يعيش المغرب على إيقاع مفارقات متنوعة كثيرة وعجيبة لا يمكن تفسير تعايشها إلا بأمرين اثنين: غياب رؤية تدبيريه مندمجة وضعف إرادة الإصلاح لدى من يهمهم الأمر. ويمكن رصد أهم مكونات لوحة تلك المفارقات في الجوانب التالية: الأولى: تؤكد المعطيات الرسمية لوزارة الصحة أن مكافحة داء السرطان بمختلف أنواعه ترهق كاهل الدولة وميزانتيها، وأن عدد الحالات التي تسجل سنويا، تقدر بما بين 30 ألف و54 ألف حالة جديدة وأنها لا تستطيع التكفل إلا بـ 10 آلاف فقط منهم. لكن استيراد التبغ، الذي يعتبر أكبر المواد المسببة للسرطان، تعرف ازديادا مهولا، حيث كشف تقرير حول ميزان الأداءات لسنة 2007 الذي أصدره مكتب الصرف أخيرا، أن واردات المغرب من التبغ ارتفعت خلال الفترة ما بين 2006 و2007 من 8206 طن و6448 طن، بما قيمته على التوالي 633 مليون و339ألف درهم و778 مليون و 743 ألف درهم. الثانية: كشفت الدراسة الميدانية التي قامت بها لجنة حوادث السير مؤخرا أن الخمر والمخدرات احتلا المرتبة الثانية في سبب حوادث الطرق التي وقعت خلال .2007 ويعتبر معدل قتلى حوادث السير في المغرب من المعدلات الأعلى عالميا، حيث يسقط ما يقرب من 4000 قتيل وآلاف الجرحى كل سنة بسبب ذلك. هذا في الوقت الذي صرح فيه وزير الداخلية شكيب بنموسى في البرلمان أن عدد المحلات المرخص لها ببيع الخمور على الصعيد الوطني تبلغ 414 وأن نسبة القضايا المرتبطة بالسكر العلني شكلت خلال العشرة أشهر الأولى من 2007 حوالي 16% من مجموع الحالات الإجرامية والجنحية المسجلة في الوسط الحضري. في مقابل هذا وحسب تقرير مكتب الصرف السابق ارتفعت الواردات من الخمور، خلال الفترة ما بين 2006 و2007 ، من 6448 طن إلى 8004 طن، بما يعادل 238 مليون و650 ألف درهم، و327 مليون و 513 ألف درهم على التوالي. الثالثة: تتزايد الأصوات، الرسمية وغير الرسمية، المنادية بتحرير العلاقات بين الجنسين وإسكات الأصوات المنددة بالتفسخ الأخلاقي وتراجع القيم، وتزداد جرعة الإباحية في وسائل الإعلام يوما بعد يوم ويرتفع عدد الشواذ ونشاطهم العلني كما تنتعش السياحة الجنسية. وفي المقابل يعلن رسميا أن عدد المصابير برض الايدز في تزايد مقلق وأنه مرشح لمزيد من التزايد مستقبلا. وحسب الإحصائيات الأممية فإن عدد المصابين في المغرب الحاملين لفيروس فقدان المناعة انتقل من 18 ألف عام 2006 إلى 20 ألف السنة الحالية وعلى قمة هذا نجد 40% من المرضى بالسيدا من النساء و4,2% يعملون في الجنس وهناك أيضا ازدياد عدد الإصابات بالأمراض المتنقلة جنسيا حيث تسجل 350ألف حالة جديدة في المغرب.كما تتوقع إصابة 600 ألف مغربي، يتراوح عمره بين 20 و40 سنة، بأحد الأمراض المتنقلة جنسيا كل سنة. الرابعة : رغم أن الإدمان على المخدرات والخمور هي أهم أسباب ارتفاع عدد الجرائم ورغم أن الدولة، وبعد صدور تقرير أوروبي سنة 1994 يتهم مسؤولين كبارا في دواليب الدولة بضلوعهم في تجارة المخدرات، قررت شن حرب استئصال ضد زراعة الكيف ورواج المخدرات إلا أن المغرب ما يزال يتربع على عرش أكبر بلد منتج للحشيش في العالم ومعبر لأنواع شتى من المخدرات. وحسب تقارير دولية فإن المغرب ينتج 40 بالمائة من كمية الحشيش المنتجة في العالم و هو ما يجعل المغرب المورد الأساسي لأوروبا من الحشيش بنسبة80 بالمائة. كما أن 66 بالمائة من المزارعين في المناطق الشمالية للمغرب ينشطون في إنتاج الحشيش وأن 27 بالمائة من الأراضي الزراعية النافعة في المناطق الشمالية مخصصة لإنتاج الذهب الأخضر. الخامسة: ترتفع شعارات رسمية وغير رسمية وفي كل المستويات للدعوة إلى قيم الحداثة والتقدم لكن في المقابل تنشط أجهزة الدولة الدينية والأمنية في إحياء واحتضان وتنشيط الخرافة والدجل عبر الترويج لبعض الدجالين والعناية بجوانب الخرافة والشعوذة في المواسيم والأضرحة والتعتيم على التجاوزات الأخلاقية والعقدية فيها. السادسة، السابعة،...كثيرة هي المفارقات لكن أخطرها أن نكون في دولة إسلامية تستهلك السياسة الرسمية فيها الدين في السياسة، وتنتعش فيها المخدرات واستهلاك الخمور والكحول وتعاطي الخرافة والشعوذة والرشوة والبغاء وغيرها من الأمراض التي تعالجها التنشئة الدينية بكل يسر. هذه القضايا، وغيرها كثير، تثير سؤالا مركزيا حول مدى نجاعة السياسة الدينية في البلد ومدى إدماج بعد الإصلاح المجتمعي في اسراتيجية الدولة الدينية ؟ أم أن هيكلة المجال الديني قد غرق فيما هو سياسي على حساب الاهتمام بالتنشئة الاجتماعية للمغاربة المسلمين؟