سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الأستاذ عبد المالك زعزاع محامي بهيأة الدار البيضاء ورئيس جمعية المنار للثقافة والتواصل، في مقابة مع التجديد": المطلوب معالجة شمولية لإصلاح القضاء بالمغرب، والمتقاضي شريك في المسؤولية
مازال القضاء المغربي يعاني من عدة اختلالات، تكشف عنها الأحداث يوما بعد يوم، وبرز ذلك بشكل واضح في بعض الأحداث التي عرفها المغرب أخيرا، خاصة منها قضية الرماش التي تورطت فيها بعض الأجهزة القضائية في مدينة تطوان، بالإضافة إلى التأديبات المستمرة لبعض قضاة المملكة، وتعقيد المساطر والبطء في تنفيذ الأحكام وضعف تجهيزات المحاكم وغيرها..نحاول في هذا الحوار الذي أجريناه مع عبد المالك زعزاع، محامي بهيأة الدارالبيضاء ورئيس جمعية المنار للثقافة والتواصل، أن نثير مثل هذه القضايا التي تشغل بال المواطنين، وتحاول وزارة العدل معالجتها عبر مشروعها لإصلاح القضاء بالمغرب. ماهي الإشكالات الكبرى التي يعرفها المجال القضائي بالمغرب؟ أولا وقبل وكل شيء، إن قاطرة الإصلاح مازالت مستمرة، والغيورون على هذا الوطن وكافة العاملين في هذا الحقل يرشدون هذه القاطرة لتصل إلى النجاة في يوم من الأيام. أما بالنسبة للإشكالات التي يعاني منها قطاع العدالة بالمغرب، فهناك أولا الموضوع الخطير والكبير جدا وهو مسألة استقلال القضاء، فمازالت الإدارة تتدخل في هذا الجهاز، ضدا على إرادة الدستور. وثانيا هناك إشكالات أخرى نذكر منها كثرة الملفات والقضايا بالمحاكم بالموازاة مع عدد الأطر البشرية، واكتظاظ المادة المعروضة على قضاة الحكم، وكذلك ضعف التجهيز بصفة واضحة في بعض المحاكم، وما يسمى بالفساد داخل الجهاز الإداري وهو ما يعبر عنه بمشكل تخليق العدالة، بالإضافة إلى ضرورة التكوين المستمر للقضاة وتأهيلهم من الناحية العلمية.. نبدأ من حيث انتهيتم، نريد أن نسلط الضوء أكثر على مشكلة انعدام استقلالية القضاء بالمغرب؟ يجب التذكير أن مهنة القضاء هي مهنة شريفة ونبيلة، وفي التاريخ المغربي، القاضي هو عالم وفقيه ونحوي، فكان عندنا في المغرب قضاة في مستوى عال جدا، ومازال مثلهم عندنا إلى الآن. يبقى المشكل الأساس هو أنه في بعض الأحيان تتدخل الإدارة في مجال القضاء، وهذا التدخل نراه مخالفا لمقتضيات الفصل 82 من الدستور الذي ينص على أن السلطة القضائية سلطة مستقلة عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية. إن هذا المبدأ الدستوري يجب احترامه من طرف الإدارة المغربية ومن طرف الجميع. أعتقد أن بعض القضاة لهم الجرأة والشجاعة الأدبية، في عدم الاستجابة لتلك التدخلات، انطلاقا من أن القاضي لا يخشى إلا الله. يجب أن نبذل جهدا لنصل إلى تطبيق مقتضيات الفصل 82 المذكور، حتى يمكن أن يكون لدينا قضاء مستقل بمعنى الكلمة. نجد أن هذا التدخل من طرف الإدارة، خاصة وزارة العدل، يكون بناء على نصوص أو إجراءات قانونية.. لا بد من تحيين التشريع وتحديثه لمواكبة التطورات التي يعرفها مجال القضاء، وبالتالي تطبيق مبدأ الديمقراطية والمساواة أمام القانون، بمعنى أن تتوفر لدينا الآليات التشريعية لتفعيل الإصلاح القضائي، هذه الآليات تغيب في كثير من الأحيان، بل هناك نصوص تشريعية قد تعرقل الإصلاح القضائي، يجب معالجتها بتحيين تشريعي جديد في ظل المنظومة الدستورية المغربية والهوية الحضارية التاريخية التي تؤكد أن الدين الرسمي للبلاد هو الإسلام، هذا التحيين التشريعي سيمنع الإدارة من التدخل في شؤون القضاء. القضاء المغربي امتحن امتحانا عسيرا هذه السنوات الأخيرة من خلال المحاكمات السياسية التي عرفتها بلادنا، ووصل الأمر بالإدارة المغربية إلى أن تغير هيأة الحكم في قضية معينة، وكانت لها آثارها في تشنج العلاقة في بعض الأحيان بين هيأة الحكم وهيأة الدفاع، بالإضافة إلى ظهور بدعة التصريحات الرسمية التي تسبق عمل القضاء، خاصة بعد أحداث 16 ماي، فهذه المحطات كشفت عن الاختلالات التي يعرفها قضاؤنا المغربي، فما تعليقك؟ إن استقلالية القضاء مبدأ سامي ينبغي أن يدفع الأشخاص الذين يراقبون المحاكمات خاصة السياسية منها، إلى احترام القانون، سواء تعلق الأمر بجهاز النيابة العامة أو بالصحافة كذلك، لأن بعض وسائل الإعلام قد تؤثر على استقلال القضاء، بإصدارها عناوين كبرى مزيفة لا تمت إلى الواقع بصلة، وبالتالي فالقاضي مواطن كغيره من المواطنين، قد تصيبه بعض هذه المؤثرات الخارجية. وينبغي محاربة هذه التدخلات بغض النظر عن الجهة الصادرة عنها، واحترام مبدأ المحاكمة العادلة. إن هذه التدخلات تحصل بطرق ملتوية وغير مشروعة أحيانا، ومخالفة لقانون المسطرة الجنائية. ومعايشتنا اليومية للحياة القضائية بالمغرب تبرز أنه هناك تأثيرات خارجية مازالت موجودة ومستمرة مع الأسف. هل يمكن اعتبار أن تعيين وزير متحزب على رأس وزارة العدل قد يكون له تأثير معين على استقلالية القضاء بالمغرب، خاصة وأن بعض الوزراء بعد أحداث 16 ماي، ظهرت حزبيتهم بشكل واضح؟ في الديمقراطيات العريقة، لا يمنع أن يكون هناك وزير متحزب على رأس وزارة العدل أو غيرها من الوزارات، لكن الإشكال يبقى في أن ممارسات بعض المسؤولين تحيد عن السلوك الديمقراطي. يلاحظ أن مشروع الإصلاح القضائي الذي تتحدث عنه وزارة العدل ينصب في جوهره على الجانب اللوجيستيكيي، كإدخال المعلوميات، وتوسيع بنايات المحاكم وغيرها..لكن حتى في هذا المجال لم يتحقق تطور ملموس؟ أول نقطة يمكن إثارتها في هذا المجال، هو ما يسمى بتدبير قطاع العدالة، فمازال المغرب يحاول مواصلة عملية الترشيد الضرورية لتدبير هذا القطاع من الناحية المادية والبشرية، ووزارة العدل تحاول أن تسير في اتجاه إدخال التقنيات الحديثة إلى المرفق القضائي لتحسين مردوديته. وفي هذا الصدد لاحظنا أن بعض المحاكم هي التي كانت محظوظة في حصولها على مثل هذا التحديث، فإذا قارنا مثلا المحكمة الابتدائية لأنفا بالدارالبيضاء مع محكمة ابن امسيك، نجد أنه لا مجال للمقارنة بينهما في مجال التقنية والمعلوميات، الأمر نفسه بالنسبة للمحكمة الابتدائية لعين السبع التي هي ملاصقة لمحكمة أنفا ومع ذلك هناك فرق بينهما. وهناك مشاكل أخرى وهي أن بعض قاعات المحاكم في المغرب لا تشرف قطاع العدالة، حيث يعمل فيها القضاة والمحامون والمواطنون في ظروف غير مريحة، فعلى سبيل المثال، فإن ابتدائية ابن امسيك و ابتدائية عين الشق، بهما قاعات صغيرة جدا، وفي قضايا كقضايا التلبس أو القضايا الشرعية، تكتظ هذه القاعات، بحيث يستحيل على القاضي أن يعمل في ظروف مناسبة، وهذا بالنسبة لي عامل مشوش كذلك على استقلالية القضاء ومردودية هذا القطاع. فحتى على مستوى التدبير أو التجهيز هناك نقص، ولم نبلغ بعد تعميم الإصلاح على كافة مرافق القضاء. وبالنسبة لإدخال المعلوميات، لابد من توفير طاقم بشري مؤهل، لتفادي بعض الأخطاء التي يمكن أن تحدث على مستوى طبع الأحكام. عندما نتحدث عن الإصلاح القضائي نتجه دائما إلى جلد القضاة، وهو كلام بعض الصحافة التي لا تحترم نفسها، فهناك القطاع المساعد للعدالة، يتكون من المحامين، والخبراء والمترجمون، والضابطة القضائية وكتاب الضبط والأعوان القضائيين، وهذا القطاع ينبغي أيضا الاهتمام به وإصلاحه وإمداده بالتجهيزات ووسائل العمل الضرورية.نحن نتحدث الآن فقط على مستوى الحاضرة، أما البوادي والقرى، فربما هناك حاجيات أخرى، وعلى رأسها تقريب مرفق العدالة من المواطنين . ألا تلاحظون معي أن مشروع الإصلاح القضائي بالمغرب يعتمد أيضا في جزء منه على مساعدات أو قروض من مؤسسات أجنبية كالبنك الدولي وبعض المؤسسات الأمريكية، فهل دخل هذا القطاع أيضا في حبال الارتهان الدولي؟ أقول إن العولمة بصفة عامة ألقت بظلالها على مجموعة من القطاعات، فيمكننا أن نتعامل في قطاعات معينة مع مؤسسات أجنبية، لكن في مثل هذه الحالة ونحن نتحدث عن قطاع حيوي وحساس، أو عن القطاعات التي لها علاقة بالهوية الحضارية للمجتمع المغربي، ينبغي أن نتعامل بحذر معها، فالقضاء يجب أن يتمتع باستقلالية تامة، وأي إصلاح أو تحديت ينبغي ألا يمس ثوابت ومقدسات البلاد. كشفت بعض الأحداث الأخيرة، خاصة قضية الرماش، تورط بعض أجهزة القضاء بشكل واضح في الفساد، هل مازال تطرح بقوة مسألة تخليق المرفق القضائي؟ إن القاضي هو الذي يوزع العدل وهو الذي يحسم النزاع ويفصل بين الخصوم وينصف المظلوم، فله مسؤولية جسيمة جدا أمام الله سبحانه وتعالى، وأعتقد أن هذه المسؤولية الملقاة على عاتقه لا يمكن أداؤها على وجهها الأحسن إلا بالأخلاق الفاضلة، فعلماؤنا وقضاتنا كانوا يوازنون بين العلم والعمل، ولا يفرقون بين العلم والإيمان، فإذا سقط مقوم الأخلاق وزالت مثل هذه المبادئ، يصبح القاضي قابلا لأي انحراف. وهذا له بطبيعة الحال مسببات منها، مشكل الاكتفاء المالي للقضاة، لذلك لابد من العناية اللازمة بهم والاستجابة لطلبات العاملين في هذا القطاع، وتفهم مشاكلهم الشخصية والعائلية، وتطبيق المساواة في تطبيق إجراءات الترقية عليهم واعتماد العناصر الموضوعية دون تحيز أو زبونية في مكافأتهم. أقول لكم إن مسألة الرشوة أو غيرها لا يرجع الدور فيها إلى القاضي فقط أو الموظف الذي لا يحترم مهنته النبيلة، وإنما يتحمل فيها المسؤولية أيضا المتقاضي الذي يساعد بتقديمه للرشوة إلى غيره في تفاقم وانتشار هذا السرطان الخطير في المجتمع، إنه ينبغي تربية المواطن على معرفة حدود حقوقه وعدم تشجيعه على الترامي على حقوق الغير. يطرح إشكال آخر على مستوى التأهيل العلمي لممارسي القضاء بالمغرب مغ غياب التأطير التربوي في مناهج هذا التكوين؟ عندما نتحدث عن الإصلاح القضائي نتحدث عل تفعيل آليات الإصلاح القضائي ومن بينها المعهد الوطني لتكوين القضاة، فالمشرع المغربي تشدد في شروط المباراة الخاصة بالولوج للسلك القضائي، وجاء مرسوم 5 يوليوز 2000 بعدة تغييرات في مواد ومواضيع هذه المباراة، فكان هناك تركيز على الجانب العلمي وتعلم لغات أجنبية، لكن في تاريخنا الإسلامي يتم التركيز بالأساس على العلم والأخلاق، وهناك أجهزة لابد لها من مراقبة الجانبين معا، فإذا شحذنا العقل ينبغي أن نشحذ القلب بالإيمان والأخلاق. وأعطيكم مثالا على ذلك، فإذا كان القاضي بالمعهد لا يحترم مواعيد التكوين، فهو القاضي نفسه الذي يجعلنا ننتظره ساعات طوال للجلوس في مقعد الحكم للفصل في قضايا الناس، فمن هنا تأتي المراقبة، فمسألة احترام الوقت بالنسبة لي مسألة أخلاقية وتربوية، فالدين له دور كبير في تقويم سلوك الأشخاص، ومعاهد التكوين إذا ساد فيها جو تربوي، فإن ذلك يساعد على التنمية الروحية. هل توافقني الرأي في أن مقاربة الإصلاح القضائي يجب أن تكون مقاربة شمولية تشمل كل القطاعات المرتبطة بالجهاز القضائي؟ يجب تخليق كل القطاعات المرتبطة بهذا الجهاز وتمكينها من وسائل العمل وتحيين تشريعاتها، ففي قطاع الأعوان القضائيين مثلا، يعانون من عدة مشاكل، خاصة المتعلقة بتنفيذ الأحكام، وهذه إشكالية كبرى أيضا، حيث نجد أن بعض الإدارات تمتنع عن تنفيذ الأحكام الصادرة في حقها. ورغم أننا نحاول إصلاح قطاع العدالة، فلابد من إصلاح قطاعات أخرى حتى يتم الأصلاح الشامل. بصفتكم كممارس لمهنة الدفاع، ماهي أهم المشاكل التي تعترضكم وأن تلجون بناية محكمة من محاكم المملكة؟ أول صعوبة نعترضها في مدينة كمدينة الدارالبيضاء، هو انعدام قصر للعدالة، فالمحامي في الدارالبيضاء أمامه سبع محاكم تتوزع على عمالات متفرقة، وقد يتطلب الأمر منه أن يقوم بإجراءاته عبر هذه المحاكم، مما يربك العمل ويجعله يمر في ظروف صعبة، لذا ينبغي تسهيل عملية التواصل مع قطاع العدالة حتى يتسنى الإصلاح الذي نرغب فيه. أجرى الحوار: عمر العمري