الاعتداء على القضاة والمحامين ظاهرة تتنامى يوما بعد يوم، فما هي مسبباتها وظروف وملابسات الاعتداءات التي سجلت لحد الساعة ؟ رصدت التجديد البعض من الحالات واستقرأت رأي المقربين من هيئة القضاء الواقف منه والجالس لتقريب القارئ من هذه الظاهرة التي تتهدد مؤسسة القضاء. لعل آخر اعتداء تعرض له القاضي عبد القادر أمزا بمدينة لفقيه بنصالح خلال الشهر الجاري، حيث أقدم أحد المتقاضين على طعن أمزا وهو قاضي التوثيق بقسم القضاء الأسري بالمحكمة الابتدائية بالمدينة أمام باب المحكمة بسكين كان يحمله حيث أصابه إصابة خطيرة على مستوى البطن، لينقل القاضي إلى إحدى المصحات الخاصة بالفقيه بن صالح .وأقدم المعتدي، البالغ من العمر حوالي 60 سنة، على طعن القاضي بعد حكم هذا الأخير لصالح زوجة المعتدي بالطلاق للشقاق. هذا الاعتداء أثار استياء لدى الأسرة القضاء، مما دفع المحامون ينظمون وقفة احتجاجية ببهو محكمة الاستئناف ببني ملال وجميع المحاكم الابتدائية بالجهة تضامنا مع القاضي أمزا . وتساءل حينها بيان صادر عن الهيئة حول حصانة القاضي ودوره في المجتمع من أجل تطبيق القانون تطبيقا سليما وذلك من خلال تمتعه بحماية كافية للقيام بمهامه النبيلة . وأضاف البيان أن تنظيم الوقفة يأتي للتنديد بالاعتداء المقيت من طرف أحد المتقاضين الذي تجاوز كل الخطوط الحمراء بالاعتداء على مؤسسة القضاء وحرمتها. واستحضر المحامون سلسلة من الاعتداءات التي طالت زملائهم وذكروا من بينهم الأساتذة النقيب محمد ناوور وأحمد الحلماوي وعبد النبي الغسولي والأستاذ نعيمة فائز واستحضروا أيضا جريمة قتل أحد رجال الشرطة بالرباط واعتداءات أخرى بكل من فاس ومكناس . وطالب مجلس الهيئة في البيان المذكور الجهات المسؤولة وعلى رأسها وزارة العدل بسن مرسوم قانون خاص بتجريم أي فعل إجرامي يتعرض له المحامي بمكتبه أو خارجه وحماية المؤسسة القضائية من خلال تخصيص المحاكم بمزيد من الحماية القانونية وتوفير طاقم كاف من رجال الأمن وأعوان السلطة لتوفير الجو الملائم للممارسة القضائية والمهنية في أحسن الظروف بعيدا عن أية إكراهات مادية ومعنوية داخل المحاكم والعمل أيضا على القضاء على كل ظاهرة مشينة تمس القضاء ومهنة المحاماة. وتجدر الإشارة أيضا إلى أن المعتدي على الأستاذ محمد ناوور قد حكم عليه بالمؤبد ابتدائيا واستئنافيا بتهمة محاولة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد وكان الجاني موكلا للنقيب محمد ناوور في قضية تتعلق بالقضاء الأسري ببني ملال حكمت بما لايتماشى ورغباته. وأكد الأستاذ النقيب أحمد عبيد من هيأة المحامين ببني ملال لـالتجديد أنه بالإمكان أن نتحدث على ظاهرة لأنه بالفعل سجلت عدة حالات في جميع ربوع المحاكم بالمغرب كان ضحيتها محامون وقضاة ورجال أمن ومواطنون أبرياء. وعبر عبيد عن أسفه من تسجيل عدة حالات كان آخرها الاعتداء الذي تعرض له عبد القادر أمزا القاضي بقسم القضاء الأسري بالفقيه بنصالح وقبله الاعتداء على النقيب محمد ناوور الذي كاد يودي بحياته . وعزا الأستاذ عبيد تنامي هذه الاعتداءات إلى كون أغلبية المتقاضين سواء منهم الرجال أو النساء لم يفهموا بعد مقتضيات قانون الأسرة الجديد،هذا لكون القانون به مساطير جديدة لا يعرفها العديد من المتقاضين وكثيرا ما يفاجأ الناس بالقرارات الصادرة من هذا القانون . وساق الأستاذ عبيد على سبيل المثال طلاق الشقاق الذي لم يكن معروفا من قبل والذي يعطي للمرأة الحق في طلب الطلاق ، وكذا الأحكام الخاصة بالنفقة والحضانة والحق في التعويض عن الكراء الذي تستفيد منه المرأة المطلقة بدون إثبات، هذا بالإضافة إلى مقتضيات أخرى لم يستوعبها المتقاضين بعد كاقتسام الممتلكات بين الزوج والزوجة المطلقين (وإن لم يصد أي حكم به بعد على حد علمي ) مما يحتمل معارضة شديدة من المتقاضين. ولم يحصر الأستاذ عبيد أسباب الاعتداءات على القضاة والمحامين فقط في علاقته بقانون الأسرة الجديد فحسب، وأشار إلى الشعور بانعدام الثقة الذي تكون لدى المواطنين اتجاه القضاء سواء منه الواقف أو الجالس واتهامه بانعدام النزاهة، وإخلال بعض المحامين بأمانتهم خاصة بعد المشاكل التي سجلت سواء في القضاء الأسري أو في ملفات حوادث السير، هذا بالإضافة إلى ظهور طفيليات في محيط المحاكم، يقول عبيد، تمتهن السمسرة وتدعي الوساطة بين المتقاضين والمحامين و القضاة. وعن المقاربة التي يقترح اعتمادها للحد من ظاهرة العنف، شدد الأستاذ عبيد على ضرورة الرفع من أجور القضاة بما يتماشى ومتطلبات الحياة والعمل على تخليق المؤسسة القضائية وتفعيل أجهزة الوزارة الخاصة بالتفتيش والمراقبة هذا بالطبع بالإضافة إلى الدور الهام الذي يجب أن يقوم به كل المتدخلين من ذوي الاختصاص في تحسيس المواطنين بالقوانين الجديدة وملأ الفراغ الملحوظ في النصوص القانونية المتعلقة بمهنة المحاماة والعمل بجد للقضاء على السماسرة والوسطاء( الذين أفسدوا حياة العدل) بين المحامين والقضاة من جهة والمتقاضين من جهة أخرى.