شاءت الأقدار أن تبدأ لجنة تقصي الحقائق البرلمانية في ملف أحداث سيدي افني، في سلسلة استماعاتها، إلى إفادات وزير الداخلية وكان أهم ما أفاد به الوزير اللجنة أمرين أساسيين الأول يتعلق بكون قرار التدخل قد اتخذ مركزيا لكن دون أن يبين من؟ ويتعلق الثاني بكون عمليات المداهمة قد تمت كلها تحت إشراف وكيل الملك، لكن عدم الاستماع إلى وكيل الملك كان من شأنه، لو لم يتم، أن يلحق بعمل اللجنة خللا منهجيا من شأنه نسف مصداقيتها وتحميل كل المسؤولية على المداهمات وما ترتب عنها من تجاوزات للنيابة العامة ولوكيل الملك بالمدينة. وشاءت الأقدار أن يكون آخر من استمعت إليهم اللجنة ، بعد أن تأجل لمرتين، هو وكيل الملك في مدينة تيزنيت. وبين الاستماع إلى الوزير والاستماع إلى الوكيل أسئلة تتعلق بالجوانب القانونية للمداهمات بصفتها خطا أحمر لا يمكن تجاوزه إلا وفق شكليات قانونية محددة . فهل أشرف وكيل الملك بالفعل على تلك المداهمات، كما صرح الوزير بذلك في البرلمان أمام نواب الأمة وتناقلته وسائل الإعلام الوطنية والدولية؟ وهل حرر الوكيل إذنا باقتحام كل بيت من البيوت التي انتهكت حرمتها من طرف عناصر الوزير؟ إفادات وكيل الملك لها أهمية ذات طابع سياسي تتجاوز عمل اللجنة لتطال مؤسسات أكبر منها يأت البرلمان والحكومة على رأسها وتضع شعارات دولة الحق والقانون أمام امتحان المصداقية. فالوزير صرح في البرلمان بكون التدخل كان وفق القانون وتحت إشراف وكيل الملك. وهناك فرضيتين لا ثالثة لهما، الأولى أن يؤكد وكيل الملك ما ذهب إليه الوزير في تصريحاته ويحمل جهاز العدالة أوزار الملف. والثانية أن لا يكون في إفادات الوكيل للجنة ما يؤكد تلك التصريحات وحينها سيكون الوزير في وضعية قانونية وسياسية حرجة. فمن الناحية القانونية سيضع ذلك الأمر الوزير وباقي السؤولين معه،إن صح، في وضع من أعطى إفادات مخالفة للحقيقة بعد أدائهم اليمين القانونية أمام اللجنة . وتنص المادة 14 من القانون المنظم لعمل لجان تقصي الحقائق على أن تطبق أحكام القانون الجنائي المعاقب بها على شهادة الزور أو التأثير على الشهود أو الإدلاء بوثائق مزورة على الأشخاص الذين يتبث عليهم ارتكاب هذه الأفعال بمناسبة الإجراءات الجارية أمام اللجنةفهل بإمكان اللجنة، في هذه الحالة، متابعة الوزير وباقي مسؤولي الداخلية في حالة ثبوت تلك المخالفة في حقهم؟ وهل سيشكل البرلمان لجنة تحقيق خاصة حول تصريحات وزير الداخلية؟ ومن الناحية السياسية سنكون أمام إعطاء تصريح مخالف للواقع في البرلمان وللرأي العام. وهو ما يعني تغليط مؤسسات دستورية هي البرلمان والحكومة. وستكون تلك فضيحة سياسية أقل ما يمكن جبرها به هو اعتراف الوزير بالتصريح بمعطيات غير صحيحة للأمة المغربية ومؤسساتها الدستورية. غير أن مثل هذه الحالات في الدول التي تحترم المواطنين وتدعم دولة الحق والقانون، لا يمكن جبرها بأقل من استقالة الحكومة كلها، أو إقالتها، إعمالا لمبدأ التضامن الحكومي والمشاركة في الخطأ في إطاره. والحل الوسط هو استقالة وزير الداخلية أو إعفاؤه من مهامه. وكيفما كان الحال فتكتم المصادر بشكل غير مسبوق على إفادة وكيل الملك للجنة،على عكس مجريات عمل اللجنة كله، يرجح احتواء تلك الإفادة على ما من شأنه أن يقلب عمل اللجنة رأسا على عقب. وهو ما يعني أن يتحول تقرير اللجنة، بعد أقل من أسبوع، إلى مارد يداهم بيت الحكومة وفق إفادات وكيل الملك وينزع قناعها كما داهمت قوات الوزير بيوت المواطنين في سيدي إفني ونزعت عن نسائها لباسهن بدعوى إشراف وكيل الملك.لكن هل يجرؤ تقرير اللجنة على عرض الحقيقة كاملة حتى ولو كانت تمس أم الوزارات في العهد الجديد أم أن التعليمات والضغوطات سوف تعمل على تلطيفه وفق ما يحفظ للداخلية اللجنة ماء الوجه.