نعرض اليوم ترجمة ملخص لبحث مطول احتل أكثر من 80 صفحة، وقد أعدته الباحثة الألمانية كريستينا كاوش الباحثة في برنامج فريدز الألماني للدمقرطة والوكالة الألمانية للتعاون التقني من أجل الحكامة الجيدة والديمقراطية ، لحساب نادي مدريد للحوار بين الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني لتقوية حرية التجمع في الأحزاب والجمعيات وغيرها من أجل التقدم على درب الديمقراطية، والبحث يركز على جانب أساسي في تقييم ما يسمى بمسلسل الانتقال الديمقراطي بالمغرب، وهو المرتبط بقضية الحق في تأسيس جمعيات وتنظيم تجمعات، والذي يمثل عنصرا حيويا في قياس أي انتقال ديموقراطي واختبار مصداقيته وجديته. القرؤاءة التي تقدمها الباحثة تجمع بين عرض ما تحقق من مكتسبات لكن تقدم ما ينبغي الانخراط فيه، وذلك لتجاوز ما يسميه بعض الباحثين بهشاشة الانتقال وتعثراته وإخفاقاته، وتضمنت آراء صارمة ننشرها في هذا العدد بغية الوقوف على وضعية المغرب في التقارير الخارجية وخاصة منها المرتبطة بمؤسسات مؤثرة في صنع السياسات الخارجية تجاه المغرب، وتم الاعتماد في هذا العرض على كل من الملخص التنفيذي للتقرير والذي بسط أهم نتائجه، كما على الإطار التحليلي العام والذي ورد في ثنايا التقرير وركز على حدود النموذج الديموقراطي المغربي. حدود النموذج الديموقراطي المغربي ينظر المجتمع الدولي إلى المغرب في عهد محمد السادس الذي بدأ عام 1999 كنموذج براق للإصلاح الديمقراطي في منطقة متطايرة الأنظمة، وقد استمتع المغرب بهذا الصيت لبلد استفحل فيه القمع وحيث تأخر فيه التحديث والليبرالية مع قيادة متفتحة الذهن، إذ بعد مقاومة مشهودة للانفتاح في سنوات نظام الحسن الثاني السابقة، قادت التوقعات الطموحة إلى أن ابنه الشاب محمد السادس سيقود البلاد على درب الديمقراطية الوليدة وسوف يمضي بها قدما لإتمامها وعلى نحو غير قابل للانتكاس، وبينما كان الملك الشاب قد أقر الانتقال الديمقراطي في خطبة له ، إلا أنه أبطأ من سرعة الإصلاح المأمول بإدخال تغيير في المجالات الهامة وما جرى من إصلاح تم بانتقائية، والأكثر من هذا أهمية هو أن السلطة التنفيذية الحقيقية للقصر بقيت على ما هي عليه دوني مساس. وإذ جاء التعديل الدستوري عام 1996 كتقنين ديمقراطي واجتماعي وملكية دستورية فإن الملك خ مهما كان الأمر- هيمن على المغرب بالملكية التنفيذية واصفا توزيع السلطات بأنه أكثر مما يكفي، فالملك بحكم الدستور والسلطة السياسية السامية كأمير للمؤمنين وبهذا المزج بين السياسة والدين ..كل هذا جعل سلطة الملكية سامية محمية بحصانة سياسية معززة بالدين. وبمساعدة أجهزة سلطته الممتدة والتي تعرف بالمخـزن حكم الملك كرأس مفوض للتنفيذ. وهو يترأس فوق مجلس الوزراء ويعين الحكومة مثلها مثل كبار الرسميين في الوزارات الإستراتيجية الهامة ( الداخلية ، الخارجية ، الدفاع والشئون الدينية ) وحاشية الملك و هم مستشاروه والتكنوقراط الموالون له (وأحيانا يعينهم كتاب دولة أو وزراء منتذبون للوزراء) هم الصناع الحقيقيون لقرارات الوزراء، وعلى المستوى المحلي ، فإن الولاة عادة قريبون من صنع القرار وهو ما يبدو ملحوظا، وبرهن الملك أيضا ، ومسنودا بالقانون ، قدرته على الحكم بواسطة مراسيم ، وبإمكانه منع أي قرار برلماني أو حكومي. باختصار فإن الملحوظ هو أن سلطة صنع القرار والتغيير السياسي ليست بيد المنتخبين، وأن تقسيم السلطات، سواء حسب الدستور أو وفقا لشروط السياسة العملية، ليست في مكانها. وبالإضافة إلى ذلك فإن القضاء غير موصوف بوضوح بأنه سلطة ، وليس مستقلا عن السلطة التنفيذيــــة، وفي مقابل هذه الخلفية، فإن الحريات العامة (بما فيها حرية التجمع) أصبحت نسبية في غياب العمل بالمقررات القانونية ، بما يعني أنها ليست في نهاية الأمر مضمونة. وعلى الرغم من أن القصر يمسك بالسلطة التنفيذية ، فإن الملك قد قام بعدد من الإصلاحات كانت تعد بعيدة المنال ، وأكثرها لفتا للاهتمام هو تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة لكي تسلط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان الغير قانونية التي اقترفت ما بين عامي 1956و1999, وعلى الرغم من الأخطاء فقد كانت أجراء ثوريا ليس له مثيل في العالم العربي. والإصلاحات الأخرى التي لوحظت وتمت الإشادة بها على نحو واسع، كانت التعديلات المتفهمة لمدونة الأسرة وكذا قانون التجمعات وقانون جديد يخص التعذيب وقانون القطاع السمعي- البصري وقانون الأحزاب السياسية ، إلى جانب ما تضمنته أخرى مثل : القانون الجنائي وقانون الصحافة والتي يجرى الآن تعديلها ، وإن أية إصلاحات كانت بواسطة السلطات قدمت كمؤشر على أن الحكومة المغربية تتجه نحو انجاز إصلاحات أصيلة . وفي الوقت نفسه فإن الرسميين الحكوميين السامين يقولون بأن الثقافة الديمقراطية الوليدة في المجتمع المغربي مازالت بعد في حاجة إلى التنمية، وعلى الرغم من السياسة الليبرالية الانتقائية فإن رؤية المخزن للمغرب ، هي أن الازدهار الاقتصادي عن طريق التحديث أكثر أهمية من الديمقراطية، وطبقا لبعض النقاد ، فإن الملك يبدى اهتماما أوليا لرخاء شعبه ، ولكن نتوقف عند جعلهم سعداء من خلال التنمية الاقتصادية والاستهلاك أكثر من الإصلاح السياسي ، إذ أن المقارنة الإقليمية المطرية للمغرب والتي تعد أرضية لصورة للمغرب تم زرعها جيدا، تجعله رائدا للإصلاح العربي، وطبقا لعدد من كبار الرسميين الحكوميين، فإن المغرب حقق تقدما في مسيرة الإصلاح الديمقراطي وفي مقاربة عصرية للتنمية الإنسانية، وأن هذين الموضوعان جلبا عليه الحسد وشكلا إنذارا لعدد من الدول الأقل ديمقراطية وعصرنه في المنطقة والتي تتهم المغرب بأنه يشكل خطرا على استقرارها. وفي المقابل ، يرى الناشطون في حقوق الإنسان بأن هذه الصورة تضغط من أجل عدم التقدم في أجراء إصلاحات سياسية ، وتساعد على المماطلة فيها، وتخفض من الضغط الخارجي على الحكومة المغربية لاتخاذ خطوات ملموسة تجاه الديمقراطية الوليدة، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر التي أظهرت اهتمام العالم بقيمة الحكومة الديمقراطية، كما أن اللاعبين الأجانب قد رأوا في المغرب واحد من الحالات السهلة التي تحتاج إلى اهتمام أقل بالمقارنة مع غيره، وفي ذات الوقت ازداد الإمساك بخبرة المغرب كنموذج للديمقراطية، رغم أن الإصلاح السياسي ظل في الحقيقة ، وبقي لهذا السبب ، ظاهريا جزئيا، وفشل في أن يؤسس أية مرجعية لصناعة القرار وجها لوجه مع المواطنين على نحو جدير بالذكر. وفي النقاش المحلي ، حيث تتوفر قناعة عامة بوجوب إجراء بعض الإصلاح السياسي ، ينقسم المجتمع حول كل من تسريع الإصلاح و طبيعة الإصلاح المطلوب، خاصة أن بعض المقربين من السلطة يلحون على أن يكون الإصلاح متدرجا لكي يكون محتملا طبقا لحساسيته، وحيثما كانت الإصلاحات انتقائية والمجريات الديمقراطية غير مرضية ، عندما تستخدم من قبل السلطة لإعاقة المطالب الشعبية مما يخل بأولويات القصر أو يؤذي الصورة المقدمة كنموذج للديمقراطية العربية. (...) بعض الناشطين في حقوق الإنسان يعبرون عن غضبهم من الطريقة التي يتم بها أخذ المغرب كنموذج لديمقراطية المنطقة بواسطة بعض الفاعلين الدوليين ، وبالتالي كيف تربط وضعية المغرب بدول الجيران جنوب المتوسط بما يجعله ذريعة جيدة لعدم المضي قدما في الإصلاح ؟ ، ولهذا عوض المقارنة مع الجيران المستبدين ، يقول الناشطون الحقوقيون ، بأنهم يرغبون رؤية وضعية جيرانهم شمال المتوسط تستعمل كمعيار لمقارنة التقدم المغربي، ويقولون : نحن غير راضيين بشبه الأوتوقراطية أو ديمقراطية رسمية خالصة. لمجرد أننا سعداء بجوار الأوتوقراطيين. نحن مثل المواطنين الأوربيين نرغب في ديمقراطية كاملة، ونرغب من شركاء المغاربة الدوليين الذين يمارسون التمييز ضدنا أن يرفعوا الحاجز. كما يدعون إلى أنه يجب أن تأخذ صيانة الحق في التجمع مكانها في سياسة التشريع وفي الكيان المجتمعي بحيث يستطيع المجتمع المدني المأزوم تنمية أنشطته ، والحماية الفعالة ليست فقط حرية التجمع ضمن رؤية قانونية هزيلة ، وإنما أيضا في حرية التكوين والتعبير والإعلام والصحافة ، كشروط أولية لكي يكون للمجتمع المدني مشاركة نشطة فى رسم مصير الدولة . والقوانين يدب أن تكون جيدة مثل الآليات لتقويته وإلا فلا حريات عامة ستكون مضمونة. والفجوة بين النظرية القانونية وبين العمل بها، وبين الرسمي وغير الر سمي، مثلها مثل غياب القانون وغياب التنفيذ الفعال له ، يجعل حالة التجمع في المغرب ولو إنها حاذقة غلافا متصدعا. نتائج التقرير: يمثل الحق في تشكيل تجمع قادر على تنمية أنشطته حجر الزاوية في أي انتقال ديمقراطي هو ما يتم إغفاله دائما، كما يحظي المغرب بتفضيل كبير عند مقارنته بدول المنطقة فيما يتعلق بتوفر شروط انجاز الديمقراطية، وغـــالبا ما يتم إظهاره كنموذج للتقدم في ليبرالية السياسة العربية القمعية من قبل السلطات المغربية و المراقبين الدوليين، وأيا كان الأمر فإن الديمقراطية تبدو براقة تماما، وإذا كان الملك محمد السادس قد أقدم على عدد من الإصلاحات الهامة والمهمة جدا ، فإن هذه بقيت منتقاة لغرض ما ، وفي العديد من الحالات كان تصدعها ظاهرا، والأكثر أهمية كان تركيز السلطة السياسية المكتملة المعني في يد القصر باقيا لا يمس. ويتسم المجتمع المدني المغربي بكونه متنوع ونابض بالحياة في المنطقة، حيث الحياة الجمعوية استفادت من سلسلة من التحسينات القانونية والسياسية في السنوات الأخيرة، إلا أنه عدد من التحديات الهامة بقيت بخصوص حرية التجمع. وهذا التقرير معد من أجل جهود نادي مدريد لتقوية حرية التجمع في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط ، ومدها بتحليل مستقل لوضعية المجتمع المدني في المغرب . وقد بنيت التوصيات على المقابلات مع المعنيين بالأمر من الحكوميين وغير الحكوميين، وتناولت المقابلات مع المجتمع المدني أربعة فضاءات رئيسة أبانت أن النظرة إلى حرية التجمعات أنها ما فتئت ترجع إلى المقررات القانونية والتنفيذ العملي لها . أولاها : وضع التنظيمات غير الحكومية فوق المنضدة يحدد العديد من الصعوبات التي تخص سير التسجيل لأي تجمع وقدرته على التنمية الحرة لنشاطاته فيما بعد. وحيث تعزى بعض الصعوبات إلى غيوب في القوانين المنظمة للحريات العامة، وقيل أن بعضها متجذر في نزوع القوانين المنظمة لها إلى الهيمنة والنقص في التنفيذ العملي للمقتضيات القانونية . ثانيها : محدودية نفاذ التجمعات إلى الفضاءات العمومية حيث كل من الشروط العامة للتجمعات العمومية وشروط النفاذ العريض للمتعاطفين مع التجمع عن طريق الوسائط الإذاعية المستقلة يتم مقاومتها بخشونة، فالتأخير الإداري غير الضروري، والقواعد غبر الرسمية المنظمة لحرية تكوين التجمعات والحرص باستماتة على رقابة الدولة للوسائط الإذاعية والنقص في المقتضيات القانونية الخاصة بحرية التعبير والصحافة والتي تم تسليط الضوء عليها في هذا الخصوص. ثالثها : معايير الأمن ومكافحة الإرهاب وعمليا فقانون مكافحة الإرهاب الذي صدر عقب أحداث التفجيرات الإرهابية في الدارالبيضاء عام 2003 ، قيل أنه حد من حقوق الإنسان الأساسية ومن رصيد الحريات بما فيها حرية التجمع، كما أن التجريم المتعدد الذي تضمنته الأحكام خاصة بالنسبة لبعض مجموعات الإسلاميين والصحراويين ساهم في ذلك. رابعها : تم التركيز من قبل جميع المحاورين على النقص في استقلالية القضاء كضامن وحام للحريات الأساسية في القوانين زاد من اعوجاج المشكل، والذي كان معظمه قد حل من قبل بعد جهد مؤثر بذل من أجل تعديل بعض القوانين الخاصة. وإن الجهود يجب عليها أن تتواصل من أجل تأسيس قضاء قوي ومستقل ويلزم أن يكون في مقدمة أية إصلاحات تتعلق بحرية التجمع، فالقضاء حيث ما هو عليه، لا يمكنه أن يكون مستقلا بدون الفصل بين السلطات في الدستور، وعمليا يلزم مزاوجة هذا الجهد مع الجهود المبذولة في محاربة تفشي الرشوة لدى القضاة. وأخيرا : من أجل الإصلاحات المستوجبة للدعم فإنه يجب أن يتم إرسائها على قاعدة من الإجماع الاجتماعي من قبل المنخرطين في الدولة ومن في خارجها. وجميع الإصلاحات المحددة والتوصيات المقترحة بخصوص المشكلات المذكورة آنفا وسعتها وأيدتها استشارات المجتمع المدني واستفساراته في منتدى ضم الاستشاريين والمهتمين بإصلاح التشريع من أجل تدخل المجتمع المدني في جميع المسائل الاجتماعية وخاصة المثيرة للجدل والحساسة سياسيا منها، وبالفعل فإن المِؤسسات الوسيطة قد تلعب دورا هاما مستهدفا، ولكن لكي تصبح وسيلة موثوقا بها يجب أن تكون كاملة الاستقلالية. كما أنه يجب تجديد هياكل الاستشارة التشريعية لتشكل قناة الإصلاح المنشود والموصي به، وكذا بعث حوار خارجها يقود إلى إجماع مجتمعي وإصلاح ديموقراطي.