أثارت فتوى للشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أصدرها في الأسبوع الماضي، ردا على سؤال يتعلق بتناول مشروبات بها نسبة ضئيلة من الكحول تشكلت طبيعيا بسبب التخمر، ردود أفعال مختلفة في الأوساط العلمية. حيث أباح القرضاوي تناول المشروبات التي بها نسبة ضئيلة من الكحول، وقال: «إن وجود ما نسبته خمسة في الألف من الكحول لا أثر له في التحريم لأنها نسبة ضئيلة جدا، خاصة إذا كانت بفعل التخمر الطبيعي وليست مصنعة، ولذلك لا أرى حرجا من تناول هذا المشروب»، وأضاف القرضاوي في فتواه: «إن الشريعة الإسلامية شريعة واقعية، ومن واقعيتها هنا أنها وضعت قاعدة مهمة جاء بها الحديث الشريف، وهي أن (ما أسكر كثيره فقليله حرام)، وإن أي إنسان شرب من هذا المشروب ما شرب فلن يسكره، ولذا لا يحرم القليل منه». ومن بين ردود الفعل على تلك الفتوى، أن البعض عبر عن خشيته من اتخاذها ذريعة لإباحة تناول المشروبات المسكرة والكحول، وتحولت الفتوى في بعض المنابر الإعلامية إلى فتوى «بإباحة شرب الخمور»، رغم أن القرضاوي أضاف في فتواه قوله: «وأود أن أنبه إلى أن هذه النسبة من الكحول وما في حكمها، إذا أضيفت عمدا إلى المشروب لغير حاجة صحية أو طبية، أو نحو ذلك، فإن من أضافها يأثم على ذلك، وإن لم يكن مؤثرا في إباحتها لشاربها». وقال العلامة عبد الباري الزمزمي، رئيس جمعية فقه النوازل، في تصريحات ل«المساء» إن ما نقل على لسانه في بعض الصحف المغربية بخصوص موقفه من تلك الفتوى تعرض للتحريف، لأن الأمر لا يتعلق بإباحة شرب الخمر. وقال الزمزمي تعليقا على فتوى القرضاوي: «ما شابته نسبة ضئيلة من الكحول لا يعد خمرا، لأن هذه النسبة موجودة حتى في الخل، والخل مباح في الإسلام وقد أكله النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا قول معروف في الفقه الإسلامي، وهو أن النسبة الضئيلة من الكحول في المشروب أو في الطعام أو في غيره لا تضر، وأن تحريم الخمر مرتبط بالإسكار، فكل مطعوم أو مشروب لا يسكر يكون حلالا لا حرج فيه». وأكد الزمزمي أن هذه النسبة من الكحول موجودة في الأدوية «لكن لا أحد يسكر بالدواء الذي يستعمل للمرض وتكون فيه نسبة الكحول ضئيلة جدا، اللهم إذا كان المرض يستدعي استعمال نوع من المخدر، مثل أدوية الأمراض النفسية، فحتى لو كان مسكرا فإن حكمه ينزل بمنزلة الضرورة». وأضاف الزمزمي قوله: «بل حتى الخمر نفسه قال الفقهاء بإباحتها، حيث إن الإنسان إذا لم يجد غيرها للدواء فإن تناولها يكون مشروعا، لأنها في حكم الضرورة». أما العلامة محمد التاويل، أحد علماء الفقه المالكي بالمغرب، فقد قال، في اتصال ل«المساء» به، إن أي مشروب إذا كان طبيعيا وخاليا من الكحول أو فيه نسبة يسيرة من الكحول الطبيعي مثل العنب فلا ضرر فيه، لأنه لا يؤثر في الشارب «ولكن عندما تكون المادة الكحولية مضافة إلى مشروب آخر هنا تكون الحرمة، بناء على القاعدة الفقهية أن الأطعمة إذا خالطتها نجاسة فإنها تكون نجسة كلها، فيأتي التحريم من حيث النجاسة، مثل اللبن أو الحليب إذا أضيفت إليه قطرة من الخمر مثلا فإن المشروب يصبح محرما، رغم أن نسبة الكحول فيه ضئيلة وغير مؤثرة، لأنه هنا يكون مختلطا بنجاسة». وحول إصدار فتاوى تتعلق بهذا الشأن، قال التاويل إن لكل حالة قولا يخصها، وإنه لا يمكن التسرع في إصدار الحكم على بعض المواد إذا لم يتم الوقوف على تركيبتها وهل نسبة الكحول فيها ذاتية أو مضافة إليها ومصنعة «ولذلك لا أستطيع إعطاء فتوى قاطعة وسريعة».