أجرت صحيفة المساء المغربية حوارا مع المغني الجزائري الأمازيغي الشهير إيدير على هامش مشاركته الأخيرة بمهرجان تيميتار بأكادير، الذي اختتم فعالياته قبل أيام.. إنه الفنان الذي طاف القلوب والمسافات بأغنيته المشهورة أفافا إنوفا وهي من أشهر أغانيه ألفها و لحنها وأداها و سجلها في بداية السبعينات في الجزائر والتي تتحدث عن أسطورة أمازيغية ملخّصها كفاح و تضحية فتاة اسمها غريبا نحو والدها العجوز إنوفا و إخوتها الصغار اضطرت إلى العمل في حقول الزيتون وهي في ربيع العمر، من أجل لقمة العيش لها و لأسرتها. وهي الأغنية التي مازالت تحافظ على سحرها رغم مرور أزيد ثلاثة عقود! وُلد إيدير في الجزائر عام 1949 في قرية جبلية صغيرة تدعى أيت لحسن و اسمه الحقيقي حميد شريت، قبل أن يجوب ربوع العالم فيما بعد، وأثناء رحلته الطويلة تغيرت فيه العديد من الأمور وعاش مجموعة من التجارب و اتسعت رؤيته للعالم، كما يتضح في تصريحه: في وقت من الأوقات استنتجت استنتاجا غريبا وهو أن تكون قبايليا فهذا ليس كافيا، فأنا لست قبايلي مثل والدي، وابني ليس قبايليا مثلي، وابن ابني سيكون مختلفا عنا جميعا، لأننا جميعا مدعوون إلى مواجهة أشياء أخرى مختلفة، ليست جيدة وليست سيئة ولكن لديها الحق في الوجود. واستنتج متحدثا عن الهوية الأمازيغية: ومن هنا أقول إن +الهوية؛ غير موجودة، وهي ليست ثابتة. وأضاف: لقد كنت ولازلت أدافع عن الهوية الأمازيغية، لأنها في النهاية ثقافتي الأم، لكن هل معنى هذا أن أختزل نفسي في أمازيغيتي.. أظن أنه لو أن كل شخص تقوقع داخل ثقافته الشخصية فلن نتقدم أبد. حين سأله المستجوب: عن السبب الذي دفعه إلى هذا الموقف وهو الذي دافع عن القضية الأمازيغية، منذ السبعينيات. أجاب: هي لم تكن قضية، لأنه لا ينبغي أن نبالغ، فنحن لم يتم اجتثاثنا كالأكراد مثلا، نحن كنا نطالب بشرعية أن تجد ثقافتنا مكانها المناسب، هذا هو الأمر ببساطة. نحن لسنا ضد أحد، وأنه لا يمكننا عزلها أو تهميشها لأنها موجودة في لاوعينا، وتكتسب شرعية وجودها من التاريخ لأنها موجودة منذ الماضي السحيق هنا في المغرب، وفي الجزائر، وفي.. كما تكتسب شرعيتها أيضا بلغتها وعاداتها وتقاليدها في الفرح والحزن، والرقص والبكاء... كما أن استعمال هذه الثقافة ضد أي مكون من المكونات الثقافية أو الاجتماعية الأخرى لن يكون صحيحا.. تكمن أهمية الاستنتاجات أو المراجعات التي انتهى إليها هذا الفنان القبايلي الشهير في كونها تصدر عن فنان أمازيغي عالمي كبير يمجده كثير من ناشطي الحركة الأمازيغية في المغرب و في غيره من البلدان التي يتواجد فيها الأمازيغ ويعتبرونه أحد رموز نضالهم، فلقبوه ب صوت الأسطورة المسافر أو الصوت الذهبي و اللحن الشجي أو رسول التاريخ والأغنية الأمازيغية في جميع أنحاء العالم. فهو يعمل في المجال الفني منذ أكثر من 33 سنة رغم أنه لم ينتج سوى 3 ألبومات غنائية وقد شرح أسباب ذلك بنفسه بقوله: عندما لا يكون عندي شيء لأقوله فإنني أصمت.، رغم أن بعض مقطوعاته غنيت و ترجمت إلى ثمانية عشر لغة منها العربية.. إذن الفنان إيدير يَخلُص، بعد تجربة طويلة جاب خلالها كل أنحاء المعمور، إلى أنه لا يمكن للأمازيغي أن يختزل نفسه في أمازيغيته وأن الهوية الأمازيغية لم تكن قضية، لأن أحدا لم يقم باجتثاثنا من أرضنا، وأن استعمال هذه الثقافة ضد أي مكون من المكونات الثقافية أو الاجتماعية الأخرى لن يكون صحيحا فنحن جميعا لنا تاريخ وأشياء مشتركة..وهي تصريحات واعترافات غاية في الأهمية، إذ تناولت نقاطا وقضايا تعرضت من طرف البعض للكثير من المغالطات والتحريفات.. فلعل تصريحات الفنان إيدير تكون أرضية نقاش فكري لدى كثير من الفاعلين في الساحة الثقافية الأمازيغية.. فلا يخفى ظهور تصريحات، من حين لآخر، لبعض الأقطاب المحسوبين على الأمازيغ تدعو إلى طرد العرب الغزاة لبلاد الأمازيغ ومعهم الإسلام إلى الجزيرة العربية ..وهو مطلب لا يفتقر إلى الذوق فحسب، بل أيضا إلى العقلانية.. وأغلب هؤلاء متشبعون بأفكار ماركسية لم تعد تجد لها صدى في أماكن وجودها الأصلية، فقرروا خوض تجربة جديدة يمزجون فيها أفكارهم هذه و موروثهم الثقافي السابق بالفكر القومي المتعصب. الهوية الأمازيغية هي-بالتأكيد- مكون أساسي من مكونات الشخصية المغربية إلى جانب الهوية العربية يجمعهما الإسلام ويصهرهما، لكون هذا الأخير يعترف بالاختلاف العرقي و المذهبي و الديني و اللغوي، ولا يعمل على إلغائه أو تجاهله أو تهميشه بل يدعو إلى تقديره واحترامه وتقبله كسنة من سنن الله في الكون. ( ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين ). و لدينا في المغرب -على الخصوص- خاصية متميزة وهي أنه لا يمكن لأي أحد أن يثبت جذوره العربية أو الأمازيغية بسبب التداخل و التلاقح الكبيرين بين الإثنيات.. بعض المثقفين الأمازيغيين يعاونون من حالة الاستلاب فيقومون باحتقار الذات ومكوناتها وتمجيد الآخر وثقافته، والسعي الحثيث للاندماج والذوبان فيه، حتى لو كان هذا الاندماج والذوبان على حساب الأمة ومصالحها ومستقبلها، فيكونون بذلك الأرض الخصبة للهيمنة والسيطرة الخارجية. فالذين يسقطون في شراكه، يعانون من الهزيمة النفسية بكل صورها ومظاهرها، بل يعيشون في غربة مستديمة.. مما يؤدى إلى وجود ما يشبه الفراغ المعرفي وسيادة روح الشك في كثير من الأمور السائدة و المرتبطة بالهوية على الخصوص..فيحاولون إعادة النظر في كثير من المسلمات التي حسمها الأمازيغ منذ بداية الفتح الإسلامي لشمال إفريقيا. وذلك لأن الذوبان في الآخر، لا يؤسس لوعي حضاري، بل يدفع باتجاه الميوعة والتقليد والتبعية. بعيدا عن إدراك الخصوصيات واستيعاب المفارقات التاريخية والثقافية والاجتماعية. وبذلك يساهمون على تفكيك ماضي الأمة ومقومات وجودها وعزتها! إذا كانت الثقافة هي التراكم الحضاري لدى شعب معين فإن هذا التراكم مُحدد أساسي أيضا للهوية، وهنا تكمن أهمية العودة إلى الذات ومقاومة مشاريع الاستعمار عوض الاستسلام والذوبان فيها. في عصر تطرح فيه قضايا العولمة والعالمية، وتنميط البشر، ومسخ الهوية، خصوصا هوية الُمقدّس، ليتماهى مع الرؤية الأوروبية المادية. إن القبائل الأمازيغية التي تعربت عبر القرون، حملت، بكل تأكيد، عناصر ثقافتها إلى اللغة الجديدة التي أصبحت ناطقة بها. و هو الشيء نفسه الذي فعلته القبائل العربية التي تمزغت، ناهيك عن كون المكونين العربي و الأمازيغي قد تفاعلا و تمازجا مع باقي المكونات الأفريقية و الآسيوية و الأندلسية و الأوروبية ضمن ثقافة مغربية تتميز بالثراء و التنوع. ساهمت بدورها في بناء الثقافة الإسلامية، التي تقوم وتنبني على التعدد. ضمن هذه الثقافة التي شكل الإسلام مفاصلها، و بفعل كل هذه القرون من الانصهار بين جميع هذه المكونات و غيرها، لا مكان للنزعات الانغلاقية المؤسسة على التعصب و الشوفينية.. بهذا المعنى فالثقافة الأمازيغية مزيج من كل الثقافات التي عبرت المغرب عبر التاريخ. و من هنا يصعب على أي منا أن يثبت جذوره العربية أو الأمازيغية بسبب التداخل والتلاقح الكبيرين بين مكونات الشعب المغربي. و من الصعب أيضا التمييز داخل الثقافة الأمازيغية نفسها بين ما هو أصيل و ما هو دخيل. أو كما عبر عن ذلك الفنان إيدير بقوله في الحوار نفسه: سواء بالنسبة إلى العربي أو المعرب الذي لا يتحدث الأمازيغية أو الأمازيغي الذي لا يتحدث العربية مثلي.. كلانا يملك نفس المخيال الجمعي، إذ كيف يمكن أن تفسر مثلا أنني عندما أستمع إلى المغني حمادة من وهران أو الحاجة الحمداوية من المغرب يقشعر بدني رغم أنني لا أفقه شيئا في اللغة العربية، هذا معناه أن هناك أشياء مشتركة وتاريخاً مشتركا. عضو جمعية سوس العالمة