عندما رحّل الجنرال أوفقير 90 جزائريا وجزائرية من مدينة وجدة في أوائل الستينيات، كان رد فعل العقيد هواري بومدين ترحيل 44 ألف مغربي ومغربية من الجزائر، وفرق في هذه العملية بين الزوج المغربي وزوجته الجزائرية وأولاده منها، أوالزوجة المغربية وزوجها الجزائري وأولادها منه. ودفع آلاف الرجال والنساء والأطفال الأبرياء من المغاربة والجزائريين ثمن حماقات العسكريين والأمنيين الذين لم يحققوا بفعالهم اللاإنسانية تلك أي منفعة لبلديهما. عندما نقارن بين عمل أجهزة المخابرات العربية وأجهزة المخابرات الغربية خارج بلادها نجد الفرق شاسعا بينهما سواء في البنية التنظيمية أو في أهداف الخدمة ووسائلها. فالمخابرات الغربية تعتمد في بينتها التنظيمية على أطر يتم أعدادها وتدريبها ولها مواصفات خاصة ومهام محددة، ثم ترسلها للخارج على هيئة مراسلي صحف أو إذاعات قد لا يكون لها وجود أصلا أو بالاتفاق معها، أو على هيئة أعضاء في السلك الدبلوماسي أو رجال أعمال. وتزودهم برؤوس الأموال اللازمة لممارسة تلك الأنشطة. ومن حيث المهام يتم تخصيصهم بجمع المعلومات العسكرية أو الاقتصادية أو التقنية التي تحتاجها مؤسسات الدولة وشركات ومصانع الخواص لتحسين فرص التنافسية في الأسواق الدولية بتطوير تقنيات الإنتاج، أو مقاومة الأنشطة التجسسية لدول معادية لدولتهم. أما بالنسبة للمخابرات العربية فهي تعمل بدون أهداف إستراتيجية واضحة لمصالح الدولة ومواطنيها واقتصادياتها، ولذا انحصرت أنشطتها في تجنيد مواطنين من المهاجرين في الخارج لكي يتجسس كل منهم على الأخر. بعض الأجهزة العربية إذا ما لم يقبل مواطن العمل معها بعد أن يكتشف تفاهة اهتماماتها التي لا يري فيها أي نفع لصالح بلاده وتنميتها وتقدمها، أهملته وتركته لحاله. ولكن البعض الأخر إن رفض تربصت به ولفقت له التهم وأذاقته من ظلمها وجبروتها الكثير، إذا ما وقع في قبضتها. ولقد تعقبت الأجهزة الأمنية التونسية مؤخرا العديد من المغاربة المقيمين في تونس. والذي كان منهم المواطن المغربي التطواني: مصطفي أولاد الراضي بوزكري حيث رفضت تلك الأجهزة منذ البداية عندما دخل تونس رفقة زوجته التونسية وابنتيه منها منحه تصريح إقامة. ثم قامت بسحب جواز سفره ومن بعدها اعتقاله وتعذيبه وترحيله بالطائرة على نفقته الخاصة، مفرقة بينه وبين زوجته التونسية وابنتيه أسماء وآية. و لم تسمح له حتى بوداعهما. ويقول مصطفى بأن نفس الإجراء اتبعته تلك الأجهزة مع غيره من المغاربة. فمن استطاع تدبير ثمن التذكرة، رحلوه على أول طائرة متجهة إلى المغرب. ومن لم يستطع قادوه إلى الحدود الصحراوية مع ليبيا. لقد كان مبرر طرد الأمنيين التونسيين لمصطفى بوزكري وسواه، كما ينقل عنهم، هو أن كل المغاربة جواسيس ويمارسون السحر. أو بلهجتهم: كل المغاربة طحانة وسحاره. بعد أن أشبعوا المغاربة ووطنهم ودينهم سبا. ولكأن دين هؤلاء وأمثالهم، غير دين المغاربة الذي لم يسلم من فحشهم. و نحلم بالتأكيد أن يتم استدعاء السفير التونسي ومطالبته بإيضاحات، وإعلام الرأي العام الوطني بما تم. بالنسبة لي، وربما بالنسبة لكم جميعا، أتمنى أن يكون لي وطن يحافظ على كرامة مواطنيه وحماية حقوقهم داخل بلادهم وخارجها، وأن تكون كرامة مواطنيها أهم من أي علاقات دبلوماسية واتفاقات مبرمة مع هذه الدولة أو تلك يمكن تعويضها باتفاقات مع دولة أحسن وأنفع. ربما السياسي العربي يخشى، إن حاول الدفاع عن حق مواطن، أن يجد من يقول له: امنع انتهاك حقوق الإنسان لمواطني بلدك في وطنهم، ثم حاسبنا. هذا إذا افترضنا أنه سيحاول أن يفعل ما يفعله السياسيون في الدول الغربية. و الذين يمكن أن يقيموا الدنيا من أجل مواطن أو مواطنة، ولا يهدؤون حتى يتم تعويضه عما أصابه من ضرر.