يمكن أن يلاحظ المتتبع للشأن الحركي الإسلامي أن رسالة الأستاذ محمد الحمداوي رئيس حركة التوحيد والإصلاح إلى الحركة الإسلامية الموريتانية ليست رسالة بروتوكولية عادية تستحضر ما اعتاد اي مكون سياسي أن يدبجه من حبارات الحفاوة والتبريك اتجاه حركة صديقة، ولكنا رسالة ذات مضمون سياسي عميق تستحضر اللحظة السياسية في المنطقة المغاربية براهنيتها ومعوقاتها وتداعياتها على وضع الحركة الإسلامية، فقد تضنت في جزء منها تشخيصا للوضع الذي تعيشه الحركة الإسلامية في المنطقة المغاربية حين تحدثت عن جدار العزلة الذي تريد بعض الأنظمة السياسية أن تفرضه على الحركات الإسلامية، نتيجة للضغط الخارجي أو لإرادة الهيمنة والاستقواء السياسي، كما تضمنت العناوين الكبرى التي ينبغي للحركة الإسلامية أن تخذها أولوية في المرحلة السياسية الراهنة وهي العمل من خلال اوعاء الوطني إلى جانب المكونات الأساسية للمشهد الوطني وهو وهو التصور الذي يعتبر أن معركة التنمية والنهضة كما رهان الاستقرار والإشعاع الحضاري هي معركة كل السواعد ومن مختلف الأطياف السياسية الوطنية، ويتوسل من أجل تحقيق هذا الرهان التقاء إرادتين للإصلاح ممثلة في وطنيي النخبة الحاكمة وإصلاحيي القوى الإسلامية الوسطية. وهي رسالة ذات مدلول سياسي عميق مفادها أن عنوان الإصلاح في المنطقة المغاربية لن يتم من خلال إقصاء أهم مكون من مكونات الفعل السياسي الوطني وهو التيار الوسطي الإصلاحي الإسلامي، لكن هذا اللقاء لا بد له من إرادة تتجسد من جهة الإسلاميين في الرفع من منسوب الوعي الوطني والتعالي في تنزيل قرار المشاركة عن منطق المحاصصة والصراع على عدد المناصب الوزارية وتغليب المنطق الوطني والنفس التوافقي في صناعة مستقبل البلاد. على أن أهم إشارة سياسية وردت في الرسالة هي حديث الأستاذ محمد الحمداوي عن ضرورة التحرر من المنطق الانتظاري الذي في الغالب ما يلتمس العديد من المبررات لتبرير خيار البقاء في موقع المعارضة. هذا ويمكن أن يلمس المحلل لهذه الرسالة ذات الأبعاد السياسية العميقة أن عنصر التعليل حاضر فيها بقوة خلافا لرسائل البروتوكولية، فقد اخرط الأستاذ محمد الحمداوي في ذكر محموعة من الاعتبارات المرجحة لخيار المشاركة منها ما أشرنا إليه مما يتعلق بفك جدار العزلة عن الحركة افسلامية، ومنها ما يتعلق بضرورة تدشين الحركة الإسلامية للبنات متواصلة على مستوى تعزيز الوحدة الوطنية استلهاما عميقا لمبدأ المشاركة، وتكريس خيار الديمقراطية والإسهام في تنزيل المشروع المجتمعي الإسلامي على أرض الواقع، من موقع التسيير الحكومي وما يرتبط بذلك من تحديات جمة وصعاب كثيرة.وقد حرصت الرسالة لأن تشير ضمنا إلى التحدي الكبير الذي سيواجه الحركة الإسلامية والمتعلق بقضية قطع العلاقة مع الكيان الصهيوني، وفضلت أن ترمز له بلفظة العوائق والتحديات، واعتبرت المشاركة ضمن هذا السياق السياسي خيارا صعبا لكنه التقدير المصلحي الأصوب والأنجع حسب قيادة حركة التوحيد والإصلاح، لأن البقاء في موقع الانتظارية لن يحل المشكلة، والخيار الوحيد لمواجهة مثل هذه المعضلات يكون بمشروع سياسي يحمله رجال أقوياء ويتضمن أفكارا جريئة مبدعة وقادرة على رفع التحدي، ولعل عبارة فلتكن - إن شاء الله - انطلاقة لها ما بعدها من المبادرات المبدعة والمشاريع النوعية ذات دلالة سياسية كبيرة، إذ أن المعركة تبدأ بخطوة لا تنتهي عندها، وإنما هي حلقات متواصلة من الممارسة السياسية إلى جانب الشرفاء والقوى الوطنية الإصلاحية في البلاد.