أشار محمد الحمداوي في حواره لملاحظة جديرة بالتأمل، وهي أن النخبة التي تكون متحفظة أو مغرقة في الخصوصية حين يتاح لها الفرصة أن تستوعب الأفكار، تنخرط فيها بكل قوة ويكون مستوى تنزيلها لهذه القناعات الجديدة أكبر من مستوى أداء صانعيها. ملاحظة ذيلها الأخ محمد الحمداوي بمثالين اثنين: الأول ويظهر في تجربة الإخوة في المعهد الزراعي، إذ كانت الغالبية تنظر إلى العمل الطلابي نظرة سلبية، وترى أن الحوار مع اليسار ومقارعته نظريا من خلال الحلقات والمسامرات الليلية هو مضيعة للوقت، وربما فيه أهدار للرصيد التربوي الذي كونه الإخوة في المحاضن التربوية، في حين كانت الأقلية تقتحم هذا الميدان وتخوض المعارك الحقيقية. وحين زال تحفظ الأغلبية، وزالت كل موانع الانخراط في هذا العمل صار العمل الطلابي الإسلامي بالمعهد الزراعي يضاهي عمل اليسار في المدرسة المحمدية للمهندسين، بل استطاع أيضا أن يخرج كفاءات وطاقات تحتل الآن مواقع مهمة في العمل السياسي والحركي والجمعوي. المثال الثاني الذي ساقه الأخ محمد الحمداوي، ويتعلق بإخوة القنيطرة الذين كانوا مغرقين في الخصوصية، خصوصية المدينة، وخصوصية القطاع، وربما خصوصية الحي، وينضاف إلى كل ذلك إلى خصوصية التربية التي كان الأستاذ أحمد الديني يربي بها الإخوة. مهمة البحث التاريخي أن تناقش المنهجية التي تم بها التغلب على كل هذا الخصوصيات والطريقة التي تم بها إدماج الإخوة في محيط الجماعة الإسلامية، والمهمة الأكبر هو أن يتتبع البحث التاريخي كيف استطاع هؤلاء المتحفظون المغرقون في الخصوصية أن يلعبوا الدور الأكبر في إرساء قناعات الجماعة الإسلامية والتبشير بها وإدخال معاملات جديدة لتنمية رصيدها. غاية في الأهمية أن يترصد البحث كيف التقت عقيلتان متناقضتان: عقلية متحفظة كان يمثلها الإخوة في القنيطرة، وعقلية لا تراعي جهاز استقبال المتلقي وتطرح الأفكار الصادمة دون تدرج وكان يمثلها الأستاذ عبد الإله بن كيران. غاية في الأهمية أن نتتبع أطوار المخيم الذي جمع لأول مرة إخوة القنيطرة بالأستاذ عبد الإله بنكيران دون سابق تعارف أو ترتيب، وكيف التقت العقليتان؟ وإلى ماذا أفضى اللقاء بعد ذلك؟. لكن الأهم من ذلك كله هو دراسة التحول النفسي والفكري الذي عاشه إخوة القنيطرة من أحضان الأستاذ أحمد الديني إلى مواقع الإبداع والريادة داخل الجماعة الإسلامية. ملاحظة الأستاذ محمد الحمداوي جديرة بأن تدخل إلى مختبر علم الاجتماع، ليتم دراسة كيفية تحول الجماعات من الأنماط الستاتيكية الجامدة إلى الأنماط المتحركة الدينامية، وما هي القواعد المتبعة لتيسير العبور إلى الضفة