أريد أن أهنئ أخي الأستاذ المجاهد عبد الإله بنكيران على ثلاثة أمور جدت مع المؤتمر السادس لحزب العدالة و التنمية. أهنئه أولاً على فوزه بالثقة الواسعة التي منحه إياها مندوبو الحزب للمؤتمر.و أظنها رسالة واضحة غير مرموزة لقيادة الحزب الجديدة. وأهنئه ثانياً على انتصار الديمقراطية الداخلية و تجدرها في كيان حزب مرجعيته الإسلام، و التي لم أر مثيلاً لها إلا في تجربة حركة التجديد و الإصلاح. و تكرار هذه التجربة الرائعة في الحزب بعد رسوخها في الحركة يهدم من الأساس مقولة( كل علماني ديمقراطي بالقوة أو بالفعل، و كل إسلامي غير ديمقراطي بالقوة و بالفعل).فهنيئاً لك و لحزبك وللمغرب. هذا الشعب الذكي المبدع و المعطاء في تاريخه المجيد.أما موضوع التهنئة الثالث فهو التوجه الجديد للحزب في إعادة ترتيب العلاقة الإيجابية مع الأحزاب المنبثقة فعلاً من رحم هذا الشعب المعطاء.ولقد خصصت في حديثك بالقناة الثانية بالاسم حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهي بالفعل العمود الفقري للحركة الوطنية المغربية.فإذا أنضاف إليها اليوم حزب العدالة و التنمية مَثَّلت مٌثَلَّثَ الثقل الحقيقي في الحياة السياسية المغربية.ودعوتك هذه للمصالحة ستزعج كثيراً لوبي الفساد ببلادنا.فالمصالحة معركة إصلاح بامتياز تستحق دعم من يقودها لشراستها. إن الأستاذ بنكيران يدعو عملياً إلى مصالحة وطنية.و هو مسار سياسي جديد للحزب لابد أن نهنئه علية، و نشجعه على امتطائه. فالديمقراطية الداخلية و المصالحة الوطنية عنوان الرشد السياسي عند الدولة و الأحزاب السياسية المغربية.و لأهمية هذه الدعوة للتطبيع السياسي بين مكونات الصف الوطني، أعيد اليوم نشر مقطع مما نشرته في أجواء أحداث 16 ماي 2003 في ثلاثة و ثلاثين حلقة تحت عنوان ( معشر الاشتراكيين مهلاً:مصارحة قصد المصالحة). و هذا المقطع مع بعض التعديل البسيط يمليه المقام. ((إن التخلص من الكوابح غايته تحرير حركة جسم المجتمع لا غير.كرفع الكابح عن السيارة الذي لا يفترض بالضرورة انطلاق السيارة إلا إذا كانت واقفة في منحدر تريد نزوله ، أما إذا كان صاحب السيارة يريد صعود المنحدر أو يريد السير في المنبسط ، فلا بد من إزالة الكوابح و تشغيل المحرك لضمان الانطلاق. ووضعنا نحن المغاربة اليوم أننا مرغمون على صعود المنحدر التاريخي، إذن فلا بد من المحرك و تشغيله. فبناء المحرك فرض كفاية و إن لم يكن ففرض عين. والمحرك بالأساس هو أطراف المصالحة الوطنية التاريخية الثلاث: المؤسسة الملكية كراع، والكتلة الوطنية من التيارين الأساسيين: الديمقراطيون الحداثيون و الديمقراطيون الإسلاميون.لكن بناء المحرك الوطني غير كاف لانطلاق حركة النهضة،إذ لا بد من تزويد المحرك بالوقود.و نحرس ما أمكن على أن يكون وقودنا التاريخي قليل النفايات الفكرية والسياسية، وجيد الاشتعال لضمان سرعة تاريخية كافية،تمكننا من الالتحاق بركب الحضارة.فسرعة ا لزمن التاريخي اليوم عالية للغاية . لقد قدر المختصون أن ما أنتجه العالم من الثروة المادية ، وليس الروحية ، في عقد من الزمان في نهاية القرن المنصرم، يعادل ما أنتجته البشرية جمعاء خلال عشرة آلاف سنة،و الوتيرة التاريخية تزداد تسارعاً يوماً بعد يوم. ووقودنا هو مجموع العوامل الحاملة لمشروع النهضة ببلادنا و الدافعة للتقدم و الارتقاء الحضاري لشعبنا المغربي المسلم. وقوى الدفع هذه ليست أكثر من قوانين و سنن تحكم المرحلة التاريخية التي نعيشها اليوم. سنن علينا تسخيرها لتحقيق مشروع النهضة. فلكل مرحلة تاريخية سنن و ضوابط تاريخية تحكمها ، تمثل روح العصر. فما هي السنن التي تؤطر عصر العولمة و التي يمكن أن نسخرها في إنجاز مشروع النهضة ببلادنا؟؟ يحكم مجرى التاريخ البشري اليوم موجة كبيرة هي موجة العولمة، باعتبارها غزوة قائدة اليوم و مهيمنة على مجرى التاريخ.و داخل مجرى التاريخ هذا اليوم تنمو سنن تحدد للمجرى مساره و اتجاهه، أهمها خمس سنن: .1 سنة الديمقراطية و حقوق الإنسان للارتقاء بآدمية البشر . .2 سنة أو قانون التكتلات الجهوية الكبرى لتكوين الكتلة الحرجة للتنمية. فلاحياة لأقزام الدول بعد اليوم. .3 سنة الصحوة الدينية العالمية لإنقاذ البشرية من المجاعة الروحية و عنوان حركة تحرر للشعوب المسلمة . .4 سنة الثورة العلمية التكنولوجية لتسخير مرفق الكون .5 سنة التنمية المستديمة للرفق بمرفق الكون . و بوصلة مشروع المصالحة التاريخية ليس أكثر من امتطاء هذه السنن و تسخيرها كلها من أجل نهضة كاملة. فنحن مجبورون بالضرورة التاريخية على بناء صرح الديمقراطية و حقوق الإنسان ، وعلى بناء تكتل المغرب الإسلامي،و على امتلاك ناصية العلم و التكنولوجية ،و على إنجاز تنمية مستديمة. لكن المدخل الحقيقي لنهضتنا هو تحقيق التصالح الوطني داخل كل قطر عربي مسلم و منه بلاد المغرب.فما هي ركائز هذه المصالحة الضرورية؟؟ الركيزة الأولى: العض بصدق من طرف الكل و بالنواجذ على شعار البلاد:( الله + الوطن + الملك). باعتباره أثافي أية نهضة منشودة ببلاد المغرب الركيزة الثانية: خطة وطنية بعيدة المدى لتجفيف منابع الفساد الشامل ببلادنا. خطة واقعية حذرة للغاية من الانزلاق نحو الفتن الاجتماعية و السياسية. تحرص على المستقبل أكثر من الحك على الماضي الفاسد. الركيزة الثالثة: فتح ورشة الإصلاح المتدرج: الدستوري و السياسي و الإداري و الحقوقي و القضائي. الركيزة الرابعة: تبني استراتيجية الواقعية المناضلة لا المفلسة المؤثرة إيجاباً لا المتأثرة سلباً. الركيزة الخامسة: خطة و برنامج وحملة وطنية لتأهيل المقاولة الاقتصادية للقدرة على السباحة في نهر العولمة والصمود في وجه طوفانها. الركيزة السادسة: العمل الحازم من كل أطراف المصالحة لتحضير الكتلة الحرجة للمقاولة المؤهلة. و الكتلة الحرجة هي الامتلاك للعلم و التكنولوجيا،والكتلة السكانية اللازمة و الموارد المادية و المالية اللازمة و مجالها الحيوي المغرب الإسلامي وإفريقيا المسلمة. الركيزة السابعة: فتح ورشة الإصلاح الديمقراطي الجاد في المجتمع المدني و في كل الحزب و داخل كل شبكاته التنظيمية.( لمحاربة التسوس السياسي و الصدأ التنظيمي و الشيخوخة المبكرة و أرذل العمر السياسي) . الركيزة الثامنة: إعادة الاعتبار للأخلاق في العمل السياسي و تفادي الميكيافيلية المنحطة بتجاوز الأزمة الأخلاقية البارزة اليوم في الطلاق بين القول و الفعل السياسيين عند الفاعلين السياسيين الأساسيين.و في تهريب المعارك الحقيقة و الاشتغال على المغشوش منها كما حدث بعد أحداث 16 ماي المؤلمة ، بل و قبلها في معركة الإصلاح الديمقراطي في منتصف عقد التسعينات)).