يطرح الأطفال وهم بعد في سن صغيرة أسئلة كثيرة بدافع الفضول وحبا في المعرفة ولإيجاد الإجابات حول المفاهيم والأشياء التي لم يستطيعوا إدراكها، أسئلة بريئة يطرحها الأطفال وينتظرون الإجابة المقنعة من آبائهم باعتبارهم القدوة الأولى لهم في هذه الحياة. لكن كيف ينبغي أن يتعامل الآباء مع هذه الأسئلة خاصة تلك المحرجة منها والتي يجهل الآباء أنفسهم إما الإجابة عنها أو طريقة تبليغ هذه الإجابة لأطفالهم؟ ماذا عن لجوء بعض الآباء إلى أجوبة خرافية أو كاذبة من أجل إيصال الفكرة إلى عقول الأبناء الصغيرة، هل ينبغي تشجيع طرح مثل هذه الأسئلة من قبل الأطفال؟ وكيف يمكن تعزيز الروح الدينية وتنميتها لدى الأطفال الصغار؟ روح السؤال هي السمة الغالبة على كل الأطفال، ومع اكتسابهم اللغة ومهارات التواصل ينطلقون في طرح الأسئلة بهدف فهم هذا العالم الذي من حولهم وفهم كل مالم يستطيعوا إدراكه في هذه السن الصغيرة، وتختلف أساليب تعامل الآباء مع هذه الأسئلة ما بين من يتجاهلها وبين من يبحث عن أبسط أسلوب لتبليغ الفكرة والمعنى بحيث يستوعب الطفل الإجابات وتكون في مستوى إدراكه العقلي. كل الأطفال يسألون كل الأمهات والآباء اللذين التقت بهم التجديد أقروا بأنهم عاشوا الموقف مع أبنائهم وهم في سن صغيرة أو أنهم ما زالوا يعيشونه لحد الآن، فالسؤال عن وجود الله والموت والجنة وغيرها من الأمور الغيبية قاسم مشترك بين الأطفال المغاربة لكن الاختلاف يكمن في الإجابات التي يقدمها الآباء. من هو الله كان هذا السؤال صادما للسيدة خديجة عندما فاجأها ابنها ذو الأربع سنوات به، عجزت عن إيجاد جواب تقنع به عقل طفلها الصغير، ولم تجد أمامها من حل سوى تجاهل سؤال طفلها وصرف نظره إلى ألعابه المتناثرة في الغرفة علها تجد جوابا بعد ذلك. تقول لقد جعلني هذا السؤال الذي باغتني به ابني أقرأ في الكتب وأبحث في الإنترنت عن الأسلوب الأمثل للإجابة على أسئلة الطفل المحرجة زينب أم لطفلين تقول بأنها تلقت أسئلة من أطفالها وهم صغار من قبيل أين يوجد الله؟ لماذا لانراه؟ وكيف نراه؟ كيف خلقنا الله؟ وغيرها من الأسئلة وبعكس السيدة خديجة كانت زينب جاهزة للإجابة على أسئلة ابنيها فقد شرحت لهما أن البشر جميعهم لا يمكنهم رؤية الله، لأن العقل الإنساني لا يمكنه أن يستوعب ذلك وقد استعانت بالأمثلة لتبين لهم هذه الفكرة فأعطتهم فكرة بالكهرباء التي نلمس وجودها في عدة أشياء لكننا لا يمكننا مشاهدتها بالعين المجردة وبالحليب الذي يبدو سائلا لكنه ضمنيا توجد فيه الزبدة لكننا لا يمكننا مشاهدتها، فكذلك الله نلمس وجوده في المخلوقات التي خلقها لكننا لا يمكننا رؤيته. وكان الشرح بالمثال هو الطريقة التي اهتدت إليها زينب لتشرح لولديها الأمور الغيبية التي يسألون عنها ولتبسط لهم الأجوبة بما يتناسب ومستوى إدراكهم. فضول معرفي يرى الدكتور أحمد بنعمو أستاذ في كلية علوم التربية، أن الأسئلة التي يطرحها الأطفال تكون من قبيل الفضول المعرفي ويضيف بأن على الآباء أن يتوقعوا من أبنائهم هذه الأسئلة سواء المتعلقة بالمسائل المطلقة مثل وجود الله وأين يوجد ومكانه ومدى قدرته أو الأسئلة المتعلقة بالجنس ومن يأتي الاطفال وأين كانوا، ثم الأسئلة المتعلقة بالموت والغياب. وفي نظره هذه الأسئلة تظل تؤرق الطفل وتشغله خاصة في المرحلة المتوسطة التي تعتبر مرحلة الأسئلة بامتياز لذلك ينبغي إعطاؤه الأجوبة التي يكون فيها نوع من التبسيط والتقريب للمفاهيم المجردة والمطلقة والتي يستطيع أي طفل أن يفهمها. من جهته يعتبر الدكتور عبد السلام الأحمر المدير المسؤول عن مجلة تربيتنا وعضو المكتب التنفيذي للرابطة المحمدية للعلماء أن حضور الدوافع الفطرية وراء تصرفات الإنسان يكون في أقوى درجاته خلال مرحلة الطفولة ابتداء من امتلاكه القدرة على الكلام حيث يبدأ في استعمال وظائفه العقلية والتعبير عن تساؤلاته البدهية بشأن حقيقة الحياة وعلاقة الإنسان بالله وكثير من الأمور الغيبية التي تساق إليه في إطار التربية الدينية والاجتماعية، وهذا سلوك طبيعي يدل على سلامة الفطرة وسوائها، وهو فرصة مواتية لتعليم الطفل الحقائق الدينية انطلاقا من حاجاته المعبرعنها في تلك التساؤلات، والتي غالبا ماتكون مفاجئة وغير متوقعة وتنم عن نضج عقلي كبير. التعامل السليم وحول طريقة التعامل مع هذه الأسئلة يرى بنعمو أن القاعدة العامة من الناحية البيداغوجية والسيكولوجية هو أن الإجابة على هذه الأسئلة لا ينبغي أن تقابل بنوع من الرفض أو التهرب التام عن مواجهتها أو القول بأن الطفل صغير لا يفهم هذه الأمور. والطفل لا ينتظر أن يكون الجواب مقنعا إلى حدود سن معينة ولكن ينتظر أن يهتم الأب أو الأم بنوع أسئلته ويوليها الأهمية ويجيب عنها وتلك الاجوبة لا ينبغي ان تكون من قبيل الخرافة وماهو بعيد تماما عن إدراكه ومتناوله وعن عقله ومستواه الذكائي. ويتفق الدكتور الأحمر مع هذا الطرح وينصح الآباء في تعاملهم مع الأسئلة التي يطرحها أبناؤهم الصغار باعتماد الصدق وعدم الفرار من الجواب؛ وإن اشتمل على صعوبة أو يحتاج إلى إلمام واطلاع معرفي لايكون متوفرا لدى الآباء أحيانا. ويشير إلى أنه لا ضير بأن يصارح الطفل بعدم توفر المعلومات الكافية في الموضوع؛ مع وعده باستفسار من هم أكثر علما. ولايجب التخوف من اكتشاف الطفل جهل والديه ببعض الأمور، بل يخبر بذلك في حينه والذي يعد مما نعلمه لأطفالنا متى استعدوا لإدراكه، فالطفل يبدأ باعتقاد أن أباه يعلم كل شيء ثم ينتقل إلى اعتقاد أنه لايعلم كل شيء وينتهي إلى أنه لايعلم إلا شيئا يسيرا. وعن لجوء بعض الآباء إلى أجوبة خرافية أو كاذبة من أجل إيصال الجواب إلى عقول الأبناء، يرى عبد السلام الأحمر أن هذا الأمر يعد من الأخطاء الكبيرة التي يرتكبها بعض الآباء بحيث يدخلون الأكاذيب والخرافات في سياق الجد مع أطفالهم الذين سيحتفظون بتلك الأجوبة في الذاكرة ويستحضرونها عند الحاجة. فكم ستكون صدمتهم كبيرة إذا علموا بأن والديهم كذبوا عليهم فضلا عن كون الإجابات الخرافية قد تؤثر سلبا في نفسية الطفل وتشوه نظرته للأمور. ويؤكد على أنه لايجوز أبدا الاستهانة بعقل الطفل الصغير على اعتبار أنه لايميز الخطأ من الصواب، ويسوق واقعة للعبرة وهي أن طفلة عمرها أربع سنوات صعدت السطح مع أمها فرأت الهلال في السماء فسألت أمها ما هذا فقالت الأم قمر صغير ولد اليوم فقالت الطفلة ومن ولده قالت الأم دون تأن الله. فقالت البنت كذبت ياأمي إن الله لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحدا لقد قرأنا ذلك في الروض. تنمية روح التساؤل يؤكد الدكتور بنعمو على أن قمع أسئلة الطفل يكون لها تأثير سلبي على شخصية الطفل ونموه النفسي فإذا لم يجب الآباء على أسئلة الطفل قد تكون هناك مصادر أخرى تقدم له الجواب بحيث لا يستطيع الآباء التحكم في طبيعة هذه المعلومات والأجوبة. ويضيف عبد السلام الأحمر بأنه ينبغي أن يستدرج الآباء أبناءهم لطرح تساؤلاتهم الدينية وغيرها لتنشيط فكرهم وتعويدهم على حسن التساؤل إذا خفي عليهم سر شيء أو سببه أو الغاية والحكمة منه، فالسؤال مفتاح العلم كما هو معلوم. ويمكن أن نقرر هنا قاعدة عامة وهي أنه من حق كل طفل استطاع أن يطرح سؤالا تعليميا أن يعرف جوابه حالا ودون تأخير إلا أن يكون لتأجيل الجواب مبرر تربوي كأن يستعصي تقديمه في اللحظة الراهنة أو قرب تحقق الجواب عيانا في الواقع أومصارحته بعدم معرفة الجواب مع وعده بالبحث عن جواب مقنع وتقديمه له حال توفره. ويؤكد بأنه ينبغي عدم الاستهانة بعقل الطفل واحترام موقفه ومراعاة حريته وتنشئته على تحمل المسؤولية، لأن الدين لم يكن ولن يكون في يوم من الأيام أوامر تملى عارية عن الدليل مجافية للعقل، فالدين يستهدف قلب الإنسان وما يستقر فيه من اعتقاد جازم واقتناع تام، ويرى أن على الآباء أن يبتهجوا بأسئلة أبنائهم لكونها المدخل المناسب لبناء إيمان راسخ وتحقيق تربية إسلامية رشيدة.