جاء تقرير لجنة فينوغراد حول الحرب الإسرائيلية ضد لبنان صيف سنة 2006 ليوجه مرة أخرى صفعة للمتشككين والطاعنين في انتصار المقاومة اللبنانية، وإنكسار المخطط الصهيوني، بل واعترف بعجز إسرائيل بجيشها المتطور عن هزم تنظيم أنصار شبه عسكري وصغير . فقد اعتبر تقرير لجنة التحقيق الاسرائيلية الذي نشر يوم الاربعاء 30 يناير ان حرب ال 34 يوما شكلت اخفاقا كبيرا وخطيرا . وجاء في التقرير حسب ما ورد في الخلاصات التي تلاها رئيس لجنة التحقيق القاضي المتقاعد الياهو فينوغراد ان هذه الحرب شكلت اخفاقا كبيرا وخطيرا لقد كشفنا وجود ثغرات خطيرة على أعلى مستويات الهرمية السياسية والعسكرية معتبرا ان العملية البرية التي شنها الجيش الاسرائيلي داخل الاراضي اللبنانية خلال الايام الاخيرة من الحرب لم تحقق اهدافها . واضاف التقرير ان الدخول في الحرب من دون وضع استراتيجية للخروج شكل ثغرة خطيرة مشيرا الى ان ادارة الحرب كانت متعثرة على المستويين السياسي والعملاني وخصوصا على مستوى القوات البرية . وتابع التقرير ان اللجنة تجنبت تحميل مسؤوليات شخصية الا ان هذا لا يعني انها غير موجودة . واعتبر التقرير ايضا ان الجيش اخفق في ادارته للحرب ولم يقدم للقيادة السياسية نتائح يمكن الاستفادة منها على المستوى السياسي موضحا ان الجيش لم يتمكن من وقف اطلاق صواريخ حزب الله على اسرائيل. فشل أقوى جيش في الشرق الأوسط وقال إن إسرائيل خرجت إلى حرب طويلة بادرت إليها، وانتهت الحرب بدون أن تنتصر إسرائيل بشكل واضح من الناحية العسكرية. وصمدت منظمة شبه عسكرية طوال أسابيع في وجه الجيش الأقوى في الشرق الأوسط، وتواصل إطلاق الصواريخ طوال فترة الحرب، بدون أن يوفر الجيش أي رد فعال على ذلك. وحصل تشويش في حياة السكان، وغادر عدد كبير من السكان بيوتهم وجلسوا في الملاجئ. وبعد فترة جرت فيها عمليات محدودة، ومع اقتراب موعد وقف إطلاق النار، خرجت إسرائيل في حملة واسعة لم تحقق النتائج التي كانت مطلوبة منها. وجاء التقرير في 600 صفحة وبني استنادا الى 74 شهادة قدمها مسؤولون سياسيون وعسكريون وخبراء. وأفادت مصادر إسرائيلية ان هناك حوالي 62 صفحة اضافية في التقرير لم تنشر لتضمنها معلومات سرية رأت اللجنة حجبها للحفاظ على أمن الكيان الصهيوني. ولا يدعو التقرير صراحة الى استقالة اولمرت الذي كان التقرير الاولي الذي صدر الربيع الماضي قد اشار الى مسؤوليته عن اخفاقات الحرب في لبنان. وعقب التقرير الاولي قدم عدد من المسؤولين استقالاتهم وهم وزير الدفاع السابق عمير بيريتس ورئيس الاركان السابق الجنرال دان حالوتس وقائد الجبهة الشمالية الجنرال عودي آدم وقائدا فرقة. وتعمد اولمرت مرار خلال الايام القليلة التي سبقت نشر التقرير التأكيد على انه باق على رأس الحكومة بعد ان استفاد حسب قوله من اخفاقات هذه الحرب. وقالت اللجنة إنها تترك الحكم للجمهور وللساحة الحزبية. وأوصت بتغيير جذري في آلية اتخاذ القرارات وبتغيير منهجي وعميق في طرق العمل على المستويين السياسي والعسكري ونقطة التماس بينهما سواء في الأيام العادية او في أوضاع الطوارئ. واضاف القاضي فينوغراد ان إسرائيل لن تكون قادرة على البقاء في المنطقة بسلام من دون أن يقتنع غيرنا بقدراتها العسكرية التي تمنحها الردع. واضاف أن محاولات التوصل إلى سلام أو تسوية يجب أن تأتي من منطلق القدرات العسكرية التي تمنحها الردع ومن المناعة الاجتماعية والسياسية والقدرة والاستعداد للقتال من أجل الدولة والمحافظة على قيمها وعلى أمن مواطنيها. وكانت الحكومة وافقت على تشكيل لجنة التحقيق تحت ضغط الرأي العام. وبعيد انتهاء المعارك طالب الالاف من جنود الاحتياط بتشكيل لجنة تحقيق تنظر في اخفاقات هذه الحرب التي استغرقت اكثر من شهر من 12 يوليو الى 14 اغسطس 2006 وقامت بها اسرائيل ضد حزب الله في لبنان. واوقعت هذه الحرب اكثر من 1200 قتيل في لبنان غالبيتهم من المدنيين في حين سقط 160 قتيلا لدى الجانب الاسرائيلي غالبيتهم من العسكريين. وفي أول رد من جانب حزب الله على التقرير قال النائب حسن فضل الله إن مقاطع سرية حذفت من تقرير لجنة فينوغراد، تشير إلى التواطؤات الخارجية السياسية، سواء الأمريكية أو مع بعض الأطراف التي شجعت الكيان الإسرائيلي على الاستمرار في الحرب. وأضاف أن هذه المقاطع السرية تخفي الكثير من الفضائح السياسية التي يمكن أن نراها في المنطقة العربية، وعلى مستوى المجتمع الدولي. كما قال المتحدث باسم حركة حماس فوزي برهوم إن التقرير كشف عن هشاشة وضعف الكيان الإسرائيلي وكرتونية المؤسسة العسكرية والسياسية، واعتبره حافزا للتمسك بالمقاومة. وسجل الملاحظون ان التقرير ولإعتبارات سياسية واضحة تجنب اعترافا حاسما بهزيمة جلية، وفي توزيعها لمسؤوليات الإخفاق والفشل الكبير التي تفادت اعتبارها هزيمة معلنة، آثرت لجنة فينوغراد القول إن الدخول في الحرب كان من دون وضع استراتيجية، مما شكل ثغرة كبيرة، وإن إدارة الحرب كانت متعثرة على المستويين السياسي والعملياتي وخصوصا على مستوى القوات البرية. وقال رئيس لجنة الداخلية في الكنيست، أوفير بينيس، إن التقرير خطير جدا، ويتحدث عن إخفاق هائل، وأن اللهجة المعتدلة التي تحدثت بها اللجنة تعود إلى ممارسة ضغوط شديدة على أعضاء اللجنة. مستقبل حكومة أولمرت اذا كان أولمرت قد تنفس الصعداء لأن التقرير لم يوجه اليه إتهامات أساسية تجبره على الإستقالة، فإن معركته الأساسية على الجبهتين السياسية الداخلية والإعلامية ستكون الحفاظ على ائتلافه وإقناع ايهود باراك وزير الدفاع ورئيس حزب العمل بعدم الانسحاب فيما يجب الالتفات الى موقف الإعلام العبري النافذ في حجم الرد الشعبي والذي لا يوليه اولمرت إلى الآن اهتماما خاصا. ويبقى المفتاح في يد باراك الذي تحدثت أوساطه عن تخبطاته في اتخاذ القرار المناسب، والذي صرح ان رئيس الوزراء لا يتحمل بمفرده المسؤولية عن أي اخفاقات في اشارة الى أنه لن يستمع للمطالب من أعضاء حزب العمل باسقاط الحكومة اذا انتقد التقرير أولمرت. ونقلت وسائل الإعلام عن أحد قياديي حزب العمل أن باراك لا يعرف حقا ما عليه أن يفعل. وأضاف آخر أن باراك بتعهده لناخبيه بالانسحاب بعد صدور التقرير إنما أوقع نفسه في شرك ليس سهلاً الخروج منه وأنه لم يكن يعني ما يقول. وأشار إلى أن وزير الدفاع يدرك اليوم أن انسحابه من الحكومة لا يمنحه أو يمنح حزبه شيئا ايجابيا على ضوء استطلاعات الرأي التي تشير إلى أن العمل سيلقى الهزيمة أمام ليكود في الانتخابات المقبلة وعندها سيتهم باراك بأنه ساعد اليمين المتشدد على الإمساك بالحكم. سواء سقطت حكومة أولمرت أم لم تسقط فإن تقرير لجنة فينوغراد أكد مرة أخرى أن المقاومة سواء في لبنان او فلسطين أو في أي ساحة مواجهة أخرى مع العدو الصهيوني أو غيره من القوى الطاغية والمستعمرة، قادرة وبإمكانيات قليلة ولكن بإعداد وتخطيط جيد ان تكسب المعركة. معركة تحرير جنوب لبنان التي انتهت في شهر مايو 2000 بإنسحاب مهين للجيش الإسرائيلي الى داخل حدود فلسطينالمحتلة، والإنسحاب الإسرائيلي من غزة في 11 سبتمبر 2005 بعد احتلال دام 38 عاما، وشمل إزالة 21 مستوطنة من القطاع مثالان حديثان على ما يمكن ان تحققه المقاومة. بضعة آلاف من المقاتلين صمدوا في وجه الجيش الأقوى في الشرق الأوسط، والذي يحظى بتفوق جوي مطلق ومزايا في الحجم والتكنولوجيا، جيش اغدقت عليه الولاياتالمتحدة سيلا من الأسلحة والذخائر المتقدمة طوال فترة الحرب، جيش خصصت له ميزانية 2007 أكثر من 12 الف مليون دولار. حرب لبنان درس لهؤلاء الذين يلهثون وراء سراب التسوية بأي شكل، ويتجاهلون إن محاولات تحقيق السلام أو التسوية يجب أن تتم من موقع قوة ومنعة اجتماعية وسياسية ومن منطلق القدرة والاستعداد للصمود والكفاح من أجل استعادة الحقوق.