ولعل حضور بعض الأسماء وغياب أخرى أثار حفيظة بعض الكتاب حتى أولئك الذين يشاركون في هذه التظاهرة ممن وجهت لهم وزارة الثقافة الدعوة، فأصدروا بيانا يشجبون فيه ما أسموه غياب الشفافية والموضوعية في اختيار الأسماء المشاركة في هذه الأنشطة . وفي هذا الصدد، قال القاص والناقد سعيد بوكرامي في كل سنة ينعقد معرض الكتاب، ويكون مناسبة للتعارف واكتشاف الكتاب الجديد، وخلق نوع من دينامية القراءة والنشر، وبموازاة مع ذلك، تتم ندوات ولقاءات وموائد مستديرة لكتاب مغاربة، عرب وأجانب. لكن المؤسف أن كل سنة نفاجأ بتكريس نفس الأسماء التي تدور في فلك المعرض وفعالياته. ليست حاضرة عن استحقاق، بل تفرضها علاقة الصداقة والمصالح المشتركة. ويضيف بوكرامي الذي وجهت له وزارة الثقافة دعوة للمشاركة في لقاء مع مبدع إذ سيقوم بتنسيق لقاء مع الكاتب المصري سعيد الكفراوي، وأكيد أن الكتاب المغاربة في مجملهم يتذمرون صامتين من التجاوزات التي تمارسها وزارة الثقافة ولجنة المعرض التي تتعمد إقصاء مجموعة من الكتاب المغاربة، وتقترح كتابا آخرين أغلبهم ليست لهم إصدارات جديدة، وإنما يحضرون لعقد صفقات والفوز بامتيازات على هامش المعرض، لهذا نشجب مثل هذه الظواهر الثقافية السلبية التي تسيء إلى الثقافة المغربية. ومن الكتاب الذين لم توجه لهم الوزارة الدعوة، واعتبروا أنفسهم مقصيين ومهمشين الكاتبة مالكة عسال التي قالتسبق وأن صرحت بذلك في أكثر من منبر إعلامي، فنفس الأسماء تكرس دون أن تضيف أشياء جديدة، بينما المبدعين الشباب لم ينضب حبرهم، ومواضيعهم تتميز بالرقي والتنوع وهي تغني الساحة الثقافية دون أن يتم الالتفات لهم سواء في النشر أو التشجيع أو دعوتهم إلى لقاءات مثل المعرض الدولي للنشر والكتاب. وتزيد عسال لقد أضحت مثل هذه المناسبات حكرا على بعض الأسماء، وكأنها ملكية خاصة، اشتروها وهيمنوا عليها، أو فوتت لهم بالوراثة، وحضورهم مرتبط بالزبونية والعلاقات المشبوهة والمصالح المتبادلة. أما القاص والروائي مصطفى لغتيري المشارك في دورة هذه السنة في مائدة مستديرة مخصصة لتجارب أدبية رفقة مجموعة من المبدعين، فيقول لاحظنا نفس الأسماء المكرسة، ونفس الوجوه تتكرر دون أن يكون هناك أسماء شابة. لقد ظهر جيل جديد في عالم الكتابة وعليه أن يأخذ حقه. ومن خلال طبيعة الندوات يبدو جليا منطق المحاباة في اختيار بعض الأسماء وتغييب أخرى. ويدعو لغتيري إلى الانفتاح على الأسماء الشابة التي تحفر مسارا عميقا في جسم الثقافة المغربية، يبدو ذلك من خلال الأصوات النقدية الجديدة والأبحاث في العلوم الإنسانية والاجتماعية والطاقات الإبداعية التي تحصل على جوائز من خارج المغرب، وتمثل بذلك الثقافة المغربية خير تمثيل، إضافة إلى اشتغالها الدؤوب داخل الساحة الوطنية بتجشمها عناء التنقل نحو المدن المهمشة ومحاولة خلق نوع من الحراك الثقافي داخلها. في حين تقول القاصة والروائية الزهرة الرميج التي لم توجه لها الدعوة هذه السنة بالنسبة للتشكيلة المكونة للمعرض هذه السنة، ما ألاحظه هو التركيز على نفس الأسماء باستمرار، وتغييب أسماء أخرى قد تكون لكتاب معروفين، وقد تكون لكتاب شباب، بدأوا حياتهم الإبداعية لكن بتميز، ويستحقون دعوتهم من أجل تشجيعهم، وكأني بالوزارة تحتفظ في أرشيفها بقائمة لكتاب معينين تعيد إخراجها كلما حان وقت المعرض دون أن تكلف نفسها عناء البحث عن الأسماء الجديدة التي أصبحت تلعب دورا مهما في تأثيث الساحة الثقافية في المغرب. وتضيف الكاتبة بالقول هذه الطريقة في التعامل تعني أن الثقافة في حد ذاتها بالنسبة للوزارة ليست هي الأهم، المهم أن تكون قد قامت بنشاط ما، لكن ما نوعية هذا النشاط؟ وما تأثيره؟ وهل سيساهم في بلورة تصورات جديدة؟ كل هذه الأشياء ليست أولوية وليست ذات قيمة، ما يعني أن سياسة وزارة الثقافة تعتمد في أساسها على الارتجال. هذا وحاولنا الاتصال بوزارة الثقافة لأخذ رأيها في الموضوع والتعرف على وجهة نظرها، لكن هاتفها ظل يرن دون أن يرفع أحد السماعة. عبد السلام المودني نص البيان الاستنكاري بعد اطلاعهم على برنامج الأنشطة الموازية للمعرض الدولي للكتاب، استغرب مثقفون مغاربة سياسة الإقصاء من الأنشطة، التي نهجتها وزارة الثقافة تجاه أدباء ونقاد و باحثون مغاربة، لهم تميزهم وحضورهم الفعال في المشهد الثقافي المغربي. وإذ يستنكر هؤلاء المثقفون غياب الشفافية والموضوعية في اختيار الأسماء المشاركة في هذه الأنشطة، ينبهون إلى خطورة وتبعات هذا التوجه على الوضع الثقافي في بلادنا.. رجاءً.. أنقذوكم! في الأسبوع الماضي، احتلت صورة إحدى الفتيات المراكشيات حيزا هاما على صفحات الجرائد، وأخذت قسطا وافرا من اهتمام المواطنين الذين وبدون شك تعاطفوا مع حالتها، واستنكروا ما تعرضت له حين اعترض سبيلها وقريبة لها مجموعة من الشبان المدججين بالطيش والأسلحة البيضاء، ليقوموا بالاعتداء عليها أمام مرأى ومسمع كل من مر بالقرب من مكان الحادث. من المؤسف فعلا أن تتعرض فتاة في مقتبل عمرها إلى الطعن أكثر من مرة وفي أكثر من مكان، لكن الذي يبعث على الخوف فعلا هو أنها تعرضت لذلك في واضحة النهار وأمام المارة دون أن يحرك أحدهم ساكنا وكأن ما يحدث لايعنيهم، أو كأنما يشاهدونه هو مشهد من فيلم أمريكي عنيف على شاشة كبيرة اسمها الشارع. والشارع المغربي، بدأ يحفل للأسف الشديد، بمثل هذه المظاهر حيث يقف الناس متفرجين بما في ذلك رجال الشرطة كما حدث مع فتاة مراكش عندما استنجدت بهم وأخبروها أن الاعتداء لا يقع في مساحة اشتغالهم. والاعتداء أنواع، فكنا نسمع عما يحدث في الحافلات حيث يقف الركاب متفرجين على اللصوص وهم يقومون بأعمالهم مالم يتعرضوا هم للسرقة. ومرد ذلك إلى الخوف أحيانا من أن يكون اللص مرافق بشخص أو أكثر علما بان الحافلة تضم العشرات الذين من المفروض أن يكونوا مرافقين للضحية، لكن السلبية ومبدأ شوف واسكت يجعل الأغلبية الصامتة أقلية ناسين أن اليوم على الآخر وغدا عليك. وكم سمعنا أيضا عن الاعتداءات اللفظية التي تخلف الجروح نفسها على المعتدى عليه، وأحيانا من قبل أناس يضعون ثيابا محترمة، فيتحرشوا بهاته الفتاة أو تلك دون أن يتدخل أحد. والظاهرة ليست مغربية، إذ كتب محمد خير الدين في يومياته التي ظهرت بعد وفاته بعنوان الهدهد الطليق: في شارع ماجينطا من الجانب الآخر لساحة الجمهورية شاهد بعض المارة شخصا يغتصب فتاة فوق الرصيف. لم يكن يكثرت بأحد. ولاأحد منهم أقدم على فعل شيء الحقير، يغتصب فتاة أمامكم ولم تفعلوا أي شيء؟، وماذا تريني أن أفعل في مثل هذا الموقف الصعب؟ فلربما استل سلاحا وأرداني قتيلا. كلا هذا فوق طاقتي. شاهدت قبل مدة في وثائقيا عن ظاهرة غريبة بأحد أسواق المكسيك حيث يهاجم عشرات الأطفال أناسا، ويسلبونهم كل ما يمكلون، بما في ذلك ملابسهم، دون أن يستطيع أحد فعل شيء، وإذا ماقاوم فإنه يضرب، ويطرح أرضا. يحدث كل هذا بسرعة كبيرة ودقة متناهية تماما كأسماك البيرانا حين تهاجم فريستها بطريقة جماعية. نخشى فعلا أن تصير شوارعنا كأحد أسواق المكسيك وأن نغدو كفرائس البيرانا.