برز سجال بين النيابة العامة و ثمن عبد اللطيف الحاتمي، رئيس الجمعية المغربية للدفاع عن استقلال القضاء، قرار الهيئة الجنائية الاستئنافية لمحكمة الاستئناف بطنجة، القاضي بتبرئة ثلاثة قضاة وواليين للأمن ودركيين من المنسوب إليهم حول علاقتهم بمنير الرماش، تاجر المخدرات المدان بالسجن لمدة 20 سنة. وقال حاتمي: «أحكام براءة» في ملفات ثقيلة، صدرت في أوقات متقاربة عن محاكم مغربية وقضت بتبرئة عبد العزيز العفورة مما نسب إليه، وإطلاق سراح معتلقين في ملف «الشريف بين الويدان» وإصدار هيئة الحكم مساء الخميس الماضي قرارا يقضي بتبرئة ثلاثة رؤساء غرف جنايات باستئنافية تطوان وواليين للأمن ودركيين، «عطاوهم البراءة على سلامتهم، ماذا؟ حتى رقية أبو عالي خدات البراءة، هاد اشي مزيان ويترجم وجود مسيرة محمودة لاستقلال القضاة عن أي ضغط كيفما كان نوعه، أتمنى أن يتم تصديق ذلك بسماع الحكم ببراءة جريدة «المساء» من المتابعة التي يحركها ضدها وكلاء ملك منتمون إلى سلك القضاء». وأشار حاتمي، معلقا على قرار خمسة قضاة من جنايات طنجة الخميس الماضي تبرئة متهمين ضمنهم زملاء لهم في المهنة من تهم «الإرتشاء» وعلاقتهم بمنير الرماش»، إلى أن القضاء أصبح في بعض الملفات مستقلا، ويعمل بعيدا عن التعليمات والتأثيرات، وصار بإمكان بعض القضاة إصدار الأحكام القضائية استنادا إلى قناعاتهم الشخصية، وانطلاقا مما يروج في الملفات، «لكن المطلوب في القضاء المغربي هو أن يواكب هذه المسيرة المحمودة ويكملها بالحكم بالبراءة على جريدة «المساء». وشدد رئيس الجمعية المغربية للدفاع عن استقلال القضاء على أن أصعب شيء يواجهه القضاة في المغرب، إضافة إلى التعليمات وتدخل السلطة التنفيذية، هو «النفس الأمارة بالسوء»، وأضاف: «إذا كانت هيئة الحكم بالغرفة الجنائية لطنجة قد حكمت ضميرها وقضت بتبرئة قاضيين وواليي أمن ودركيين، فأخطر ما يمكن أن يواجهه القاضي بنظري هو النفس البشرية الأمارة بالسوء، القضاء في المغرب يجتاز الآن امتحانا عسيرا في استقلاليته، أحكام البراءة الصادرة في بعض الملفات بداية مسيرة محمودة لن تستمر إلا بالحكم ببراءة جريدة «المساء» في مرحلة الاستئناف، اللافت أن العادة جرت على أن كل مطالب برد الاعتبار والكرامة يطالب بدرهم رمزي، لكن أن يعرض شرف مهنة القضاء لعملية البيع والشراء فإن الأمر يكتسي بعدا خطيرا، لم يعد القضاء مطالبا فقط بالاستقلال عن السلطة التنفيذية وباقي التأثيرات بل أصبح مطالبا بتحكيم الضمير بدل الانصياع إلى رغبات النفس الإنسانية الأمارة بالسوء». وعلمت «المساء» من مصادر مضطلعة أن القاضي عبد الكريم الزهواني، الرئيس السابق لغرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بتطوان، أغمي عليه فرحا داخل قاعة الجلسات باستئنافية طنجة، قرابة الساعة السابعة والربع من مساء يوم الخميس الماضي، بمجرد أن سمع منطوق الحكم ببراءته مما نسب إليه حول علاقته بمنير الرماش. وأشارت مصادرنا إلى أن جلسة النطق بالحكم انطلقت قرابة الساعة التاسعة من صباح الخميس لترفع للمداولة عند الظهيرة قبل أن تعود هيئة الحكم المكونة من خمسة قضاة وتتلو منطوق الحكم القاضي بتبرئة سبعة متهمين مما نسب إليهم. ويقضي الحكم النهائي بتبرئة كل من عبد السلام الحجوي وعبد الله سلالا، القاضيان بمحكمة الاستئناف بتطوان، ومحمد السكوري ومحمد شرف الدين اللذين ظلا يشغلان منصب والي الأمن بمدينة تطوان، وعبد الحق سرحان رئيس المركز البحري للدرك الملكي بالمضيق والدركي سعيد حاسو. كما برأت جنايات طنجة عبد الكريم الزهواني، الرئيس السابق لغرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بتطوان، من تهمة الارتشاء وحيازة عملة أجنبية دون سند قانوني وقضت بإرجاع المحجوز على ذمة التحقيق (13 ألفا و250 أورو وآلات منزلية). وقال نور الدين ضعيف، المحامي من هيئة الدفاع، إن العدالة المغربية أعادت أخيرا الاعتبار لبعض خدام الدولة، ممن سيقوا كقرابين في ملف مازال يملك مفاتيحه المتهم الرئيسي منير الرماش، مضيفا في تصريح هاتفي ل«المساء» أن هيئة الدفاع سبق لها أن طالبت بإحضار الرماش كشاهد، لكن غياب التغطية الأمنية لاستئنافية طنجة بعد فرار «النيني» والتصريحات النارية التي سبق أن أدلى بها الرماش عندما استدعي كشاهد في ملف الشريف بين الويدان، جعلت هيئة الحكم تستغني عن إحضار الرماش كشاهد وتكتفي بالاستماع إلى خمسة مصرحين في الملف نفوا جميعهم أمام هيئة الحكم وجود أية علاقة بين الأظناء السبعة وشبكة منير الرماش للتهريب الدولي للمخدرات. وأكد ضعيف أن جلسة النطق بالحكم شهدت مرافعات قوية لدفاع المتابعين، ركزوا فيها على الدفوعات الشكلية وإظهار ضعف أدلة الإثبات، مطالبين بالدفع ببراءة المتهمين، خصوصا بعد أن أصدر 35 مستشارا بالمجلس الأعلى حكما بنقض حكم سابق سبق أن أصدرته محكمة العدل الخاصة التي توبع أمامها المتهمون لتمتعهم بالامتياز القضائي. ولم يخف المحامي ضعيف وجود جهات لها يد خفية في اقتياد متهمين كانوا يشغلون مناصب سامية كخدام للدولة المغربية إلى السجن، وقال ردا على سؤال ل«المساء» حول إمكانية احتفاظ منير الرماش بحقائق وأسرار سبق له أن هدد بالكشف عنها عندما جيء به شاهدا في ملف «الشريف بين الويدان: «ليتهم الرماش في جلسة علنية الجنرال حميدو لعنيكري بفبركة ملفات والمسؤولية عن أمور كثيرة»، لقد نادينا بدورنا بإحضار الرماش وكل مرة كان يقال لنا إن ذلك غير ممكن، على اعتبار أن الرماش يمكن أن يرحل في أي يوم أربعاء إلى الدارالبيضاء للإدلاء بشهادته في «ملف بين الويدان»، ولأن ملفنا كان يدرج كل يوم خميس فإن السلطات الأمنية تتخوف من فرار الرماش عند نقله إلى طنجة بعد أن تمكن النيني من الفرار من داخل سجنه بالقنيطرة، هناك حقائق لا يعلمها إلا الله وأعتقد أن منير الرماش يدفن في صدره معطيات يمكن لها أن تنير طريق العدالة إن قام الرماش بالكشف عنها». وسبق لمحكمة العدل الخاصة في صيف سنة 2004 أن أصدرت حكما بسنتين سجنا في حق والي الأمن محمد السكوري ومحمد شرف الدين والقاضي وعبد الكريم الزهواني وأداء غرامة قدرها ألف درهم لكل واحد منهم، فيما حكمت على عبد السلام الحجوي وعبد الله سلال القاضيين بمحكمة الاستئناف بتطوان بالسجن سنة حبسا نافذا وأداء غرامة قدرها ألف درهم لكل واحد منهما، وهو الحكم نفسه الذي صدر في حق الدركيين عبد الحق سرحان وسعيد حاسو.