عمل الرسول صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدين على إسناد الوظائف المالية إلى من تكتمل فيه شروط الصلاح والكفاءة والأمانة، ودأبوا على اختيار الأصلح، وقال صلى الله عليه وسلم من ولي من أمر المسلمين شيئا فولى رجلا، وهو يجد من هو أصلح منه، فقد خان الله ورسوله، قال ابن تيمية فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره لأجل قرابة بينهما أو ولاء عتاقة أو صداقة أو موافقة في بلد أو مذهب أو جنس أو طريقة أو لرشوة يأخذها منه أو لمنفعة أو لضعف في قلبه على الأحق أو عداوة بينهما، فقد خان الله ورسوله والمؤمنينن، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة لا يقدمون من طلب المسؤولية، ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم إن قوما دخلوا عليه فسألوه الولاية، فقال: إنا لا نولي أمرنا هذا من طلبه. فما هي الصفات المطلوبة في القائمين على المال العام، أو على الشأن العام؟بصفة عامة آجمل العلماء ذلك في شرطين: القوة والأمانة، والقوة كما وردت في القرآن الكريم تعني القدرة الجسدية والمعنوية على تحمل متاعب المسؤولية إلى جانب القدرة العلمية، وتقترن هذه القدرة أيضا بالكفاءة الأخلاقية، وهي قوة لأن المال والنفوذ يغريان النفس ويضعفانها. فالحفظ والعلم ورد في القرآن الكريم على لسان يوسف قال تعالى اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم، فكان العمل، يا مولاي، باستكفاء الأمناء وتقليد النصحاء لتكون الأعمال بالكفاءة مضبوطة، والأموال بالأمناء محفوظة. ولقد جمع أبو يوسف في كتابه الخراج هذه الصفات ضمن كتاب نصيحة لهارون الرشيد لمن توليته على أمور الأموال، وقال: رأيت أن تتخد قوما من الصلاح والدين والأمانة ومن وليت منهم، فليكن عالما عفيفا وفقيها مشاورا لأهل الرأي، عفيفا لا يطلع الناس منه على عورة، ولا يخاف في الله لومة لائم، فإن لم يكن عدلا ثقة أمينا فلا يؤتمن على الأموال. ولقد بيّن صلى الله عليه وسلم الحقوق الراجعة لمدبري الشأن العام ليغنيهم عن الحرام، فقال صلى الله عليه وسلم (من ولي لنا شيئا فلم تكن له امرأة فليتزوج امرأة، ومن لم يكن مسكن فليتخد مسكنا، ومن لم يكن له مركب فليتخد مركبا، ومن لم يكن له خادما فليتخد خادما، فمن اتخد سوى ذلك كنزا وإبلا جاء به يوم القيامة غالا أو شارقا)، وكان عمر رضي الله عنه يسند الأعمال لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أبو عبيدة دنست أصحاب رسول الله، فقال له عمر يا أبا عبيدة: إذا لم أستعن بأهل الدين على سلامة ديني فبمن أستعين، قال أما وإن فعلت، فأغنهم بالأمانة عن الخيانة، أي إذا استعنت بهم فأجزل لهم العطاء والرزق، فلا يحتاجون ويمدون أيديهم إلى ما ائتمنوا عليه. عن درس حسني لزينب العدوي خلال رمضان الماضي