عرفت الأسرة المغربية بشيمة الكرم، وكادت هذه الصفة تكون من مميزاتها، وإن بدأت هذه الشيمة تندثر في الحواضر فإنها في القرى والمدن الصغرى أكثر ثباتا واستمرارية قد يلمسها السائح الأجنبي عن البلد كما يلمسها الزائر من البلد ذاته، وأقرب مثال على ذلك أن أستاذة تم تعيينها هذه السنة للتدريس بمؤسسة تابعة لنيابة سطات، وهي ممن لم يتم تعيينهم إلا بعد أن نالوا من كرم هراوات شارع محمد الخامس بالرباط بسبب مطالبتهم بحق الشغل وهم الحاملون لشهادات عليا في تخصصات مختلفة، فبمجرد أن حلت هذه الأستاذة بمدينة صغيرة وجدت الترحاب من سكان البلدة، بعفويتهم، هذا لمجرد معرفتهم أنها حلت أستاذة ستلقن أبناءهم علوم الحياة والأرض، أما لو علموا أنها نالت من الوقفات الاحتجاجية ما نالته مع زملائها لكان كرمهم أكثر، لعلها تعوض ما ضاع منها من طاقة بسبب الخوف من ضربات قوات التدخل السريع. الكرم المغربي أيضا يلاحظه السياح الأجانب وهو يجوبون مناطق المغرب الغنية بمناظرها الخلابة، حين تستقبلهم هذه القرية بالطاجين المغربي وقصعة الكسكس، وهذه باللبن الطري والخروف المشوي. الكرم المغربي للضيوف شمل حتى أحداث الحزن، ففي مدينة بني ملال استغرب أحد سكان مدينة الجديدة ما يقدم عليه الجيران من إعداد للطعام طيلة ثلاثة أيام من موت الميت، إذ بمجرد أن تعلن الوفاة ويتم دفن الميت، تتقاطر على بيت العزاء أصناف الطعام من مرق وكسكس وخبز وحليب. وفي مقابل هذا الكرم المادي بدأنا نلحظ أن بعض الضيوف يكادون يغيرون شيمة المغاربة من الكرم والسخاء إلى البخل في العطاء، إنهم ضيوف لا يتطلبون مأكلا ولا مشربا، ولا يختارون وقتا مناسبا، كما لا يحترمون نوع الحضور، يفرضون وجودهم وهم الغائبون، ويسرقون من الجلوس أحدهم دون مراعاة لطبيعة الاجتماع أو الاشتغال، يطيلون في الكلام دون معرفتهم بجدول أعمال أهل البيت، لا يدقون الباب بل يدخلون دون استئذان، لا يضعون نعالهم من أرجلهم، كما لا ترى ألبستهم، قد يزعجون أهل البيت وهم لا يدرون، وقد يكونون سببا في منع آخرين من تفقد أحوال أهل البيت، ويخيل إليهم أنهم بعدم أكلهم للطعام قد أعفوا أهل البيت من الخسارة. هؤلاء هم الضيوف عبر المكالمات الهاتفية الطويلة المدة، إنهم يتصلون ويسترسلون في الكلام مع توفر خدمة الاتصالات في أوقات تعتبر مهمة للتواصل الأسري (الليل خاصة). هؤلاء الضيوف لا يأكلون الطعام بل يأكلون من وقت أسر تحتاج إلى تدبير أمورها، ولا يشغلون مكانا من البيت بقدر ما يشغلون فردا قد تنتظر منه الأسرة اتخاذ قرار أو قضاء شغل. ولا يتركون مجالا لاتصالات أخرى قد تكون أهم من أحاديثهم الجانبية، كما أنهم باتصالهم قد يحدثون شرخا في حياة زوجية كانت تنعم بالهناء، ولا أدل على ذلك من استشارة سبق أن تناولناها في فسحة الأمل عنونتها السائلة بـ الهاتف الثابت يزعزع علاقة أمي بأبي ذكرت فيها تأثير الاتصالات الطويلة على والدها. وحتى لا يكون أحدنا ضيفا ثقيلا يكفيه أن يضع نصب عينيه أثناء مكالماته الهاتفية شعار: إنجاز مع إيجاز، وليقض حاجته دون أن يقضي على علاقة أسرية أو على وقت المتصل به.