اقتنعت حكومة السبع وزيرات أخيرا بالنظر في موضوع خطير يمس صورة المرأة في الإعلام. وأنجزت دراسة حول صورة المرأة في الإعلام المغربي، الوضعية والآفاق، اكتشفت من خلالها ما سبق أن نبه إليه الكثيرون. فحضور المرأة في الإعلام، حسب الدراسة التي أنجزتها وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن، غالبا ما يكون حول الجنس والحب والإجرام والأخبار المتنوعة، فيما تكون صورتها على الأغلفة عادة إما عاهرة أو مغتصبة أو مجرمة أو نجمة أو أميرة. كما أن الوصلات الإشهارية، تقول الدراسة، تختزل صورة المرأة في إبرازها كموضوع للمتعة أو التعامل معها كربة بيت، في حين يقوم الرجل في غالب الأحيان بدور الرئيس والمدير ورجل الأعمال والطبيب.وأوضحت الدراسة أن مضمون المقالات التي تنشرها أو تبثها وسائل الإعلام المغربية 58 في المائة منها تتضمن شحنة سلبية. كما اكتشفت الحكومة من خلال دراستها أن أغلب المسلسلات الرمضانية تسيء للمرأة، حيث ترسخ كثيرا من الصور النمطية (صورة المرأة الانتهازية،المعنفة، الصبيانية، ...). إلى هذا الحد لا يمكن للمغاربة إلا أن يصفقوا بحرارة على هذا التقدم العظيم، إذ من المفيد أن تر الحكومة نفس ما يراه عامة المغاربة ويشكون منه. لكن المغاربة ستغمرهم الفرحة من خطبة نزهة الصقلي، وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن،التي قالت فيها، وهي تقدم لتلك الدراسة، ينبغي نشر ثقافة المساواة بالاعتماد خاصة على إرثنا الديني الذي يزخر بالتعاليم والصور المشرفة للمرأة مثل أمنا خديجة رضي الله عنها كأنجح مقاولة وأمنا عائشة التي قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء. فهذه الخطوة تعطينا مؤشرا على أن حكومتنا قادرة، إن شاءت، على إدماج ما أسمته الوزيرة بإرثنا الديني في إصلاح أوضاع المجتمع والأسرة، دون خوف من تهمة إقحام الدين في السياسة أو استغلاله لأغراض سياسية، وتظهر أن الجميع يمكن أن يتحدث عن الدين دون عقدة أو مصادرة. وبالطبع فالوزيرة طالبت وسائل الإعلام بالعمل على نشر صورة المرأة الإيجابية الحقيقية والكف عن بث ثقافة النظرة الدونية النمطية للمرأة. لكن أسئلة مقلقة كثيرة من شأن الإجابة السليمة عنها أن تدفع بجماهير المغاربة إلى تنظيم مسيرات التأييد للحكومة على طول المغرب وعرضه، من مثل: هل تستطيع حكومة الفاسي، وهي تسجل أكبر حضور نسوي في حكومة مغربية، وضع قانون يمنع الاستغلال المشين لصورة المرأة في الإشهار؟ هل تستطيع الحكومة وضع قانون يجرم نشر الصور الفاضحة للمرأة، الإشهارية منها وغير الإشهارية، في وسائل الإعلام؟ بل هل تستطيع الحكومة تفعيل الترسانة القانونية المتوفرة لحماية المرأة في وسائل الإعلام؟ وهل تستطيع الحكومة أن تتواجه مع التيار الإباحي المستتب في الأوساط الإعلامية المكتوبة والمسموعة والمرئية؟ وهل تستطيع الحكومة إعلان الحرب على تحالف لوبيات استأصالية تتوسل بنشر الميوعة في محاربتها للتدين في المجتمع؟ بل هل تستطيع الحكومة تعبئة الحركات النسائية لبث وعي نسوي اعتمادا على إرثنا الديني؟ وهل تستطيع تلك الحركات تنظيم حركة مقاومة الاستغلال المشين للمرأة في الإعلام بتنظيم حملة مقاطعة لكل المنتجات الإعلامية التي توظف صورة المرأة المثيرة لترويج منتوجاتها؟ وهل تستطيع تلك الحركات النسوية تنظيم حملة في صفوف النساء والتلميذات بالخصوص لتصحيح الصورة النمطية السلبية التي كرسها الإعلام في أدهانهن حتى يتحررن من صورة المرأة الشيء؟ القصد من السؤال عن الاستطاعة هو أن لا نتهم حكومتنا في نيتها، وإلا فالسؤال الجوهري هو: هل تؤمن الحكومة فعلا بضرورة تصحيح صورة المرأة في الإعلام؟ ذلك أن الحكومة لا يمكن أن تنتقد وضعا هي المسؤول الرئيسي عن بلورته وهي المطالبة الأولى بالعمل على تجاوزه. فوسائل الإعلام الرسمية تقيم كل يوم مذبحة الاستغلال المشين لصورة المرأة في الإعلام. فهل تكون قدوة لغيرها في إصلاح تلك الصورة؟ في الختام، نسأل الله أن يفتح على وزيرة الثقافة ووزير الأوقاف للقيام، بكل روح رياضية، بدراسة مماثلة للمهرجانات الثقافية والمواسم الدينية... لعل الحكومة تصدق بعضا مما بحت من الصدع به فئة عريضة من المواطنين.