بخطى سريعة وآمال عريضة رسمت على الضفة الأخرى ، على فرنسا معقل الأمنيات وملتقى الأحلام لشباب عاشوا في المغرب بأجسادهم أما عقولهم فتتجول بين أزقة باريس الباردة، توجه أحمد صوب إحدى المقاهي في وسط مدينة مكناس ليلتقي بالمدعو (أ.ع) وكله آمال بأن الفرج قريب وأن الوصول إلى الضفة الأخرى مسألة وقت ليس إلا. أخذ مكانه إلى جانب (أ.ع) الذي استقبله بابتسامة عريضة وبتحية باردة قائلا له حتى أنت تريد هجر هذا الوطن تجاوب أحمد مع كلام مخاطبه، وبدأ يسرد له معاناته مع البطالة وكيف أنه رغم حصوله على الإجازة فهو مازال يبحث عن عمل، تعاطف (أ.ع) معه و وعده أنه سيقدم له يد العون والمساعدة، توسم أحمد خيرا في محدثه الذي عرف نفسه أنه رجل أمن بالديار الفرنسية وله علاقات واسعة مع شخصيات نافذة هناك، وأنه في المغرب لمدة محددة بحثا عن سواعد قوية للعمل بضيعات فرنسا، رحب أحمد بالعمل المقدم إليه الذي كان إلى وقت قريب يرفض حتى مجرد التفكير به في وطنه ولكن لابأس إن كان في وطن الغير ، انتهى اللقاء وعاد أحمد إلى منزله بوعود وأحلام نشر بذورها على كل من التقاه في طريقه، غير أن هذه الفرحة لن تستكمل إلا بتقديم الدفعة الأولى من المبالغ المالية التي حدد إجمالها في 000,80 درهم لتغطية نفقات تكوين الملف وإرسال الفاكسات. تجشم أحمد المتاعب والمشاكل من أجل جمع المال واقترض من الأصدقاء وباع ما يملك من منقولات على أمل أن يعوضها يوما بعد رجوعه من فرنسا إلى وطنه. تكررت اللقاءات بين (أ.ع) وأحمد وفي كل لقاء يقدم المدعو(أ.ع) وثائق وأوراق متعلقة بالقنصلية الفرنسية لأحمد موهما إياه أنه يبذل قصارى الجهد لمساعدته في اجتياز الضفة الأخرى ولكل لقاء كان ثمن. وفي إحدى اللقاءات توجه (أ.ع) رفقة ضحيته إلى القنصلية الفرنسية بالرباط وهناك أمره بانتظاره في إحدى المقاهي المجاورة لبناية القنصلية، ولج (أ.ع) القنصلية وبعد مرور بضع لحظات خرج منها متجها صوب أحمد بابتسامة عريضة وكلمات مطمئنة بأن الأمور جرت على خير ما يرام، ضاربا له موعدا بتسليمه أوراق سفره وعمله بفرنسا بعد استيفائه لجميع المبلغ المتفق عليه، ليعود بعدها أحمد أدراجه وكله فرح وسعادة مستعدا لجمع حقائبه وتوديع الأحباب والأصدقاء. وعند حلول الموعد المتفق عليه اتجه أحمد نحو المقهى الذي اعتاد الالتقاء فيه بالمدعو(أ.ع) لكنه لم يجده، وتكررت زياراته إلى نفس المكان دون جدوى، ليجد نفسه في الأخير أنه كان ضحية نصب واحتيال، تقدم أحمد بشكاية في الموضوع لدى مصالح الأمن بمكناس ليكتشف أنه ليس الضحية الوحيدة لهذا النصاب فقد سبقه في ابتلاع الطعم مجموعة من الشباب والنساء الذين تمكن من سلبهم مبالغ متفاوتة وصلت إلى 00,000,18 درهم وبعد التحريات ألقت مصالح الأمن بمكناس القبض على المشتبه فيه وبحوزته عدة وثائق تخص ضحايا آخرين الذين تم الاستماع إليهم في محاضر رسمية أكدوا من خلالها أنهم تعرضوا للنصب من طرف الشخص الموقوف الذي تعرفوا عليه، وعند مواجهته بالمنسوب إليه اعترف باحترافه النصب على ضحاياه إضافة إلى سرقته خاتم إحدى الضحايا التي وعدها بالزواج لتتم إدانته وإحالته على الغرفة الجنحية بالمحكمة الابتدائية بمكناس. حتى ضيوف الرحمان وفي قضية ذات صلة، قضت الغرفة الجنحية بالمحكمة الابتدائية في قلعة السراغنة، في شهر يناير المنصرم بسنتين وستة أشهر حبسا نافذا لكل واحد منهما، في حق ممرض وزوجته، وذلك بعد إدانتهما بتهم النصب والاحتيال على أزيد من 30 شخصا، أوهموهم بالسفر إلى الديار السعودية لتأدية مناسك الحج، إضافة إلى الارتشاء والمساعدة على القيام بأعمال موكولة إلى وكالة أسفار من دون رخصة، كما حكمت على المتهمين، برد المبالغ المختلسة من الضحايا، وتعويض مدني قدره 3 آلاف درهم لكل حاج. وكانت الغرفة نفسها، رفضت خلال جلسة النطق بالحكم، التي عقدت بعد ظهر الخميس الماضي، الملتمس الذي تقدم به دفاع المتهمين(الممرض وزوجته)، بمنحه مهلة زمنية من أجل تمكن المتهم وزوجته من تدبير الأموال لإعادتها إلى أصحابها. كما رفضت الهيئة القضائية ملتمسا آخر تقدم به الدفاع، يرمي إلى تمتيع موكليه بالسراح المؤقت. وبلغت الأموال التي حصل عليها المتهمان من عملية النصب، إلى ما بين 32 ألف درهم و120 ألف درهم، إضافة إلى مبلغ 200 وطابع وظرف بريديين عن كل واحد أدوها كواجب حقنة قبل السفر. وتعود وقائع هذا الملف إلى بداية شهر يناير، حين تقدم أحد الضحايا من مصلحة الشرطة القضائية بقلعة السراغنة ليسجل شكاية بأحد الأشخاص، يعمل ممرضا، يتهمه فيها بالنصب عليه رفقة زوجته، حين أوهمه بالسفر لأداء مناسك الحج في السعودية، وأنه سلمه مبلغا ماليا مهما وسرق منه المال والوثائق أيضا لتفتح مصالح الشرطة تحقيقا في مضمون الشكاية، وأثناء التحقيق، تقاطرت على مصلحة الشرطة مجموعة من الشكايات المماثلة في الوقائع والتفاصيل، والتي تأكد من خلالها، تعرض الحجاج للنصب والاحتيال بالطريقة ذاتها، إذ تداول اسم المحتال كثيرا على ألسنتهم أمام أفراد الشرطة. وكشفت التحقيقات أن الشخص الذي مارس النصب، يعمل ممرضا بالمستشفى الإقليمي لقلعة السراغنة، وتوجهت محاضر الاستماع إلى النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بالمدينة، فأمرت النيابة بإلقاء القبض على المتهم وإحالته على التحقيق رفقة زوجته. وأثناء التحقيق، أصر المتهم على إنكار نيته في القيام بعملية النصب على الضحايا، مؤكدا أن عملية التكفل بإحضار التذاكر، كانت منوطة بشريكين له وطالب المتهم بمتابعة شريكيه واعتقالهما، بعد أن أدلى بمواصفتهما وأرقام هواتفهما وأرقام السيارات التي كانا يمتطيانها، مشيرا أن أحدهما يعمل بوكالة للإسفار، والثاني يعمل كمحامي وهما من سرقا المبالغ المالية ووثائق الضحايا. لكن التحريات المباشرة كشفت أن شريكي المتهم، مجرد شخصيات وهمية لإبعاد التهمة عنه. وبعد انكشاف حقيقة ادعاءاته، اعترف المتهم أن عملية استقطاب الضحايا ابتدأت منذ شهرين تقريبا، حين انتقل رفقة زوجته إلى وكالة أسفار ببرشيد لشراء تذاكر السفر إلى الديار السعودية لأداء مناسك العمرة أو الحج من قلعة السراغنة، وهناك تعرفا على مدير الوكالة، الذي أخبره بتوفره على العديد من زيارات المجاملة، وأنه يسعى لتسفير العديد من السكان بواسطة الحصول على فرصة الذهاب لأداء مناسك الحج بشكل مجاني عن طريق وكالة الأسفار، وطلب منه أن يجمع له الراغبين في السفر، فتكلف المعني رفقة زوجته بجمع الحجاج الراغبين في الذهاب إلى بيت الله الحرام، بعد أن تأكد من صدق مدير الوكالة الذي جعله يطلع على بعض الوثائق والتذاكر وبعض الإعلانات الإشهارية التي تخص حملته. وبالفعل استطاع المحتال رفقة زوجته جلب الراغبين في السفر خاصة ممن لم يتمكنوا من الحصول على فرصة في القرعة التي تجريها الوزارة، وطلب منهم إحضار مجموعة من الوثائق الرسمية ومبالغ مالية قدرت بالملايين. واعترف المتهم (الممرض) أن جل الضحايا هم من الذين لم يسعفهم الحظ في التوجه لأداء مناسك الحج بالسعودية إبان القرعة الوطنية، إذ بلغ عدد الأشخاص ما يفوق 400 شخص. وأضاف أنه بعد حقنهم بالحقنة تسلم منهم المبالغ المالية والوثائق الرسمية من جوازات سفر ووثائق أخرى، ثم سلمها إلى شريكه، الذي اتصل بهم ورافقهم إلى السفارة، وعرفهم على المحامي، لكنه عندما دخل إلى الوكالة لم يخرج منها، واختفى رفقة المحامي المزيف عن الأنظار.