تكمن أهمية هذا الجزء في كونه يكشف تفاصيل دقيقة عن ميلاد حركة التوحيد والإصلاح، إذ يحكي المهندس الحمداوي الخطوات الأولى لعملية التوحيد، بدءا بلجنة 4/,4 ومرورا بالمكتب التنفيذي المشترك والمرحلة الانتقالية ووصولا إلى الصيغة النهائية للوحدة، كما يتعرض للمنهجية التي تم بها بناء الوحدة، ويخصص المنشط التنظيمي بالتفصيل وكيف استطاع المشرف التنظيمي أن يصهر كل الخلافات بين الهيكلتين السابقتين، ويقود سفينة التنظيمين على هيكلة جديدة وقانون داخلي جديد اعتمادا على مبدأي المؤسسات مناصفة والمسؤولية بالانتخاب. ألم تكن لكم مساهمة أخرى في هذا الجانب التنظيمي سوى إدخال تقنية تمام إلى الحركة؟ في سنة 1994, جاءت فكرة اللامركزية، واشتغلت عليها مدة ستة أشهر، حيث جمعت كثيرا من الوثائق والمراجع في الموضوع، وكنت وقتها مسئولا في جهة الشمال، وأسست لهذا الغرض خلية في مدينة شفشاون تشتغل معي على هذا الموضوع، وأنجزت المشروع وكنت شبه متيقن أن القيادة ستقبله. وهل قبلته الحركة؟ أتيت بالمشروع إلى الأخ محمد يتيم وكان وقتها مسئولا عن الحركة قبل أن تتم الوحدة، ولما اطلع عليه أعرب عن إعجابه به، وقال لي:هذا المشروع جد مهم، لكن لم يحن وقته بعد. لماذا لم يحن وقته بعد؟ ربما لأن الحاجة كانت تتطلب أولا مركزة القرارات لأن القاعدة التنظيمية بأنه قبل اللاتمركز ينبغي أن يكون هناك شيء ممركز ، وربما وضع الجماعة التنظيمي في تلك الفترة كان يحتاج إلى مزيد من المركزة ولم تكن فيه شروط اللامركزية. وهل أصبت بالإحباط نتيجة لهذا الموقف من مسئول للحركة؟ الإحباط....لا، كنت أشعر أني قمت بالذي علي أن أقوم به، فقد أتيت بهذا المشروع الجديد لأطور أداء الحركة وأحسنه، وقد اجتمعت الهيئة وقررت في شأنه وارتأت أن التوقيت غير مناسب لتنزيله. هل ناقشه المكتب التنفيذي أم كان الأمر قرارا لرئيس الحركة محمد يتيم؟ عرض المشروع على المكتب التنفيذي واستدعيت لشرحه، ولم يعترضوا عليه من حيث المبدأ، لكنهم ارتأوا أن المرحلة تقتضي تأجيله. ومتى تم العمل به؟ لما جاءت تجربة الوحدة، وتم تأسيس حركة التوحيد والإصلاح، سيتم اقتراحه سنة 2002 ، ولن يلقى القبول. من رفضه؟ كنت وقتها في قيادة الحركة، ولم يرفضه أحد داخل المكتب التنفيذي، وإنما جاء الاعتراض من طرف الجهات التي فسرت موقفها بكونها لا تتوفر على الكفاءات البشرية لتطبيق اللامركزية، ولن يتم لهذا المشروع أن يقبل وينفذ داخل حركة التوحيد والإصلاح إلا في سنة 2006. يعني صبرت مدة 12 سنة حتى يكتب للمشروع الذي اشتغلت عليه في مدينة شفشاون أن يعتمد؟ نعم، وهو ما يؤكد ما سبق أن ذكرته لك بخصوص العمل التجديدي. فالمشاريع التجديدية التي ترفض في مرحلة معينة لا تعني أنها غير صالحة وأن قيادة الحركة قد اطرحتها، ولكن ربما يكون من التقدير الحكيم تأجيل بعض المشاريع إلى حين توفير شروط تحقيقها، لكن أيضا من الحكمة بالنسبة لأصحاب المشاريع التجديدية ألا يستعجلوا وأن تكون لهم من الأناة والصبر وطول النفس ما يجعلهم قادرين على المضي في الطريق والإصرار على تنمية العمل الإسلامي. أستاذ محمد الحمداوي هل يمكن أن تحدثنا عن مساهمة هذه التجربة التنظيمية في الوحدة بين حركة الإصلاح والتجديد ورابطة المستقبل الإسلامي؟ لما تم اتخاذ القرار بالوحدة كنت المشرف التنظيمي في المكتب التنفيذي المؤقت والمشترك، وكنت مكلفا بالملف التنظيمي بأكمله والذي كان يضم الهيكلة واللجنة الوطنية واللجنة الإدارية، وقد كان هذا الموقع الذي كلفت به يتطلب قدرا كبيرا من الاستيعاب (الاستيعاب الذي تحدث عنه لما كنا في المعهد الزراعي) ولم نجد غير تقنية تمام في بعض المحطات لتجاوز الإشكالات التي كانت تعرض لنا في نقاشات مكوني الإصلاح والتجديد ورابطة المستقبل الإسلامي. هل يمكن لكم أن تفسروا أكثر هذه الحيثية؟ في محطة الهيكلة على سبيل المثال، لم أطلب من الإخوة في الرابطة ولا الإخوة في حاتم أن يتحدثوا لنا عن إيجابيات الهيكلة التي كان يعتمدها كل مكون، ذلك أن هذه المنهجية لو اعتمدتها لدافع كل فريق عن هيكلته ولخرج النقاش بغير نتيجة، ولذلك فمن استفادتي من تقنية تمام طرحت السؤال مقلوبا وطلبت من الإخوة في المكونين أن يطرحوا المشاكل التنظيمية التي كانت تعترض لهم في هيكلتهم السابقة، ونقط الضعف في كل تجربة تنظيمية، والطبيعي أن كل مكون يريد أن يتخلص من نقاط الضعف التي كانت في هيكلته التنظيمية، لما جمعنا نقاط ضعف الهيكلتين طرحت عليهم السؤال: هل يمكن أن نجد هيكلة نتجاوز بها نقاط ضعف الهيكلتين السابقتين؟ وأحسست بعد طرح هذا السؤال أن الفريق الذي كنت اشتغل معه في هذه الورشة قد انخرط في المشروع الموحد ولم أترك الفرصة لأي الفريقين أن يتعصب لهيكلته. وهل ساهمت في لجنة المفاوضات التي سبقت الوحدة؟ لا، وكانت تضم أفرادا آخرين من حاتم وأفرادا من الرابطة.قبل سنة 1995, كان أربعة إخوة من حاتم يفاوضون أربعة إخوة من الرابطة. من كان الأربعة من حاتم؟ كان أحمد العبادي ومحمد يتيم وعبد الله بها وربما كان الرابع هو الأمين بوخبزة. وكان هؤلاء يجرون الحوارات مع إخوة الرابطة وينقلون لنا صورة هذه الحوارات وما استجد فيها. وهل نجح الأربعة في رسم خارطة طريق الوحدة؟ نعم تقدموا خطوات معتبرة في طريق الإعداد للوحدة غير أنها لم تكن حاسمة، ولذلك اقترحوا علينا صيغة أخرى يتواجد فيها كل الأطراف. أي صيغة؟ أي المعنيين بالأمر، وهما المكتبان التنفيذيان لحركة الإصلاح والتجديد ولرابطة المستقبل الإسلامي. ولماذا وصل الأربعة إلى الطريق المسدود وما هي النقطة الرئيسة التي نشأ عنها الخلاف؟ اختلفت وجهة النظر في منهجية إنجاز الوحدة ما بين رأي يقول بأن الوحدة ينبغي أن تتحقق من أسفل القاعدة ورأي يقول بأن الوحدة ينبغي أن تبدأ من القيادة وتنزل بعد ذلك تدريجيا إلى القواعد. وماذا كان موقف حاتم في هذا الموضوع؟ كانت حركة الإصلاح والتجديد تعترض على فكرة أن تبدأ الوحدة من الوحدات الدنيا وتصعد تدريجيا لتشمل المناطق والجهات وتصل بعد ذلك إلى الهيئات العليا، وكنا نقول إن هذه المنهجية لا يمكن أن تنجح، ولذلك طلبنا ترتيب لقاء بين المكتبين التنفيذيين للحركتين. كان ذلك سنة قبل الوحدة، أي في سنة 1995, لأننا قبل الإعلان عن الوحدة، كان لنا مكتب تنفيذي مشترك متم وقد دامت أعماله مدة سنة كاملة وتم إعلان الوحدة بعد ذلك مباشرة أي في غشت 1996, وقد اخترنا رئيسا لهذا المكتب. من كان الرئيس؟ كان هو محمد يتيم. وكيف تم اختياره؟ لما جئنا إلى اللقاء تبين أن أعضاء المكتب التنفيذي للإصلاح والتجديد كانوا مترددين في الاختيار بين اسمين لرئاسة المكتب التنفيذي المشترك وهما الدكتور أحمد الريسوني والدكتور الشاهد البوشيخي، بينما كان الإخوة في الرابطة حاسمين موقفهم في اختيار محمد يتيم. هل كانوا يريدون بذلك منع خيار اختيار عبد الإله بنكيران؟ ربما، وعلى كل حال فانتعاش الوحدة لم يتم حتى صار محمد يتيم رئيسا لحركة الإصلاح والتجديد، إذ بعد اختيار محمد يتيم كرئيس للحركة تحمس إخوة الرابطة لاستئناف الحوار وعبروا عن رغبتهم في الوحدة. وهل كان يحضر كل أعضاء المكتبين التنفيذيين؟ كان يحضر الجميع باستثناء الدكتور الشاهد البوشيخي الذي لم يحضر طيلة السنة التي اجتمع فيها المكتبان التنفيذيان لأسباب شخصية. وأين كنتم تعقدون هذه اللقاءات؟ عقدنا أول لقاء بفاس بمقر رابطة المستقبل الإسلامي، لكن بعد ذلك صرنا نجتمع في الرباط بمقر حركة الإصلاح والتجديد. وكيف كان يجري الحوار داخل هذا المكتب التنفيذي المشترك؟ كنا نحضر بعدد 22 فردا، وكان مما ناقشناه هو ضرورة أن نوجد قانونا داخليا، والمراحل التي ستمر بها الوحدة، ومن سيقوم بالمصادقة على الوحدة؟ ومتى سيتم عقد مجلسي شورى الحركتين في الحسم في الوثائق المقدمة إليهما. وكيف صادق مجلسا شورى الجماعتين على قرار الوحدة؟ بالنسبة إلينا في حاتم كان لنا تفويض من مجلس الشورى بتسريع عملية الوحدة، ولذلك كنا فقط نخبر الإخوة في مجلس الشورى بآخر المستجدات في هذا الملف، ولم نكن في حاجة إلى مصادقة جديدة ما دام مجلس الشورى قد صادق من قبل على قرار الوحدة وكلف المكتب التنفيذي بإمضاء هذا الخيار إلى مداه، أما الإخوة في الرابطة فقد عقدوا مجلس الشورى في الرباط، وطال اجتماعهم، وكان المقرر أن يمر علينا الدكتور أحمد الريسوني في مقر حركة الإصلاح والتجديد ليخبرنا بالقرار المتخذ داخل مجلس شورى الرابطة، وقد انتظرناه طويلا حتى ظننا أن الإخوة ربما لم يصادقوا على قرار الوحدة، لكن لم تترك زيارة الدكتور أحمد الريسوني هذا الظن ليستبد بنا، فسرعان ما بشرنا بأن الإخوة قرروا إمضاء الوحدة والمصادقة عليها. ألم تعرضوا في هذا المكتب التنفيذي القضايا التصورية الخلافية؟ كنا نناقش بالأساس الكيفية التي ستتم بها الوحدة، أما القضايا الخلافية فكنا نقدر أن لجانا ستعقد لحسمها، فكنا نقول مثلا بالنسبة للجانب التربوي، ستكون هناك لجنة تربوية مشتركة عي التي سيعهد إليها وضع رؤية تربوية وبرنامج تربوي للحركة الموحدة. يعني أجلتم كل القضايا الخلافية؟ نعم، إذ كان المهم بالنسبة إلينا هو ترتيب عملية الوحدة، والمصادقة على الوحدة، وما يجب فعله بعد المصادقة، وكيفية الإعلان عن الوحدة وكل ما يتصل بهذا الموضوع من ترتيبات. وإلى ماذا انتهيتم في الأخير؟ انتهينا إلى ضرورة تشكيل مجلس شورى مشترك، وأن تشكل الهيئات المشتركة مناصفة، وكانت العناصر الحاسمة في الوحدة ثلاثة: المرجعية العليا للكتاب والسنة، المسؤولية بالانتخاب، والقرار بالشورى، وكان من مقتضيات هذه العناصر أن يكون رصيد الحركتين رهن إشارة الحركة الجديدة. وكانت هذه فرصة أخرى لإجراء مراجعات كثيرة إذ كانت هناك بعض المسائل التي كنا نعتبرها من المسلمات والبديهيات لكن تبين لنا بعد ذلك أنها اجتهادات قابلة للأخذ والرد. ومن قاد بالفعل هذه الوحدة وسرع من وتيرتها؟ من فضل الله أن أوجد الله داخل الحركتين رجلين كانا يتمتعان بطاقة استيعابية كبيرة وهما الدكتور أحمد الريسوني من جهة رابطة المستقبل الإسلامي والأستاذ عبد اله بها من جهة حركة الإصلاح والتجديد، فقد كانا يستصغران كل الصعوبات، وكانا يعتبران كل الخلافات التي نشبت بين الإخوة في الطرفين أمورا عادية وطبيعية، وأيضا حينما يصل الإخوة إلى الطريق المسدود في قضية تصورية خلافية، فكان يتدخلان بحكمة ويذكران الإخوة بأن الجمع بين مكونين أمر له تبعات وأن ما يقع من خلافات هو أمر طبيعي ولا بد من تجاوزه والمضي إلى ما هو أكبر منه. كيف كانت منهجية التوحيد التي اعتمدتموها داخل المكتب التنفيذي المشترك؟ اتخذ القرار ببداية التوحيد من الهيئات العليا، وتشكيل هيئات مشتركة مناصفة. وهنا لا بد أن نشير إلى قضية هامة في هذا الموضوع، ذلك أن الذي كان يطرح فكرة المناصفة ويلح عليها هو الأستاذ عبد الإله بنكيران، إذ لما بدأنا نفكر في مجلس الشورى المشترك وتركيبته تدخل الدكتور أحمد الريسوني وقال يمكن أن يكون لحاتم عدد يزيد قليلا عن عدد الإخوة في الرابطة، وهنا تدخل الأستاذ عبد الإله بنكيران ورد عليه قائلا: لسنا هنا نجمع بين تنظيمين ولكننا نجمع بين مدرستين، وينبغي أن نكون حريصين على أن يمر رصيد المدرستين معا إلى الحركة الجديدة، وهذا يقتضي منا اختيار مبدأ المناصفة في الهيئات وهكذا تم تشكيل المكتب التنفيذي مناصفة ومجلس الشورى مناصفة والمكاتب الجهوية كذلك إلى أن وصلنا إلى أصغر وحدة في هياكل التنظيم بنفس المنهجية إلا المناطق التي لم يكن يوجد بها أحد المكونين فلم نجد بدا من أن نشكل الهيئة بمن يوجد من الإخوة من أحد المكونين، وكانت هذه مرحلة انتقالية دامت سنتين وفيها تم الاتفاق على وثائق الحركة الجديدة. وما هي المنهجية التي اعتمدت في صياغة هذه الوثائق واعتمادها؟ تم تشكيل مجموعة من اللجان عهدت إليها صياغة وثائق الحركة الجديدة كاللجنة التربوية واللجنة الإدارية وكان المسئول عن اللجنة يمثل مكونا ونائبه يمثل المكون الآخر، وأتذكر أننا خضنا نقاشا طويلا في مسألة التسمية بالمدينة أو المنطقة، وكنت أستغرب كثيرا من تمسك الإخوة بمصطلح أنتجوه بأنفسهم وصاروا يتعصبون له ولا يقوون على التحرر منه، وكان بعض الإخوة يستغربون كيف سلم المشرف التنظيمي محمد الحمداوي ذو السابقة في حركة الإصلاح والتجديد بمصطلح المنطقة ولم يختر مصطلح المدينة المعمول به في حركة الإصلاح والتجديد. كيف تنظرون إلى هذه الوحدة التي تم إنجازها؟ لم تكن الوحدة عملا سهلا، بل هي إنجاز تاريخي قام على مجهود فكري ونفسي واجتماعي، وعلى قيم أساسية قوامها التضحية ونكران الذات. كما أن مكاسب الوحدة بين تنظيمين مختلفين، لا يعني خلوها من بعض الخسارات، سواء على المستوى البشري، أو تأجيل بعض القضايا وتأخيرها، ومما سجلناه في مجال الكلفة الصعوبات النفسية الناجمة عن اضطرار أعضاء التنظيمين وهم يتخلون عن قناعاتهم ومواقفهم وكذا مواقعهم وارتباطاتهم الوجدانية والنفسية والثقافية والإنسانية لصالح الارتباطات والعلاقات الجديدة وفي النهاية فإنني أعتبر أن الوحدة شكلت مدرسة تطبيقية لمجموع المبادئ التي كنا نؤمن بها في التنظيمين المتوحدين، فهي مدرسة في المراجعات الفكرية الجريئة التي تمس العديد مما كان يعتقد بأنه مسلمات في العمل الحركي، ومدرسة في التحرر من الارتباط بالأشكال والأنماط الجاهزة، وأيضا مدرسة في الاعتراف بالرأي الآخر والإنصات لتجربته ولأفكاره، وأيضا مدرسة في تمثل آداب الشورى والتدريب على الاستعمال الفعلي لآليات حسم الخلاف.