تنهار بسرعة اسطورة نجاح النظام التونسي في تحقيق نهضة غير مسبوقة ونسبة نمو اقتصادي تتفوق على الكثير من نظيراتها في أفريقيا، وذلك مع تصاعد حركات الاحتجاج الشعبي على تدهور الاوضاع الاقتصادية. يوم الاحد طوق الجيش التونسي لليوم الثاني على التوالي مدينة الرديف جنوبتونس بعد يومين من مصادمات دامية جرت داخل المدينة بين الشرطة والآلاف من أبناء الرديف الذين تظاهروا احتجاجا على غلاء المعيشة وزيادة البطالة. يأتي ذلك في الوقت الذي شدد فيه البشير التكاري وزير العدل وحقوق الإنسان في تونس على أن الدولة ستواجه أي أعمال عنف بحزم وستتصدى للشغب. وقتل شخص يوم الجمعة وأصيب أكثر من 26 آخرين في مصادمات عنيفة جرت بين قوات الشرطة ومتظاهرين في مدينة الرديف التابعة لمحافظة قفصة نظموا احتجاجا شعبيا للاحتجاج على تردي الأوضاع الاجتماعية وغلاء المعيشة وزيادة البطالة. وسبق أن لقي شاب تونسي مطلع مايو الماضي مصرعه متفحما إثر صعقه بالكهرباء، وأصيب آخر بجروح بالغة خلال احتجاجات مماثلة ضد البطالة في منطقة قفصة. وقالت مصادر من داخل مدينة الرديف: إن فرقا من الجيش الوطني قامت بتطويق المدينة يوم السبت، ومنعت الدخول إليها أو الخروج منها لإحكام السيطرة عليها ومنع وصول أي شكل من أشكال الدعم لحركة الاحتجاج الشعبي بالمدينة، وحولتها إلى ما يشبه المنطقة العسكرية المحظورة، فيما واصلت قوات الأمن عمليات اقتحام المنازل واعتقال من يُشتبه في اشتراكه في أحداث أمس الجمعة. وقال شهود عيان: إن مواجهات عنيفة تجددت منذ صباح يوم السبت بين المتظاهرين وأعوان الأمن في مختلف مدن وقرى أخرى من منطقة الحوض المنجمي المكون من مدن المتلوي وأم العرائس فضلا عن الرديف بمحافظة قفصة، لكنها تركزت بشكل أساسي في الرديف. وتقوم الحكومة الآن بالدفع بتعزيزات إضافية من الجيش والأمن إلى منطقة الحوض المنجمي تحسبا من إمكانية تطور الأحداث هناك وخروجها عن السيطرة. وقد أدانت منظمات المجتمع المدني الاستعمال المفرط للقوة من قبل أجهزة الأمن التونسية في مواجهة المواطنين. ودعت إلى وقف فوري لكل الانتهاكات التي يتعرض لها المواطنون وطالبت بفتح تحقيق فوري في الأحداث ومعاقبة المسئولين عن هذه الانتهاكات. ونددت منظمة حرية وإنصاف للدفاع عن حقوق الإنسان بإطلاق النار على مواطنين عزل وقتل أحدهم وجرح العديد منهم لا لشيء إلا لأنهم خرجوا في مسيرة سلمية للتعبير عن احتجاجهم. ودعت المنظمة إلى فتح تحقيق في الغرض ومعاقبة من أصدر الأوامر بإطلاق الرصاص على المواطنين العزل. كما أدانت حركة النهضة بشدة إطلاق النار على المتظاهرين، وطالبت بفتح تحقيق لتحديد المسئوليات ومعاقبة مطلقي النار من أعوان الأمن. ويعود انطلاق التحركات في الحوض المنجمي بمحافظة قفصة إلى بداية شهر يناير الماضي، وتواصلت بأشكال مختلفة من المسيرات إلى الاعتصامات وإضرابات الجوع. وفشلت مختلف محاولات الحكومة لاحتواء الأزمة بالحوض، التي زادتها اللامبالاة والمماطلة حدة وتوسعا. وتعاني مدن ما يعرف بالحوض المنجمي من التهميش الحكومي، حيث لا يوجد أي نشاط اقتصادي يمارسه السكان إلا العمل في مناجم الفوسفات فقط، وهو ما يقودهم إلى الاحتجاج على السلطات، ففي عام 1984 قاموا بما عرف في تونس بـانتفاضة الخبز. وفي عام 1989 انطلقت من هذه المدن الواقعة جنوبتونس العاصمة بنحو 500 كيلومتر محاولة انقلاب على نظام الحكم لكنها فشلت، وهو ما أدى نسبيا إلى إهمال الحكومات لتنمية هذه المناطق منذ ذلك الحين، بحسب مراقبين.