يبدو أن الدكتور يوسف القرضاوي لم يكن يعلم أن رأيه الذي أدلى به لجريدة العرب القطرية عندما سألته عن تناول مشروبات الطاقة المتوفرة في الأسواق والتي تتوفر على نسبة 0,05 بالمائة من الكحول سوف يخلف ردود فعل تتجاوز دولة قطر إلى دول إسلامية أخرى، وستنتشر بشكل سريع في المنــتديات والصحف الالكترونية والورقية. القرضاوي اعتبر ردود الفعل هذه مبالغ فيها وعلق عليها بأن >ذلك ناتج عن عدم فهم للفتوى<. وأوضح أن >هناك مشروب طاقة موجود في الأسواق والناس تريد معرفة حكم الشرع فيه، لذلك عندما سئلت وجدت نفسي مجبراً على توضيح الصورة للمسلمين حتى لا يضيقوا على أنفسهم بغير وجه حق<. وكان القرضاوي قد أباح تناول هذه المشروبات على اعتبار أن نسبة خمسة في الألف الموجودة في هذه المشروبات لا أثر لها في التحريم، لأنها نسبة ضئيلة جدا، وتحدث بفعل التخمر الطبيعي كما يقول الخبراء، وليس مصنعة، ولذلك لا أرى حرجا من تناول هذا المشروب. وأضاف بأن الشريعة الإسلامية شريعة واقعية، ومن واقعيتها هنا: أنها وضعت قاعدة مهمة جاء بها الحديث الشريف، وهي أن ما أسكر كثيره، فقليله حرام. وأعتقد أن أي إنسان شرب من هذا المشروب ما شرب فلن يسكره، ولذا لا يحرم القليل منه. سد باب الذرائع وقد رفض بعض العلماء والفقهاء المغاربة القول بهذا الرأي استنادا إلى القاعدة الفقهية التي تقول بسد باب الذرائع حيث اعتبر الدكتور محمد الراوندي عضو المجلس العلمي الأعلى أن فتح هذا المجال والقبول بتناول مشروب يحتوي على نسبة 5 بالألف قد يفتح المجال لتناول مشروبات أخرى تتوفر على 10 بالمائة من الكحول، وهذا الأمر سيفتح الباب على مصراعيه للخطأ، لذلك فالاولى التحرز وسد هذا الباب من البداية. من جهته أكد الدكتور محمد حسن الغربي طبيب وعضو المجلس العلمي المحلي بالرباط أنه إذا ثبت أن تناول الكثير من هذا المشروب يؤدي إلى السكر وفقدان العقل، فالقليل منه حرام مهما كانت نسبة الكحول فيه، لكن إذا ثبت أنها لا تسكر و لو تناول منها الإنسان الكثير فالحكم هنا يختلف. لكنه استدرك بأنه من الأفضل درءا للشبهات وسدا لباب الحرام تجنب هذه المشروبات، خاصة وأنه يمكن الاستغناء عنها وهناك بدائل أخرى. لا داعي للتشدد لكن من جهة أخرى يرى علماء آخرون بأن التوسع في سد باب الذرائع سيؤدي إلى تحريم عدة أمور على سبيل التورع، والقاعدة التي ينبغي الاستناد إليها هي كل ما كان يسيرا فهو معفو عنه، واليسير أي الشيء الطبيعي الذي يعسر التحرج منه ويصعب الاحتراز منه فهو جائز. و يتفق الدكتور العلامة محمد التاويل أحد كبار علماء المالكية في المغرب، وأستاذ كرسي السنة بالقرويين مع رأي القرضاوي ويرى أنه إذا كان الكحول طبيعيا وجزءا من المادة الغذائية أو المشروب وليس إضافيا فلا مانع من تناوله، أما إذا كانت المادة في أصلها الطبيعي خالية من الكحول وأضيف إليها عن قصد فإنها تصبح في هذه الحالة محرمة، وأضاف بأنه إذا تناول الإنسان كمية كبيرة من هذا المشروب وأدى به إلى السكر فإنه يعتبر حراما في هذه الحالة، أما إذا تم تناول كمية كبيرة منه ولم يؤدي إلى أي مفعول فإنه يكون مباحا في هذه الحالة. في نفس السياق يرى الأستاذ محمد المصلح رئيس هيئة الافتاء بالمجلس العلمي المحلي بوجدة أنه مادامت هذه المادة مخلوطة بغيرها ومصنوعة بشكل طبيعي وليس مما يصنع الخمر المعروض للتناول فلا بأس بتناولها، وأضاف بأن هناك مجموعة من المواد فيها نسبة التخمر واذا حرمنا جميع المواد التي تتوفر على مادة مخمرة فإننا سنمنع مواد كثيرة من التناول وأضاف لا داعي للتشدد في هذه الامور فهذه المشروبات بحسبه ليست معدة للسكر، والتخمر ربما يكون لحفظ المشروب واعطائه نكهة محددة وأوضح حتى الخمر عندما تزال منه مادة الإسكار ويفقد خصائصه الأولى للخمر تنتفي عنه حينها صفة الحرمة. من باب المعفو عنه من جهته يعتبر الدكتور عبد الرزاق الجاي أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس أن العلاّمة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي جدد الرؤية الفقهية، ولم يعد ذلك الفقه الموروث الجامد على النص بل انفتح على باقي أصول الاستدلال، وأن آراءه الفقهية تدخل في هذا السياق. وأوضح الدكتور الجاي المسألة انطلاقا من خمسة وجوه واستنادا إلى أحاديث كثيرة وردت في هذا الموضوع. الوجه الأول: تواترت الأحاديث المحرمة لما أسكر كثيره، منها ما أخرجه الإمام البخاري والإمام مسلم والإمام النسائي والإمام أبو داود والإمام ابن ماجة والإمام مالك والإمام الدارمي عن السيدة عائشة، رضي الله عنها، قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع (بكسر الباء وسكون التاء) فقال: كل شراب أسكر فهو حرام. وأخرج الإمام الترمذي والإمام النسائي والإمام أبو داود والإمام ابن ماجة والإمام أحمد، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما أسكر كثيره فقليله حرام . قال الإمام الترمذي: حديث حسن غريب. وأخرج الترمذي وأبو داود وأحمد عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أسكر الفرق (بفتح الفاء والراء) فملء الكف منه حرام، والفرق هو مكيال يسع ستة عشر رطلا. وروى النسائي والدارمي عن عامر بن سعد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قليل ما أسكر كثيره وروى النسائي عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: حرمت الخمر قليلها وكثيرها وما أسكر من كل شراب الوجه الثاني: إن النص الذي رواه الإمام الترمذي ما أسكر كثيره فقليله حرام مختلف فيه الوجه الثالث: إن الشرع عندما حرم الخمر حرمه لعلة السكر، فحيثما تحقق السكر في أي شراب، أخذ حكمه، إذ الحكم يدور مع العلة فحيثما وجدت العلة وجد الحكم، وحيثما انتفت العلة انتفى الحكم. الوجه الرابع: لو سلمنا بقبول حديث ما أسكر كثيره فقليله حرام ورويناه بصيغة المخالفة: ( ما لم يسكر كثيره فقليله حلال) فمادام هذا المشروب يحتمل قليلا من الكحول التي لا تؤثر على العقل ولا تخامره وإن شرب المرء الكثير من هذا المشروب، فهذا لا حرج فيه إن شاء الله تعالى، خاصة وأن هذه النسبة من الكحول لم يتعمد الإنسان وضعها في المشروب بل هي طبيعية ، وإلى هذا أشار صاحب بداية المجتهد الإمام ابن رشد بقوله ( وأجمعوا على أن الخمر إذا تخللت من ذاتها جاز أكلها). الوجه الخامس: وبالجملة فإن العلماء لا يجدون حرجا ولا يحرجون أحدا في الحكم بجواز شرب العصير الذي لم يقصد تخميره، كما يجوز الإخبار بذلك وإعلام الناس بوجود نسبة التخمر في المشروب إن عثر عليه. وأكد الدكتور الجاي على أن هذه المسألة لا تستوجب كل هذا الاهتمام، فهو من باب المعفو عنه والمسكوت عنه رحمة بأمة سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، وإلاّ فإن الماء هو أفضل ما يشرب وجعلنا من الماء كل شيء حي.