وقف أمامهم، بنظراته المتكسرة، يغلف الهوان أحداقه ويلونها بصفرة الموتى، من محيط السبات غربا، إلى السيوف المتراقصة في حضرة آلهة البيت الأبيض شرقا، مرورا برفح المصرية التي تقبع في صمت ذاهل، باسم كل هؤلاء قد وقفـ أطرق طويلا وعيناه لا تفارقان موطئ قدميه ثم قال يخاطبها أيا غزة الإباء: أتيتك عاري الرأس أنشد الإنصاف من قساوة البؤس ومن حرمان الليالي الطوال أتيتك... بيد أحمل قلما، والأخرى تنوء بفأسي أتيتك ولم يعد عني بعيدا مرأى الرمس سئمت، من الثمالة والكأس وجرعات خفض اليأس وحقن البرود ومد سياط الوعود والقيام والقعود ومؤتمر في الصبح وآخر لم يمسي *** من بين الحشد الذي تجمهر خلف الأسلاك الشائكة في معبر رفح البري، أشباح الموت تطوف بالمكان، وأطفال جرمت من كل معاني الحياة البريئة، وأعينها تهتف: يا محلى الموت بغزة.. خرج من وسطهم شاب فقال: لتنسوا ذلكم حينا وتحيوا مجدكم حينـا وشيء من كرامتكم ومن ذي قار تهدينا أياعرب فيم غفلتكم أين شآم حطـينا نداء غزة الفيحاء من قهر تنادينا فلا كنتم لنا سندا ولا كنتم معينينــا فتحنا للعـزا دارا فما كنتم معزينــا وبكى أولادنا بردا فلا نفطا يدفِّينـــا وندا نسائنا الثكلى فلا منكم مجيبينــا ودماء في الثرى سالت لترويكم وتروينـا وترفع هامة الإسلا م،مر القهر تنسينـا من الشهداء والجرحى.. دحنونا ونسرينا ولم نسمع سوى لحن من الهوان يسقينا خذوا ألحانكم عذرا ففينا ما يكــفِّينا.