كيف انخرط فتح الله أرسلان في جماعة العدل والإحسان ، خاصة وان تلك المرحلة قد عرفت امتدادا يساريا وشيوعيا؟ المنة في ذلك أولا لله عز وجل الذي وفقني لأن أختار طريقه صحبة الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين حفظه الله وباقي قيادات وأعضاء جماعة العدل والإحسان. وأحمد الله أن كتب لي شرف المساهمة في تأسيس الجماعة بعد سنوات من مجالسة أستاذنا الجليل عبد السلام ياسين الذي انجذبنا إليه لما عرف عنه من علم واسع وتعلقه الكامل بالله عز وجل وشخصيته الفذة التي جمعت بين كل معاني الرفق في أسلوبه التربوي وبين القوة في الحق قولا وعملا بقيامه في وجه الظلم والاستبداد . كما كان الفضل الكبير أيضا للوسط العائلي الذي نشأت فيه والذي كانت تغمره أجواء الاستقامة والتنشئة على الالتزام بالإسلام. بماذا تفسرون التراجع الذي عرفته أنشطة الجماعة من قبيل مخيمات الشواطئ، وتنظيم تظاهرات الآلاف لدرجة أن البعض يقول إن جماعتكم تنتظر رد فعل النظام ،ولا تطرح برامج للإصلاح؟ ليس هناك أي تراجع، وإلا كيف تفسرين لجوء النظام إلى شن حملته العنيفة ضد الجماعة والاستمرار فيها للسنة الثانية على التوالي بناء على " كثافة أنشطتها" كما صرح وزير الداخلية. جماعتنا حاضرة، والحمد لله، في أغلب المنتديات بل تحقق تقدما باضطراد في كثير من الهيئات الوطنية والمجتمعية ، ولا يمر أسبوع دون أن تضطر الدولة للتدخل في كثير من المدن لمنع أنشطة داخلية وإشعاعية في خرق سافر لكل الأعراف والقوانين ومبادئ حقوق الإنسان ، كل ذلك منشور في بلاغات وبيانات باسم الجماعة تارة وباسم منظمات حقوقية أحيان أخرى . أما المخيمات فلم نتراجع عنها إنما الأصح هو أن المخزن أجلب عليها بخيله ورجله، ومنذئذ وخيله وقواته ما تزال تضاهي أعداد المصطافين، فيما انصرفنا نحن إلى أشكال ووسائل أخرى محققين نفس ما كنا نحققه من أهداف في المصطافات . وهذا ما لم يستطع، أو لا يريد المخزن استيعابه أي أن العدل والإحسان لا يمكن كبحها أو تجفيف منابعها أو حشرها في زاوية ضيقة ، لأننا بحمد الله جماعة دعوية مجتمعية متعددة المشاريع والاهتمامات وليس لنا باب واحد إذا أغلق جلسنا وراءه ننتحب، بل إن كل عضو من الجماعة، انطلاقا من تشبعه الكامل برسالته الدعوية ، هو باب، بل أبواب مفتوحة على فضاءات فسيحة من غير حدود ولا قيود، لأنه ببساطة هو باب متحرك، الدعوة هي كل كيانه وأنفاسه ونبضاته . أما عن سؤال البرنامج فهل يتصور أن جماعة في حجم العدل والإحسان بأعدادها وأطرها وانتشارها وتجربتها وريادتها في عدد من هيئات المجتمع لا تتوفر على برنامج؟ هذا لا يقول به عاقل إلا من يريد أن يغطي الشمس بالغربال أو من يعترض ويختلف من أجل الاعتراض والاختلاف، وبالتالي لن يكون موضوعيا في نظرته . في حين إن غالبية المتابعين يعرفون حق المعرفة أن جماعة العدل والإحسان لا تقتصر على ردود الأفعال بل هي من تبادر ، كما أصبح عندهم من البديهيات أن الجماعة تملك ، ليس فقط مداخل الإصلاح، إنما أوغلت في تفاصيل التفاصيل التي لا يقف أمام تعميمها إلا سببين؛ السبب الأول هو القمع المخزني وحرماننا من منابر إعلامية نبسط فيها آراءنا؛ والسبب الثاني، وهو الأهم، أن سؤال البرنامج في الواقع السياسي المغربي المحكوم بالاستبداد المطلق، ليست له أصلا أية قيمة سياسية وبالتالي ليست له الأولوية في لائحة المطلوب من القوى السياسية، ويكفي دليلا أن نعرف ماذا فعلت كل الأحزاب بالبرامج طيلة العقود الماضية، طبعا لا شيء غير مغالطة الشعب، لأن حقيقة الأمر أن برنامج المخزن هو السائد. هل يتعلق الأمر بهدنة أم ماذا؟ خاصة وان بعض المتخصصين في الجماعات الإسلامية يقولون إن الخطاب الراديكالي للجماعة قد تغير؟ لا يتعلق الأمر بالنسبة إلينا بضبابية، فموقفنا واضح عبرنا عنه في مناسبات ومراحل متعددة ولا يمكن أن نتراجع عنه، والمشكل عند النظام الذي يوجد في حيرة من أمره في كيفية التعاطي مع الجماعة، وهذا ما يلمسه المتتبع لتاريخ العلاقة بين الجماعة والنظام. أما مفهوم الهدنة فهو أبعد ما يكون عن عقلية وقاموس المخزن، لأن مفهوم الهدنة يقتضي تفاوض طرفين واعتبار شروط كل منهما، ثم إن الهدنة تقتضي الحرب بين طرفين في حين أن الحالة ليست كذلك، إذ أن المخزن يشن حربه من طرف واحد ، فهو يشدد الهجوم إذا كان في وضع يسمح له بذلك ، ويهادن إذا ما واجهه حرج ما. كما لا ينبغي أن ننسى عاملا آخر يتحكم في هذا التقلب وهو صراع الأجنحة في رأس المخزن ؛ جناح استئصالي يسعى إلى استئصال الحركة الإسلامية من جذورها، وجناح ثان يهدف إلى احتوائها، فكلما رجحت كفة تيار ساد خياره. كان لموضوع رؤيا 2006 أثر سلبي على سمعة الجماعة حيث وصفت بأنها جماعة تعتمد على الخرافة ،وذلك رغم إصرار الجماعة على أن هدفها هو تربية القواعد، بماذا تفسر هذا الأمر؟ نعم وما نزال على نفس الإصرار ما دمنا معتقدين أننا على الطريق الصحيح ملتزمين بكتاب الله تعالى وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وموافقين لاجتهادات الفئة الكبرى من علماء الأمة. هذا هو المعتبر عندنا وليس أوصاف الواصفين وخيالات المتخيلين ، وهم على كل حال محدودون عددا ومساحة. وفي المقابل لا نجد من غالبية الأمة، علماء وأفراد، إلا القبول والإقبال. وأعتبر أنه عادي جدا بالنسبة لجماعة في حجم العدل والإحسان أن يكون لها مخالفون وخصوم ومنتقدون، فلا بأس في ذلك. وجهتم نداءا في السابق للهيئات والمنظمات والأحزاب، من أجل ميثاق جماعي إلا أن الجميع أعرض عن هذه الدعوة، لماذا اجمع الجميع على معارضتكم بما في ذلك بعض الذين تتقاسمون وإياهم نفس المنطلقات كحزب العدالة والتنمية مثلا ،في مقابل أن هناك أحزابا ذات توجهات إسلامية كحزبي الأمة المحظور وحزب البديل الحضاري المنحل اللذان حظيا بدعم أحزاب يسارية أثناء أزمتهم الحالية و في مرحلة التأسيس؟ منطلق دعوتنا لميثاق جامع هو حرصنا على العمل المشترك واقتناعنا بأن ما آلت إليه أوضاع البلاد أعقد من أن يصلحه طرف واحد مهما بلغت قوته وتوسعت قاعدته. أما سبب عدم استجابة الآخرين لهذا النداء فموجود عندهم ويمكن استفسارهم بشأن ذلك. فقد يكونون غير مقتنعين بطبيعة التشخيص الذي نقدمه أو الحلول التي نقترحها، وقد يكونون خاضعين لضغوط، لكن المؤكد أن هذه الموانع آخذة في التلاشي تباعا، ابتداءا من هبوط منسوب الثقة في شعارات المخزن، إلى ارتفاع حالة التذمر من الأوضاع، إلى تزايد حدة ضغط الشارع على الجميع، إلى التقلص المضطرد في مساحة المناورة. والمسألة مسألة وقت، ونحن واعون جيدا بعامل الزمن، ولسنا مستعجلين للنتائج انطلاقا من وعينا بحدة الارتهان الذي عمل المخزن على نسجه وخلط خيوطه لعقود طويلة، وفك هذا الارتهان يحتاج إلى أناة وطول نفس. وأعتقد أن الانفكاك وصل إلى مستوى مهم وهو ما يمكن أن أسميه بمستوى إعادة الفرز والاصطفاف، ولا تغرنك المظاهر وما يشاع في الإعلام. بالنظر إلى المكانة التي تحتلها نادية ياسين لكونها ابنة مرشد الجماعة التي تحظى لديه بمكانة خاصة،ما موقفك من بعض تصريحات نجلة الشيخ ياسين والتي يرى البعض أن تصريحاتها في أحيان كثيرة لا تتحرى فيها الدقة اللازمة؟ للأستاذة ندية ياسين مكانة مميزة لدى كل أعضاء العدل والإحسان أيضا لما تقوم به من جهود كبيرة لنشر دعوة الله تعالى إلى جانب إخوانها وأخواتها في الجماعة. أما الموقف من آرائها فكل حر في موقفه من هذا التصريح أو ذاك شريطة ألا يصادر حريتها في التعبير عن رأيها . ألا تتعارض تصريحاتها مع كونك الناطق الرسمي باسم الجماعة، و لماذا اكتسبت ندية ياسين هذه المكانة داخل الجماعة ، وهل للأمر علاقة بكونها ابنة المرشد؟ المسألة غير محصورة عندنا في الأستاذة ندية ياسين، إنما تعني عددا مهما من أعضاء الجماعة الذين لهم مراكز ومواقع مرموقة في ميدان البحث العلمي والأكاديمي بمختلف تخصصاته، وهم بهذه الصفات لهم كامل الحق في التأليف والمحاضرة والمحاورة ، وينبغي أن ينظر إلى إنتاجاتهم بمعايير التخصص. أما المواقف الرسمية للجماعة فهي مؤسسة ومقننة وليس عندنا أي إشكال في ذلك، المشكل عند الآخرين الذين يريدون أن يحجروا علينا فيما يبيحونه لأنفسهم وهم الذين يملأون الساحة بالتصريحات والمواقف بعشرات الصفات. لوحظ أنكم تعتبرون تصريحات ندية ياسين شخصية لا تعبر عن رأي الجماعة ولا تلزمها في شيء في حين إن الجماعة نزلت بكل ثقلها لتوفر لها الدعم أثناء محاكمتها بسبب تصريحاتها حول النظام الملكي، بماذا تفسرون هذا التناقض؟ إذا كان في ذلك تناقض فهو سيسري على كل الهيئات الحقوقية والإعلامية والشخصيات الفكرية والثقافية التي ساندت الأخت ندية في قضيتها. ليس هناك أي تناقض لأننا وقفنا للدفاع عن حرية التعبير والرأي التي نطلبها للجميع أكان من صفنا أم من غيرنا. بعد الحصار الذي فرض على حركة حماس وتجربة جبهة الإنقاذ الجزائرية، هل تعتقد أن الأمريكيين والأوربيين سيسمحون بفكرة وصول بعض الحركات الإسلامية إلى السلطة بالمغرب ؟ المسألة ليست في أن يسمحوا أو لا يسمحوا، المسألة مسألة واقع يقول بمعطيات الحاضر وبالمؤشرات الإستراتيجية ويشهد بذلك عقلاء الغرب أن المستقبل للإسلام، وليس أمام دول الغرب إلا خيارين ؛ إما الإسلاميون المعتدلون أو التطرف الجارف. وأعتقد أن خيار التدخل الأجنبي ودعم الأنظمة المستبدة بدأ يتخلخل بعد الذي جرى في عدد من الأقطار خاصة الصومال وأفغانستان وفلسطين والعراق ولبنان. فالكفة الآن تميل نحو منطق المصالح المشتركة وليس الاستئثار بكل حقوق الآخرين. وبناء على معطيات التجارب التي ذكرت فإن من يصر على المضي في طريق الصلف والغطرسة لن يجد إلا مزيدا من الأوحال. رأى البعض في إلقاء قياديين من الجماعة لمحاضرات في الجامعات الأمريكية محاولة من الجماعة للإستقواء بالأجنبي ،مستدلين على ذلك بحديث وسائل الإعلام التي تحدثت عن تدخل السفير الأمريكي لدى وزارة العدل في قضية ندية ياسين، ماردك؟ بصرف النظر عن مدى صحة خبر تدخل السفير الأميركي ، فإننا لو اعتبرنا كل من زار أمريكا أو حاضر في إحدى جامعاتها أو ساندته إحدى جمعياتها أو ورد ذكره في أحد تقاريرها مستقويا لأصبحت الهوية الغالبة هي العمالة ، ناهيك عمن يتلقون الدعم المادي، وهم لا يحصون، فما أدري ما هو تصنيفهم. ويا ليت الناس يطلعون على مضامين المحاضرات التي أشرت إليها لصدموا بقوة الانتقاد للسياسة الأمريكية مما لا يقوى كثير على أقل منه وهم بعيدون عن تراب أمريكا. جماعة العدل والإحسان شفافة واضحة، وأثبتت ثلاثة خلال عقود من عمرها أنها وفت تماما بلاءاتها الثلاث: لا للعنف، لا للسرية ولا للتعامل مع الخارج. ولو وجد المخزن منفذا، ولو في حجم عين الإبرة من المزالق الثلاثة المذكورة لما احتاج لتحريض البعض الذين ذكرتهم في سؤالك. نقول ذلك لا خوفا من المخزن ولكن اقتناعا منا بأن هذه المبادئ أساسية مؤصلة في ديننا . من الطبيعي أن يعرف كل تجمع سواء كان منظمة أو حزبا اختلافات في الرؤى، إلا أن الملاحظ عن أعضاء جماعة العدل والإحسان أنهم يحرصون على عدم إخراج خلافاتهم إلى العلن، هل للأمر علاقة بضوابط وميثاق الجماعة أم ماذا ؟ فعلا من الطبيعي أن يعرف كل تجمع بشري تعددا في الرؤى والاقتراحات ، ومن الطبيعي أيضا أن جماعة في حجم العدل والإحسان، المعروفة بغزارة إنتاجها سواء على مستوى الاقتراح أو مستوى المبادرة، أن يكون وراء ذلك جو مفتوح من الاقتراح والنقاش والتقويم والنقد، ولو كان مسموحا لنا بإصدار منابر إعلامية لظهرت هذه الأمور بوضوح تام. لكن من غير الطبيعي أن تصبح الأمور على النحو الذي نشاهده لدى بعض التنظيمات حيث يتم ذلك بعيدا عن أخلاق الاختلاف فتكون الحروب والتمرد والانشقاقات، نسأل الله أن يحفظنا من ذلك. ما هي قراءتكم داخل جماعة العدل والإحسان لتحركات فؤاد عالي الهمة والذي استطاع أن يجلب لمنطقة الرحامنة مشاريع تنموية بما يقارب سبعة ملايير، وأيضا تحركاته على عدة أصعدة تتوزع بين السياسة الخارجية والجانب الحقوقي...؟ إنه العبث يكرر نفسه ، فهل نسي القوم أن إدريس البصري سبق له أن فعل مثل ذلك ، بل أكثر من ذلك بكثير، وهو الذي لم يقتصر على جلب مشاريع لإقليم سطات مثلا بل تدخل حتى في التقطيع الجغرافي فاقتطع شاطئا بكامله من جنب الدارالبيضاء وألحقه بمدينة سطات، ناهيك عن جمعه لكل السلط،، فأين كل ذلك اليوم؟! أنا أتساءل لماذا لا يستطيع باقي البرلمانيين والوزراء أن يفعلوا مثله؟ الجواب واضح ويعرفه الجميع؛ السبب أنه مخول للتحرك خارج السلط المركزية والمحلية في محاولة لإثارة جديدة تمني الأماني وتخدر المشاعر وتكسب مزيدا من الوقت ، أو بتعبير آخر من نفس القاموس الذي سبق للحسن الثاني توظيفه في وصف حال المغرب فأقول إن الأمر لا يعدو أن يكون صعقات يائسة لقلب ساكت.