يقولون الكبد حنّانة، الكبد حنانة لأن حب الأولاد والتعلق بهم قد يهدم مصلحتهم أحيانا.. هذا ما كان فعلا. وجدتها في الشارع بعد عودتي من عملي. تلوح لي يد معرورقة؛ خطت سنوات المعمل وصناديق الليمون المصدّر تجاعيد عميقة عليها. ترجلت من سيارتي وصافحتها. بعيون دامعة؛ راحت تشكو لي حال ابنها المهاجر إلى الديار الإيطالية، لا يود مكالمتها، ويطفئ الهاتف في وجهها. واسيتها وعرضت عليها محاولة مهاتفته من جديد في المخدع المجاور، مدّت لي يدها بورقة قديمة من جيب جلبابها، غابت وانمحت فيها معالم الأرقام، وعيناها لاتكفان عن الدّمع، سألتها: أمتأكدة أنت أنه الرقم كاملا. ركّبت الأرقام ويداي على الآلة، ويدها على السماعة ترتجف. تجيبني بصوت مخنوق:راه كيتكلم الطاليانية أبنيتي، ولدي تبدل علي لم تستوعب أنه صوت المجيب الآلي، شرحت لها أنه خارج المنزل، وقد أعيتني الحيلة لإسكاتها وسط نظرات المارة المتسائلين في الشارع. قالت: كنت أعرف أن ابني مقصود. ومن تريده قد سافرت له من هنا. لقد سرقت لي من الحمام جوربين ووزرة المطبخ. هذا عمل. ابني عليه حجاب. شرحت لها أن إيطاليا شاسعة وكيف ستلتقيه هاته التي تظنها ستأخذ ولدها. شكت أن أحواله تغيرت وهي التي تنتظر منه أن يبني لها بيتا يريحها من محنة الكراء ويريح أختيه من العمل بالمعمل. لقد تعبت، كذلك بنتاي تعبتا من وقفة السمطة في المعمل قرّرت أن تبخر الدّار وتفوسخ على رأسها بصورة له حتى يتذكّرها. أجبتها ضاحكة: إن جنّ المغرب لا يقدرون على جنّ الطاليان ،هادوك عندهم الرادار. مضى شهر.... التقيتها ثانية بالسوق الشعبي والفرحة تطل من عينيها، كانت تكتحل وعلى يديها نقوش حناء حديثة، لقد عاد، قال أنه لم يكن يشتغل في المدة الأخيرة وأشار عليه بعض أصدقائه بزيارة الوالدة وطلب رضاها.