اضطرت مجلة ماريان الباريسية المعروفة بميولاتها وارتباطاتها الصهيونية إلى العودة إلى انزلاقات نيكولا ساركوزي خلال عشاء المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية بفرنسا(ك.ر.ي.ف.) يوم الثالث عشر من فبراير المنصرم. فالرئيس ساركوزي المعروف بخرجاته الفجة كلما أفرط في السكر، ربما في تلك الليلة نسي أنه رئيس دولة، أطلق العنان في غمرة انتشائه بالذكرى الستين لجريمة زرع الكيان الصهيوني في خاصرة البلاد العربية للتلويح بالوعود تجاه أصدقائه الصهاينة. فقد ورطه لسانه في التعهد بأمرين لن يكون في استطاعته الوفاء بأي منهما: أقسم أنه لن يصافح يد رئيس أي دولة لا تعترف بـ(إسرائيل). ربما نسي أن أغلب الدول العربية التي هو مضطر للتعامل معها لا تعترف ـ رسميا على الأقل ـ بهذا الكيان. وسيواجه قسمه هذا أول امتحان في الأيام القليلة القادمة عندما يقوم بزيارته لتونس التي اضطرت إلى قطع كل علاقاتها مع الدولة العبرية، فأين سيضع يده وهو يقابل الرئيس التونسي؟ وماذا لو أنه زار أو زاره ملك السعودية أو رئيس إيران؟ هل يقبله حتى لا يحنث!؟ والتعهد الثاني الذي ورطه فيه لسانه المتسرع هو تعهده بأن يرغم كل أطفال فرنسا، في قسم المتوسط الثاني بالتعليم الابتدائي، على حفظ درس في التاريخ عن محرقة اليهود في ألمانيا النازية الهولوكوست، وذلك ابتداء من الدخول المدرسي المقبل. هذا التعهد يجابه تعهد أغلب المتدخلين في مجال التربية والتعليم، فيما يشبه الإجماع، بأنهم لن ينفذوه في الدخول المقبل مهما كان الأمر.لأنهم يعتبرون تدريس الأطفال ذاكرة من الدماء مهمة مستحيلة، ويعتبرون أن من أخطر الجرائم في حق هؤلاء الأطفال تحميلهم وزرا يُحتمل فقط أن أسلاف غيرهم من الألمان هم الذين قد يكونون اقترفوه بتعاون مع حكومة فيشي العميلة لهم. ولماذا عزل الهولوكوست عن هولوكوستات أخرى اقترفتها فرنسا نفسها في مستعمراتها السابقة؟ في الجزائر والمغرب وتونس والهند الصينية...؟ ماريان لم تنتقد تعهدات ساركوزي المستحيلة لأنها مستحيلة أو لأنها ظالمة؛ ولكنها أحست كما أحس المعنيون الصهاينة أنفسهم بأن السيد ساركوزي قد ذهب بعيدا وتجاوز حدود الدعم اللامشروط للكيان الصهيوني؛ في وقت تتهاوى فيه شعبيته بشكل كبير في فرنسا. وهو تجاوز للحدود قد تكون له نتائج عكسية؛ خصوصا وتوقيته كذلك يطرح مشكلة على كل ضمير حي؛ بل وحتى على من لا ضمير له ويحاول أن يتجاهل ما يقع؛ وإذا برئيس دولة كبرى يضطره إلى الوقوف أمام المرآة ليرى وجهه بوضوح وبدون رتوش. إنه توقيت سيء لدعم قوم مجرمين، فأين تضع فرنسا وجهها ورئيسها يذهب إلى هذا الحد من التواطؤ مع كيان يقوم بتنفيذ هولوكوست جديد أمام مرأى ومسمع من العالم في حق الشعب الفلسطيني الأعزل بقطاع غزة، يقتل الأطفال والنساء ويدمر المنازل والمدارس والمستشفيات ويعمل على إبادة كل كائن حي في أرض فلسطين المغتصبة؟ ولماذا الاحتفال بزرع سرطان وتعهده بالعناية في جسم كان سليما قبل ذلك؟ الطبيعي أن يُحمى الجسم من السرطان، ولكن تصريح ساركوزي يفضح إصرار من يسمون أنفسهم ب العالم الحر على القضاء على الجسم وتعهد السرطان بالرعاية، وهذا على ما يبدو هو الذي يحرج الذين اضطروا للنهوض ضد تعهدات ساركوزي الأخيرة.