دخول الشأن الديني في صلب السياسة العمومية يفترض أن يكون النقاش حوله مفتوحا لكل المغاربة بجميع مكوناتهم. فالشأن الديني في المغرب هو شأن كل المغاربة، ولا يسوغ لأحد أن يتحدث في هذا الشأن بلغة إقصائية تلغي حق الآخرين في التعبير عن وجهة نظرهم في الموضوع. مناسبة هذا الكلام، المقال الذي رد به كاتب الأحداث المغربية على التجديد والذي وضع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بين رؤيتين: -رؤية من وصفها بالمنابر الديمقراطية والتي تطلب من الدولة أن تنخرط في تصفية من تسميهم. بالخوارج -ورؤية من وصفهم بالخوارج الذين يخالفون المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني، و يهددون إمارة المؤمنين، وهوية البلد ومؤسساته. والواقع أن هذا ليس هو جوهر الإشكال والذي يرتبط بمحدودية قدرات المؤسسات الرسمية والمدنية على تلبية الاحتياجات الدينية المتزايدة للمغاربة. وعوض أن ينصب النقاش حول ذلك واصل سياسة الهروب إلى الأمام بعد أن هدد وزير الأوقاف في مقال سابق بانتهاء المهلة، ويأتي الآن كاتب الأحداث المغربية لينصح وزير الأوقاف بالقطع مع سياسة التدبير المفوض للشأن الديني، وتصفية ما يسميه بالوجود الأصولي داخل المؤسسات الدينية وهياكلها، والتمكين للديمقراطيين والمستنيرين حسب وصفه بملأ المكان، رغم أن المجال هو مجال أهلية علمية وليس مجال التصنيفات السياسية . حقيقة إنها طريقة في النقاش تعيدنا إلى الزمن الإيديولوجي الغابر الذي يقسم المغاربة إلى طوائف، ويختصر طريقة حسم المشكلات في التصفية والإقصاء والمصادرة. وكأن صاحب المقال لا يعيش التحولات الكبرى التي يعرفها العالم، تلك التحولات التي ترسخ مفهوم الحوار والتداول كآليات لتصريف الخلاف بين النخب، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية إن النهوض بدور العلماء هو مسؤولية جماعية تتم في اطار من القواعد الأصيلة في الحضارة المغربية التي وضعت أسسها منذ عهد الدولة الإدريسية، ومنها الكفاءة العلمية والاستقلالية والاستقامة والاندماج في المجتمع والتجند لحماية الاستقرار و الوحدة. كان على كاتب المقال أن يقدم برهان صدقه على كونه مخلصا في الدفاع عن الشأن الديني حتى لا يقع الالتباس لدى القارئ فيظن أن استئصال الحركة الإسلامية هو الهم الوحيد الذي يؤطر صاحب المقال في كل ما يكتب. فالذي يدافع عن الشأن الديني لا يفوته أن يعبر عن موقفه مما يجري من حملات تستهدف القيم الإسلامية في المغرب، ومن ممارسات شاذة تستفز مشاعر المسلمين، ومن أنماط سلوكية غريبة يراد لها أن تستنبت في الوسط المغربي المسلم. فالذي ينشغل بالدفاع عن الشأن الديني يكون حضوره قويا في هذه المحطات، هذا فضلا عن الانخراط الفعلي في الدفاع والعمل بمقتضيات المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني، فهل من الممكن التترس بهذه الثوابت لتصفية الخصوم دون التعبير عن مواقف حقيقية مشهودة تثبت الوفاء للثوابت المذكورة؟ فما قوله في الشذوذ الجنسي المعدود من الكبائر في فقه مالك، وهل من الممكن أن تتخصص بعض المنابر التي ينعتها صاحب المقال بالديمقراطية في إشاعة ثقافة الإثارة والعلاقات الجنسية غير الشرعية، ثم يصدق القارئ والجهات المعنية أن هذه المنابر تدافع بالفعل عن السياسة الدينية في المغرب؟