اختفى توقيع صاحب مقال جبهة الخوارج تركب التضليل لإعادة أجواء ما قبل 16 ماي المنشور يوم 14 يوليوز 2004 من جريدة الأحداث المغربية، كما اختفى عن عدة مقالات سابقة نشرت في أعداد سابقة على صدر الصفحة الأولى. غير أن الخبير بالكتابة وأساليبها، الراصد المتتبع لما يكتب في هذه الجريدة التي تخصصت في الحرب على الثوابت والأخلاق والرموز الوطنية، لا يمكنه أن يخطئ صاحبها، خاصة من أصبح خبيرا بأسطوانته المحفورة وبتعابيره الممجوجة مثل استخدام مصطلح الخوارج ومصطلح التقية ودعوى الدفاع عن حقل إمارة المؤمنين، وهو الذي ما فتئ يستخدم لفظ المخزن لفظا قدحيا كما استخدمها زعيم حزبي معروف في فلتة لسان في برنامج تلفزيوني مشهور. المقال غير الموقع يبرز مقدار الارتباك من لدن الذين تولوا كبر الحملة المعلومة جراء الاستياء الواسع الذي ما فتئ يثيره هجوم الأحداث المغربية على خطيب مسجد الحسن الثاني، رشوان بنشقرون، جراء تصدي جريدة التجديد عبر مقالات لحملتهم المسعورة لكشف خلفياتهم التي تذكرنا بمحاكم التفتيش والتي سعت إلى إرهاب العلماء وإسكاتهم وركبت في ذلك على خطبة الجمعة وما ورد فيها. إن قراءة بين سطور المقال المذكور تكشف هذا الارتباك، بالإضافة إلى التراجع التاكتيكي والسعي إلى الاستدراك بالإشارة إلى إمكانية حصول انزلاقات تفرضها دينامية المجتمع تستحق التنبيه والنقد، وأن حق الانتقاد مكفول ولا مجال للمزايدة فيه، وهو استدراك جاء متأخرا بعد فشل حملة الترهيب وتكميم الأفواه، ويظهر هذا الارتباك في ما يلي: التهجم على الاتحاد الاشتراكي الذي اكتفى بطرح سؤال شفوي في البرلمان، والتشنيع عليه لعدم مسايرة النهج الأرعن لأصحاب الأحداث المغربية، مؤكدا أن توقف هذا الحزب الكبير عن متابعة التفاعلات اللاحقة لهذه القضية يطرح أسئلة مقلقة حول مستقبل هذا الحزب في المواكبة والإنصات للأسئلة التي يطرحها اختياره، ومضيفا: أن هذا التراجع يطرح أسئلة حول الطرف المستفيد من تعطيل دور هذا الحزب في قيادة أسئلة اليسار والصف الديمقراطي ومن يريد تخريبه من الداخل. التهجم على وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لكونها لم تقع في الشراك الذي حاول استئصاليو الأحداث نصبه لها من خلال تحويلها إلى مؤسسة لتكميم أفواه العلماء وتدجينهم والحيلولة دون القيام بواجبهم الديني والوطني، من خلال رجوع صاحب المقال إلى معزوفته المعروفة، ومفادها كما ورد في المقال المذكور وجود جبهة لا تستطيع التمييز فيها بين وزارة الأوقاف والمجالس العلمية من جهة والخوارج من جهة أخرى وأن وزارة الأوقاف أصبحت تبحث عن مخارج لهجوم الخوارج والكاتب العام للمجلس العلمي الذي لم يتحدث سوى ل التجديد يسير في ركب الغلبزوري وكأننا أمام أجواء ما سبق أحداث 16 ماي الأسود. التهجم على باحثين ومفكرين ورموز فكرية وسياسية وازنة في الساحة مثل الدكتور محمد ضريف وعبد الصمد بلكبير لمجرد أنهم رفضوا نهج الإرهاب الفكري الذي تمارسه الأحداث وسموا الأشياء بأسمائها. لا نقف عند المعزوفة التقليدية لصاحب المقال ولالأحداث المغربية المتمثلة في الحديث عن أجواء ما قبل 16 ماي والإيحاء المغرض بأن خطب الجمعة ليست مجرد مواعظ توجيهية، بل هي خطب تحريضية مسؤولة معنويا عن استنبات الإرهاب، وأن خطيب الجمعة لم يستحضر أنه يلقي الخطبة على بعد أيام من الذكرى الأولى لأحداث 16 ماي، وعلى بعد أمتار من الأحياء الهامشية التي تتلقف كل خطاب يميل إلى الغلو في الانتقاد لتحوله إلى مبررات لتكفير المجتمع والدولة. إلا أنه لم يوضح أو يبرز كيف تتلقف الأحياء نفسها حملات الجريدة المعلومة وأصحابها على أصحاب الفضيلة وعلى الأخلاق والقيم وعلى أصول الإسلام وثوابته. وكنا نود من فضيلته، وهو الذي يبدو أنه مهتم بالشأن الديني ومتخصص في الكتابة فيه، وصار ينظر للخطبة ودورها ومنهجها من حسن تقدير الأولويات وترتيب المقاصد... إلخ لو حدثنا عن حكم الشرع في ما تنشره الجريدة التي ينشر على صفحاتها ويبدو أنه يتبنى منهجها وعلى سبيل المثال ما نشرته في نفس العدد بالصفحة .9 من الأكيد أن الفقيه الجليل والعلامة الحبر سيجيبنا أن الحديث عن ذلك وإنكاره بالقلب واللسان ليس من الأولويات وأن ترتيب المقاصد سيبين أن البلاد لا تستحمل الإنكار باللسان وأن الوعظ والإرشاد مجرد الوعظ والإرشاد في ذلك هو فوق القدر المطلوب، وأن حديث الخطباء والعلماء عن ذلك هو ركوب على الجزئيات لتعميم القنوط، وأن ما تحتمله البلاد ويقتضيه النظر السديد هو الحديث عن الحيض والنفاس، وجمود الخطب والخطباء وتسليمهم بالأمر الواقع. أما إذا تكلم الاستئصاليون عبر صحفهم واستهدفوا أصول الإسلام وفروعه وشككوا في تاريخ الإسلام والمسلمين وحاضرهم، وبشروا بثقافة الانحلال والإباحية، وتجرأوا على المقدسات ودعوا إلى علمنة الدولة ونبشوا في الأعراض فذلك حداثة وعقلانية ومهنية صحفية وحريات وجب أن لا تصادر، ولله في خلقه شؤون. بقيت إشارة أخيرة عن حديث صاحب المقال عن التقية وهو الذي يمارسها حفاظا على النعمة وسبا للملة وعن الخوارج والله أعلم بمن هو خارج عن الأمة وتقاليدها وأخلاقها، اللهم إذا كان يعتبر أن ما تنشره الجريدة من شذوذ فكري وخلقي هو الأصل في هذه الأمة، فيكون الخروج عن ذلك النهج خروجا مشروعا ينطبق عليه وصف الهجرة التي أوصى بها نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في أول الآيات التي تنزلت عليه: (والرجس فاهجر).