مع قدوم رمضان والدخول المدرسي وتدبير مصاريف العطلة يتجدد المشكل المؤرق للآلاف من الأسر المغربية، ومأزقها المتكرر مع القروض الاستهلاكية، مما يقتضي وقفة. لعل في المعطيات المعلنة من قبل بنك المغرب في تقريره السنوي أو من قبل وزارة المالية في دراستها حول وضعية وتطور القروض الاستهلاكية بالمغرب ما يتطلب القيام بوقفة لفهم ما يجري وتحليل آثاره وأبعاده، ذلك أن هذه المعطيات تكشف عن حقائق صارخة، نذكر منها: -أن قطاع القروض الاستهلاكية يعرف تمركزا واحتكارا كبيرا فتقرير وزارة المالية لمارس 2008 تحدث عن احتكار 65 في المائة من القطاع من قبل 3 شركات القروض الاستهلاكية. -تمدد القروض لتشمل ويهيمن على الشرائح الاجتماعية الأضعف فدراسة بنك المغرب والتي شملت 14 شركة للقروض الاستهلاكية كشفت أن 62 في المائة من القروض تهم الفئات ذات دخل شهري يقل عن 4000 درهم شهريا، وهذه النسبة كانت في السنة الماضية بحسب بنك المغرب في حدود 54 في المائة. -ارتفعت القروض الاستهلاكية المقدمة من الأبناك بنسبة 43 في المائة بين سنتي 2006 و2007 لتصل إلى أزيد من 49 مليار درهم مشكلة ما نسبته 11 في المائة من مجموع قروض الأبناك، وفي نفس التقرير السنوي لبنك المغرب فقد بلغت قروض شركات القروض الاستهلاكية أزيد من 33 مليار درهم مسجلة زيادة بنسبة 17 في المائة. -تضخم مستمر لديون الأسر، فقد كشف التقرير أن الأسر المغربية بلغت مديونيتها الناجمة عن القروض الاستهلاكية والقروض الخاصة بالسكن ما مجموعه 120 مليار درهم أي ما نسبته 28 في المائة من مجموع القروض المقدمة والتي بلغت 422 مليار درهم. -عجز بالغ عن الأداء، ففي دراسة وزارة المالية كانت نسبة العجز في حدود 15 في المائة بما قيمته 3 مليار درهم، وهي ضعف نسبة العجز على مستوى القروض بالمغرب والتي توجد في حدود 9,7 في المائة. -أما أسباب ذلك فيقدم كل من انتشار أدوات الاتصال الرقمية ما حفزته من حاجات استهلاكية وكذا انخفاض معدلات الفائدة رغم أنها في حدود 14 في المائة في القروض الاستهلاكية أي ضعف معدل فائدة القروض العادية. تكفي المعطيات المقدمة أعلاه لاستيعاب حجم انتشار هذا التحدي الجديد في المجتمع المغربي، و نوعية الآثار المرتبطة به، ليس فقط من زاوية دينية في ظل الانحسار البالغ في مجال التمويلات البديلة غير الربوية، بل أيضا من الزاوية الاجتماعية التي جعلت العشرات من الأسر تحت رحمة شبكات القروض الاستهلاكية والتي طورت من أدوات اصطيادها لضحاياها، وفي غياب قواعد أخلاقية اجتماعية ضابطة تحول دون تحول القروض لأدوات تدمير لأسر هشة، وهنا تطرح ثلاثة أفكار أساسية: -إن مجال القروض الاستهلاكية مجال يتطور دون ميثاق أخلاقي وفي غياب إطار قانوني يحدد سقف القروض بالنظر للدخل للحيلولة دون وقوع الأفراد في حالة الإفلاس بسبب من قروض استهلاكية غير أساسية، كما يضع حد أدنى للدخل الممكن الاقتراض به وذلك حتى لا يصبح الدخل مخصصا بأكمله للقرض. -وجود فراغ مهول في المجال الإشهاري حيث تشتغل بعض الشركات كمؤسسات لاصطياد الزبناء ودون تقديم كافة المعلومات الشفافة، ودون الخضوع لقواعد ضابطة ، ففي البداية تفرش الورود وعند الختام لا فكاك من أداء الأقساط. -الحاجة الملحة لثقافة ترشيد الاستهلاك وبثها في المجتمع. قد يقف البعض ضد مثل هذا التفكير، لكن يكفي الإحالة على النصوص القانونية الضابطة لما يسمى بصعوبات المقاولة والتي أقرت قواعد تحول دون سقوط المقاولة في الأزمة وتحمي المقاول وتضع آليات لضمان استمرارية المقاولة، ففي ذلك مرجعية أثبتت نسبيا فعاليتها.