حين كشف محمد بوزوبع، وزير العدل، شهر غشت الماضي، عن ملابسات قضية ترويج المخدرات بتطوان المعروفة بقضية منير الرماش، وتورط عدد من القضاة فيها، تم عزل تسعة منهم بمحكمة الاستئناف بتطوان وأحيل خمسة آخرون على محكمة العدل الخاصة بالرباط للنظر في التهم المنسوبة إليهم والمتعلقة بجرائم الارتشاء والمشاركة في ذلك واستغلال النفوذ والتستر على مجرم وإفشاء السر المهني والاتجار في المخدرات.. حين كشف عن القضية لم يكن أحد يعتقد أن الأمر سيفتح الباب على مصراعيه أمام مواجهة مفتوحة، ساحتها مؤسسة القضاء وطرفيها وزير العدل من جهة وقضاة غاضبون من جهة ثانية. غضب القضاة بدأ بتوقيع عريضة ضمت توقيعات 1200 قاض وجهت إلى جلالة الملك، ينددون فيها بإجراء اعتقال القضاة الموجودين حاليا بسجن سلا والمحالين على محكمة العدل الخاصة، معتبرين أن هذا الإجراء خرق سافر لمسطرة الامتياز القضائي باعتباره إحدى الضمانات القانونية المخولة للقضاة، والمقررة أصلا لصيانة هيبة القضاء والحفاظ على استقلاله. ويقضي هذا الامتياز القاضي المنصوص عليه في الفصل 268 من المسطرة الجنائية بأن صاحب الاختصاص في إجراء البحث وإعطاء الأمر باعتقال القضاة هو رئيس الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى للقضاء وليس وزير العدل. محمد بوزوبع، من جهته، كان رده سريعا على مبادرة العريضة، فقام بالأمر بتوقيف وتجميد راتب جعفر حسون، عضو المجلس الأعلى للقضاء والنائب الأول لرئيس الجمعية المغربية للدفاع عن استقلال القضاء، متهما إياه، وفق ما نقلته مصادر إعلامية، بوقوفه وراء مبادرة جمع توقيعات 1200 قاض على العريضة الموجهة إلى جلالة الملك. ونسب قرار التوقيف إلى حسون أعمالا تمس بحرية القضاء وهيبته واستقلاله. لم يكد يمر بعض الوقت عن قرار التوقيف حتى اشتعلت بين أوساط القضاة والمحامين على حد سواء احتجاجات تتهم وزير العدل بالقيام بسابقة من نوعها في تاريخ المجلس الأعلى للقضاء، حين قرر توقيف عضو منتخب بالمجلس، ذلك أن الأمر ينطوي على خرق لاستقلالية القضاء ولمسطرة الامتياز القضائي الممنوح للقضاة. واعتبر هؤلاء المحتجون أن ما قام به وزير العدل الحالي مرده إلى انزعاجه، كسلفه، من الجمعية المغربية للدفاع عن استقلال القضاء بسبب عضوية قضاة فيها، وليس لأنها جمعية حقوقية تدافع عن استقلال القضاء، وفق ما أكده، على سبيل الاستشهاد، عبد اللطيف الحاتمي المحامي والنائب الثاني لرئيس الجمعية ل التجديد في مقام سالف، والذي رد على ما كان قد أكده وزير العدل من أن انتماء القضاة للجمعيات ونشاطهم داخلها أمر يمنعه القانون، بالقول إنه لا يوجد نص قانوني يمنع انخراط القضاة في جمعيات حقوقية، قبل أن يشير إلى أن لوزير العدل الحق في إبداء آرائه بهذا الخصوص، بيد أن للجمعية وللقضاة الحق كذلك في الاختلاف معه وفي التصدي لها إن كانت تمس استقلال القضاء. المواجهة إذن بين وزير العدل والقضاة، والتي دخل فيها على الخط محامون أيضا، ما زالت مفتوحة بين الأطراف في شكل إطلاق التصريحات والتصريحات المضادة، بل إنها أخذت مجرى آخر باستماع وكيل الملك باستئنافية الدارالبيضاء يوم السادس عشر من دجنبر الحالي إلى عبد المولى خرشش، الكاتب العام للجمعية المغربية للدفاع عن استقلال القضاء، والذي كان قد أصدر في حقه توقيف مؤقت سابقا، وذلك من أجل تهم وجهت إليه من قبيل المس بهيبة وحرمة القضاء، بسبب ما كان قد نشره في مقال ينتقد فيه وزير العدل بأسبوعية الأيام. ومن ثم فإن لعبة شد الحبل مرجحة للاشتداد في الأيام المقبلة ضمن فصول مواجهة تخفي وراءها وضعا مهترئا لا مجال للتباطؤ في معالجته في الجسم القضائي المغربي. يونس