من شدة التعذيب الذي تعرض له تاجر في الأسماك، ظن كل من رآه أنه توفي وانتقل إلى الرفيق الأعلى، فشاع خبر وفاته في المدينة كالنار في الهشيم. رأس مهشم ويد مكسورة ووجه ملطخ بالدماء، كانت تلك هي الصورة التي شاهدها سكان حي بولعلام صبيحة يوم السبت الأسود، ولم تكن هذه الصورة سوى لمواطن من سيدي إيفني، المختار الرويكي، الذي كان ضمن المتضررين من إغلاق الميناء. خرج المختار من منزله بعدما سمع صراخ نساء، فظن أن الأمر يتعلق بسرقة، غير أن خروجه لمعرفة ما حدث جعله هو الحدث. انهالت عليه هروات رجال أمن ورفسته أرجلهم، فحملوه على متن رجال الأمن، فاتجهوا به صوب مخفر الشرطة بالمدينة، حيث وجد بعدما استفاق من غيبوبته، أكثر من مائة من الساكنة مكدسين هناك. يحكي المختار عن هذه اللحظات قائلا السب والشتم بكل الألفاظ البديئة، الذين شكوا في علاقتهم بالأحداث وضعوا الـبانضة على عيونهم، والذين لا علاقة لهم أطلقوا سراحهم. لم يكن يعلم المختار أن ندوة عقدت في ذلك اليوم بالرباطـ أعلن فيها إبراهيم سبع الليل، رئيس فرع المركز المغربي لحقوق الإنسان، خبر وفاته، وأنه تأثر كثيرا برحيله. تزامنا مع هذه الأحداث؛ ظل هاتف المختار يرن بالبيت، فكانت تجيب زوجته آمينة، حيث بدأت تتلقى التعازي من المتصلين، ولم تعرف ماذا حل بها. هرعت آمينة، وهي حامل، إلى المستشفى، وبقيت تنتظر ثلاث ساعات من يأتيها بالخبر اليقين، لتجيبها إدارة المستشفى أنه لا يوجد أحد بهذا الاسم. لم تعرف آمينة ماذا تفعل، وإلى أين تتجه، غير أن ما خفف عنها، حسب قولها، هو منظر الحالات التي شاهدتها وهي تدخل إلى المستشفى، فقالت إذا عمت هانت، وإذا مات بفذاك هو قدره. عاشت الزوجة أكثر من عشر ساعات على وقع اتصالات هاتفية لم تنقطع، والسؤال المطروح: هل مات زوجك؟ وإنا لله وإنا إليه راجعون، وفي تمام الساعة الخماسة والنصف من اليوم نفسه، اتصل قريب إلى المختار ليخبر زوجته أن زوجها حي يرزق، وأن خبر وفاته لم يكن سوى إشاعة. تنفست حينها آمينة الصعداء، وتأكدت أن معيل أسرتها ما يزال حيا، وأنه سيعود من المستشفى بعد تلقي العلاج الضروري. المختار ما يزال بحيه طريح الفراش، بعدما أصيب في يده بكسر، فرفض التوجه إلى المستشفى بتيزنيت لإجراء عملية جبر الكسر، فاختار الجبيرة التقليدية في منطقة بونعمان بالقرب من مدينة تزينيت.