أسالت هجرة المغربيات إلى الخارج كثيرا من المداد، سواء منهن المهاجرات للعمل في حقول الفراولة الإسبانية، أو المهاجرات لرفع قيمة مداخيل الملاهي الشرقية سواء منهن الراغبات أو المكرهات مثل زهرة ولبنى اللواتي حكين عن تفاصيل وقوعهن في يد شبكة للدعارة تهجر الفتيات إلى سوريا. ومن المهاجرات أيضا من امتطين عقدا مزورا عنوانا لزواج أبيض وما هو بأبيض من أجل العبور إلى الضفة الأخرى ساعيات لجلب الأورو والدولار ولو على حساب العرض. ومن كثرة أخبار هؤلاء النساء أصيب القارئ بالتخمة وعسر الهضم المبدئي. واخترت في هذا المقام أن أفتح شهية القارئ إلى نوع آخر من هجرة بنات حواء، إنها هجرة الشقراوات، تركن الأورو والدولار واعتنقن الدين وتمسكن بـ الفولار، منهن جميلة الهولندية، التقيتها في محطة القطار وأنا في سفر مهمة، لقد كانت ابتسامات طفلتها الصغرى مفتاح التعارف بيننا، وكم نالت هذه الطفلة إعجابي بحركاتها الملائكية البريئة واستطاعت أن تنتزع مني انحناءة وقبلة مثل ما يفلح فيه كثير من أطفالنا حفظهم الله من فوق ظهور أمهاتهم أو في عرباتهم المجرورة في المنتزهات والأسواق والشوارع. شكرتني الأم على تقبيل ابنتها ومن خلال كلماتها المختبئة وراء النقاب اكتشفت أنها ليست مغربية وجذبتني إليها أكثر مما جذبتني ابنتها الجميلة. كانت مدة الصعود من مصعد محطة القطار كافية لتعارف سريع بيننا، عرفتها بنفسي، وقدمت لي نفسها أنها هولندية متزوجة من مغربي مقيم بهولندا ونظرا لالتزامي بالعمل استسمحتها بالانصراف لكنها أصرت علي بالاتصال بها في بيتها ومكنتني من رقم هاتفها الثابت، وألحت علي بزيارتها إن أمكن. اتصلت مرات بجميلة ونجحت الأسلاك الهاتفية في نسج علاقة تعارف وضعت طفلة بريئة حجرها الأساس. وجاء اليوم الذي سأزور فيه جميلة وابنتها الجميلة لأجد وجها آخر لأوجه هجرة بنات حواء في العالم، وجدت جميلة الشقراء وأمها الشقراء أيضا التي أسلمت بعد أن كانت مسيحية، وجدتهما في بيت يوحي كل ركن منه أنه بيت مسلم مغربي أصيل، ووافق تاريخ زيارتي الذي كان يوم سبت زيارة صديقات شقراوات لجميلة إحداهن هولندية متزوجة من مغربي مقيم بهولندا، وأخرى كندية متزوجة من مغربي مقيم بكندا، وحدثنني أن مثلهن كثيرات تركن الخطابات النسوانية جانبا، رغم أن جميلة كانت تتزعم حركة نسوانية بامتياز في بلدها، واخترن أن يتزوجن بمسلمين لأن الإسلام حقق للمرأة ما لم تحققه الحركات النسوانية، ووجدن في دفء الأسرة المبنية على المودة والرحمة ما لم يجدنه في بلدان أدت دعوات اقتسام الثروات فيها إلى قسم ظهر المودة والاستقرار الأسري. هذا هو الوجه الآخر لهجرة النساء، إنها هجرة الشقراوات ولكل هجرته في هذه الدنيا.