه المخرج المغربي سعد الشرايبي الذي صرح لـالتجديد أن المرحلة الأولى للفيلموغرافية المغربية تبتدئ مع السبعينيات، وهي مرحلة جنينية أبدعت فيها أولى الأفلام المغربية. وعن الأعمال التي عرفتها هذه المرحلة التي تستمر إلى بداية الثمانينات يقول الناقد السينمائي عبد الرحمان أيت عمر: تميزت بعض الإنتاجات الأولى بالجانب الجمالي والفني، وهذه الأعمال كانت وراءها تجارب ثقافية، والمخرجون كانت لهم رؤيتهم الخاصة، مثل وشمة لحميد بناني، الشركي لمومن السميحي، اليام اليام لأحمد المعنوني، عرائس من قصب لجيلالي فرحاتي، سراب لأحمد بوعناني، حلاق درب الفقراء لمحمد الركاب. هذه الأعمال كانت تنبئ على أن السينما المغربية قادرة على تصوير الواقع المغربي في إطار إبداعي وجمالي. كل هذه التجارب وشمت الذاكرة السينمائية المغربية، ويمكن القول إنها شكلت رؤية السينمائيين المغاربة للإخراج والكتابة السينمائية، حيث ستطغى نظرة سينما المؤلف على أعمالهم. و لذلك فإن السينما المغربية إلى غاية اليوم لا تعكس إلا رؤية مخرجيها. المصالحة مع الجمهور شكل فتح صندوق دعم الإنتاج سنة 1980 من قبل الحكومة منعطفا كبيرا في تاريخ السينما المغربية؛ التي ستشهد خلال الثمانينات طفرة في الإنتاج السينمائي بإنتاج 10أفلام طويلة و10أفلام قصيرة كمعدل سنوي؛ انخرط فيها مخرجون جدد. وكان لزيادة الإنتاج خلال فترة الثمانينات تأثير واضح على أعمال المخرجين المغاربة؛ كأمثال عبد الله المصباحي، وسهيل بنبركة ونبيل لحلو الذي أخرج 4 أفلام في الثمانينات؛ من بينها الحاكم العام (1980) وكوماني (1989). كما قدم محمد التازي ثلاثة أفلام جديدة. وفي هذا السياق يؤكد أيت عمر على أن من ميزات السينما المغربية أنها تتطور بفضل الدعم، وهذا شيء أساسي لأنه شكل أحد الروافد المادية الداعمة للفيلم. فبدون دعم الدولة؛ والمتمثل في المركز السينمائي المغربي لما وصلنا اليوم إلى 200 فيلم طويل، و أكثر من 300 أو 400 فيلم قصير. فالدعم سمح للسينمائيين بالاستمرار، وبذلك اغتنت الفيلموغرافية بهذه الوسيلة التي مكنت السينمائيين الشباب من أن يدلوا هم أيضا بدلوهم في هذا المجال، وأن يقدمون إنتاجات متفاوتة ومهمة. وفي نفس الاتجاه ذهب المخرج سعد الشرايبي الذي أقر أن إنشاء صندوق الدعم في صفته الحالية أعطى الدفعة كبيرة لإنتاج الأفلام المغربية بداية من التسعينيات، وقد كانت طفرته الأولى مجموعة الدار البيضاء سنة 1990؛ التي قامت بإنتاج خمسة أفلام طويلة خلال سنة ونصف. و كان من ثمرات هذا الدعم الذي مكن من وفرة في الإنتاج أن دخلت السينما المغربية في مرحلة جديدة سميت بمرحلة مصالحة الجمهور مع الأفلام المغربية خلال سنوات التسعينات، ويصف الشرايبي بأن هذه المرحلة برزت فيها أفلام مغربية ذات صلة بواقع المجتمع المغربي؛ خولت للجمهور المغربي الرجوع إلى القاعات السينمائية، وطلب الأفلام المغربية. كان من بينها شاطئ الأطفال الضائعين وخيول الحظ لجيلالي فرحاتي، و خصوصا فيلمي محمد عبد الرحمان التازي البحث عن زوج امرأتي(1993) وللاحبي(1996). ويمكن إضافة فيلم كيد النسا لفريدة بليزيد وعلي زاوا لنيبل عيوش. رغم ذلك فقد اختلفت مسارات المخرجين المغاربة، فهناك من بقي وفياً لنوع سينمائي تعبيري، ومنهم من غير مساره من هذا الاتجاه إلى سينما يسكنها الهاجس التجاري. الألفية الثالثة والقطيعة، ويرى المخرج الشرايبي أن المرحلة التي أعقبت التسعينيات هي مرحلة دخول عدة مخرجين شباب كانوا يعيشون في الخارج إلى المغرب؛ في أواخر التسعينيات وبداية الألفية الثالثة. هؤلاء الشباب قاموا بإخراج أفلام بصيغة جديدة وبتصور جديد، يمزج بين ما هو مغربي والنظرة التي لدى المغربي المقيم في الخارج. وبالفعل؛ فقد عرفت السينما المغربية ظهور جيل جديد من المخرجين المقيمين إما في أوربا أوأمريكا درسوا هناك(مثل الرواد الأوائل)؛ وحازوا على جوائز في مهرجانات دولية، أمثال حكيم بلعباس وكمال كمال ونرجس النجار وغيرهم. وتتميز أعمال هؤلاء الشباب بكونها تحاول توظيف الجانب التقني في ميدان السينما وإن كانت أحيانا هذه الأعمال تظهر بسيطة فنيا. إلا أنه على مستوى المضمون تشكل هذه الأعمال قطيعة إلى حد ما مع ثقافة المجتمع؛ بسبب جرأتها الزائدة وواقعيتها المفرطة التي تعطي الانطباع أن المهم ليس المعالجة الدرامية لقضايا الإنسان؛ بقدر ما هو اللعب على الطابوهات الاجتماعية، مستغلة عدم خضوع الفيلم المغربي للرقابة الشديدة؛ كما هو الشأن في بلدان أخرى كما عبر عن ذلك أيت عمر؛ فهناك دعم لكنه لا يقابل برقابة. وهكذا وفي غياب هذه الرقابة جاءت أفلام صادمة للمشاهد المغربي ولقيمه الثقافية: لحظة ظلام ولولا لنبيل عيوش والعيون الجافة لنرجس النجار وماروك لليلى المراكشي. على أن بعض الرواد الأوائل هم كذلك نحوا منحى الجرأة والإثارة الجنسية مثل مصطفى الدرقاوي في فيلمه كازا باي نايت، والبشير السكيرج في فيلم كان واحد المرة وسميرة في الضيعة للطيف لحلو، وملائكة الشيطان لأحمد بولان، دون إغفال نانسي والوحش لمحمود فريطس. وغيرها من الأفلام المثيرة التي حاولت كسب الجمهور باي طريقة. من حسن الحظ أن في مطلع الألفية الثالثة عرفت السينما المغربية أعمالا فينية متميزة سلطت الضوء على حقبة سياسية من تاريخ المغرب ألا و هي سنوات الرصاص، ويتعلق الأمر بفيلم جوهرة(2003) لسعد الشرايبي، ودرب مولاي الشريف(2004) لحسن بنجلون وذاكرة معتقلة(2004) لجيلالي فرحاتي. بالإضافة للفيلم المتميز فوق الدارالبيضاء الملائكة لا تحلق لمحمد عسلي الذي يؤسس لتصور سينمائي جديد لا يراهن على الاثارة و المزايدات الفكرية الفارغة، بقدر ما يراهن على نظرة توازنية لقضايا المجتمع المغربي. رهانات المستقبل تعاني السينما المغربية(الشابة) مثلها في ذلك مثل السينما في معظم البلدان العربية من تحديات مختلفة؛ منها ما هو ذاتي ومنها ما هو موضوعي. في هذا الصدد يرى الناقد أيت عمر أن هناك مفارقة تخيم على الحقل السينمائي في السنوات الأخيرة :مع تنامي الإنتاج وتطور الإبداع نصطدم بإغلاق القاعات السينمائية والتراجع في المشاهدة، لأن الجمهور ليس له مجال لمشاهدة المنتوج الوطني. وقيمة الإنتاج الوطني هي في متابعة جمهوره. ويضيف: في الوقت الذي يسجل فيه الفيلم المغربي حضورا قويا في المهرجانات العربية والدولية، يعرف انتشارا محدودا في المغرب، مما يؤدي في نظر الشرايبي: إلى مشاهدتها إما مقرصنة أوفي التلفزيون. ومن جهة أخرى، ينظر المخرج إلى أن عدم تماشي النصوص التشريعية مع تطور السمعي البصري بصفة عامة في العالم والمغرب، أي غياب النظرة المستقبلية والتوقعية؛ يشكل كذلك تحديا للميدان السينمائي بالمغرب. وعلى هذا الأساس يرى أن هذه المشاكل ستظل قائمة. في حين أن الناقد أيت عمر، كما جاء في تصريحه، يدعو إلى ضرورة التفكير في برنامج شبه استعجالي للخروج من هذه المعضلة، لأن إنتاج عمل إبداعي قيمته في متابعة من يتلقاه، فلا يمكن مشاهدة فيلم إلا في قاعة سينمائية. وهذا لن يتأتى إلا عن طريق تعبئة جميع الطاقات لإنشاء مركبات ثقافية تسمح للإنتاج المغربي أن يشاهد من قبل جمهور عريض. ويختم قائلا: بدون هذه الطريقة لا أعتقد أن التفكير في مركبات سينمائية مثل التي توجد في الدارالبيضاء أومراكش هي لوحدها الكفيلة لحل هذا الإشكال، لأن هذه المركبات لها جمهورها الخاص.