للدكتور الخطيب رحمه الله مكانة خاصة عند حركة التوحيد والإصلاح تجاوزت بكثير الاعتبارات الحزبية والتنظيمية، وتعدت الهموم السياسية والانتخابية، وذلك منذ تجدد اللقاء معه في بداية التسعينيات، حيث كانت مناسبة لاكتشاف رجل له سابقته في العمل الإسلامي بالمغرب، بتفاعله القديم مع الحركة الإسلامية منذ بداياتها الجمعوية والشبابية، فضلا عن صداها الإسلامي والعربي والإفريقي، فقد كانت البداية سياسة لكنها تطورت لتنتهي في رحاب الحركة الإسلامية بهمومها وقضاياها. لقد مرت العلاقة بين حركتنا والدكتور الخطيب رحمه الله بمرحلتين، ففي الأولى والتي انطلقت على إثر مبادرة من حركة الإصلاح والتجديد للاتصال بالدكتور الخطيب بصفته الأمين العام للحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية في ربيع سنة ,1992 وعرض فكرة التعاون في المجال السياسي عليه، والتي تحفظ عليها وتوجس منها، ثم توطدت الثقة بعد لقاءات كان في بدايتها دور كبير للأستاذ صالح رقيق رحمه الله تعالى، ثم تطورت العلاقة في سنة 1993 إلى الانخراط في تأسيس أجهزة الحزب المحلية، وتيسير شروط اندماج جزء من الحركة في هياكل الحزب ومؤسساته، وتوجت بعقد مؤتمر استثنائي في يونيو ,1996 حيث شهدت هذه المرحلة لقاءات متواصلة بين الطرفين، ونظمت فيها حوارات أدت إلى تقوية العلاقة بين الطرفين، مع حرص المكتب التنفيذي على القيام بزيارات للخطيب رحمه الله، والذي كان هو الآخر يستجيب للدعوات التي توجه له لحضور بعض لقاءات الحركة الداخلية أوالخارجية أوالأيام الدراسية لها، أو يحضر جلساتها الافتتاحية على الأقل، حيث كان حريصا على التأكيد في كل لقاء أنا معكم تعبيرا منه عن انخراطه الفعال في مشروع الحركة ودعمه القوي له. ولعل من المواقف التي وطدت من هذا التجاوز للانغلاق على ما هو سياسي في علاقته مع الحركة، يمكن التوقف عند موقفه الشجاع والنبيل في بدايات علاقته بالحركة، وذلك إلى جانب أحد أعضاء الحركة بالحسيمة، والذي رفعت ضده دعوى قضائية حول مآل تبرعات جمعت لدعم شعب البوسنة والهرسك، حيث لم يتردد في الانتقال إلى الحسيمة لحضور المحاكمة، والشهادة في جلستها بأن المال الذي جمع سلم إليه، وأنه تم تحويله للمسلمين ضحايا التطهير العرقي بالبوسنة، وأنه إن كان هناك شخص ينبغي أن يحاكم فهو الدكتور الخطيب بصفته رئيسا للجمعية المغربية لمساندة شعب البوسنة والهرسك، وهو موقف أدى إلى إغلاق الملف بعد ذلك، وتكررت بعد ذلك المواقف التي قدمت دروسا في الثبات والاصطفاف لجهة المبادئ لقيادة الحركة قبل غيرها، ولعل في الدرس الذي حكاه الدكتور أحمد الريسوني في مقالته بالتجديد أمس خير تعبير عن ذلك.. أما في المرحلة الثانية فكانت علاقته بالحركة من خلال أعضاءها في الحزب، وهي الفترة التي امتدت ما بعد المؤتمر الاستثنائي للحزب في 1996 إلى حين وفاته رحمه الله، وخلالها عمل المكتب التنفيذي على التواصل المستمر معه وزيارته في بيته، إما للاطمئنان على أحواله أوللتشاور معه فيما يطرح من قضايا ويستجد من أحداث، ومن ذلك الموقف من حجم المشاركة في الانتخابات البلدية، والتي رغم تباين التقدير فيها وإقدام الحركة على المشاركة الرمزية المحدودة فيها من خارج الحزب، فقد حصل التفهم العميق لمبادرة الحركة، ثم أخذ الحزب يستقل عن مسار الحركة عبر تأسيس منطق التمايز الوظيفي بين الهيئتين، واستقلال الحزب بقضايا تدبير الشأن العام، واعتماد مفهوم الشراكة الاستراتيجية في القضايا الكبرى، وهي العلاقة التي توطدت مع الوقت، لكن في المقابل نمت علاقة أخرى ذات بعد شخصي وأعمق مع الدكتور الخطيب، توجت بإعطائه العضوية الشرفية في حركة التوحيد والإصلاح، وكان ذلك في سنة ,2004 حيث قام وفد من المكتب التنفيذي للحركة يتكون من الرئيس محمد الحمداوي والدكتور أحمد الريسوني والدكتور محمد عزالدين التوفيق، بزيارته في بيته، وتقديم شهادة العضوية الشرفية في الحركة له في تلك السنة، والتي شهدت تنظيم المؤتمر الوطني الخامس للحزب الذي انتقلت فيه الأمانة العامة للدكتور سعد الدين العثماني، وكان موقف الدكتور الخطيب إزاء العضوية الشرفية دالا، فقد عبّر يومها رحمه الله عن اعتزازه وافتخاره بذلك، وهو موقف لم يكن هناك داع مباشر له، لكن السؤال عن العضوية جاء من الدكتور الخطيب تقديرا منه لمعنى الانتماء للحركة وتعبيرا عن دعمه لمشروعها، وذلك في الظرفية التي تلت تفجيرات السادس عشر من ماي في سنة 2003 وما سعى إليه من البعض من ضرب علاقة الحركة بالحزب بعدها. إن البعض ينظر لفقدان الحزب بوفاة زعيمه المؤسس لسند كبير، والواقع أن ذلك حصل مع الحركة وربما بما يتجاوز ذلك، فقد فقدت حركة التوحيد والإصلاح برحيل الدكتور الخطيب سندا داعما لها.