ربما كان لتصريحات ندية ياسين وضع خاص، لأنها كما يرى الناطق الرسمي للجماعة لا يعبر بالضرورة عن موقف الجماعة الرسمي. لكن حين يتعلق الأمر بتصريحات الناطق الرسمي للجماعة السيد فتح الله أرسلان فالأمر يتطلب وقفة للتأمل، ليس فقط في ما ورد في تصريحاته من مواقف ولكن في المنهج الذي يسمح بإنتاج مثل هذه المواقف. مناسبة هذا الكلام التصريح الذي أدلى به لـالمساء والذي ذهب فيه إلى أن رأي عبد العالي مجدوب تم توظيفه من قبل حزب العدالة والتنمية لحاجة في نفسه مضيفا أن ما طلبه مسؤول العدالة والتنمية - يقصد اعتذار الجماعة عن تصريحات ندية ياسين التي اتهمت فيها العدالة والتنمية بالتواطؤ مع الدولة حول المقاعد الانتخابية - لا يعدو أن يكون نوعا من المعارك الضيقة. في البدء، ينبغي التأكيد على أن التجديد لم تقدم رأي عبد العالي مجدوب على أساس أنه رأي لجماعة العدل والإحسان، وإنما قدم بصفته رأيا شخصيا خاصا في موضوع كان له صداه في الإعلام الوطني، ولذلك من الغريب أن يتم اتهام العدالة والتنمية بتوظيف هذا الرأي، في الوقت الذي نشر فيه الموضوع في جريدة التجديد، وهي ليست ناطقة بلسان الحزب، ودون أن يتم تحديد معنى هذا التوظيف. والواقع، أن هذا الرأي تم التعامل معه بكامل المسؤولية، وتم اختيار عنوان عام لا يمس من قريب أو بعيد الجماعة، إذ لو كان القصد هو التوظيف من قبل التجديد لما تعذر ذلك، خاصة والحوار يسمح بإخراج عنوان صحفي مثير من قبيل عبد العالي مجدوب يدعو ندية ياسين إلى الاعتذار لحزب العدالة والتنمية، وسيكون ذلك من قبيل تبخيس السلوك الإيجابي لعبد العالي مجذوب، وعوض عن ذلك تم الإرتقاء بتصريح يجسد خلقا رفيعا من بعده الخاص إلى مستوى ترسيخ منهج في التعامل بين مكونات الحركة الإسلامية أو بين أعضائها أنفسهم، أي منهج يقوم على إرفاق الأحكام بالإثباتات وقول الحق ولو على النفس، ليس فقط داخل جماعة العدل والإحسان، ولكن داخل مختلف الجسم التنظيمي الإسلامي، وكذا في علاقة الحركة الإسلامية ببقية المكونات الأخرى. أما أن ترى الجماعة نفسها غير معنية بتوضيح موقفها من تصريحات صدرت من شخصية ذات مكانة خاصة في الجماعة، مما لا ينسجم مع خطاب الجماعة حول الميثاق الإسلامي وقواعد العلاقة بين مكونات الصف الإسلامي فضلا عن علاقتها ببقية المكونات الأخرى، وهو ما يضع مصداقية الجماعة على المحك، والأكثر من ذلك ما تزال المعنية بالأمر، وهو في هذه الحالة السيدة ندية ياسين، مطالبة بتوضيح أدلتها بخصوص ما صرحت به من اتهامات بالتواطؤ في حق العدالة والتنمية، لأن هذا هو جوهر المشكل وأي التفاف حوله ليس سوى هروبا إلى الأمام.