لم يعد بإمكان أي شاعر أن تنساب قصائده بين يدي مدينة كالدارالبيضاء، فهذه المدينة الإسمنتية الغليظة الملامح ذات الأذرع القصديرية البئيسة الخشنة، والطافحة بغرائب الزمان و المكان و السياسة، بدت عليها أعراض الشيخوخة المبكرة و هي بعد في ريعان شبابها. هذه المدينة المليونية تعيش اليوم أزمة حقيقية على أكثر من مستوى، على رأسها أزمة النفايات المنزلية، فالتدبير المفوض الذي انتهجه مجلس المدينة، لم يخلص المدينة من أزبالها التي فاضت على جنبات الطرق والشوارع، والذي يتجول لأول مرة عبر شوارعها الكبيرةوالصغيرة، يكاد يخيل إليه أن هذه المدينة تخصصت في إنتاج الأزبال، و قد يذهب بخياله بعيدا، و يظن أن القدرساقه إلى مدينة منكوبة، أمام مجموعة من المواطنين نساء، و رجالا، و أطفالا، منكبين على براميل الأزبال بعرباتهم البدائية المجرورة يلتقطون كنوزها. حركة نشيطة تبدأ مع حلول الليل و تستمر حتى مطلع الفجر، و يزيد الطين بلة أن بعضهم لكي يجد ضالته يضطر لإفراغ حاوية الأزبال بأكملها، و هكذا يشرق الصباح على مدينة غارقة في أزبالها. كابوس حقيقي بالنسبة لكثير من البيضاويين الذين لم يعد بإمكانهم فتح نوافذهم لاستنشاق عبير الصباح، فالذباب هو سيد الميدان و الروائح الكريهة تسبب صدمة لكثيرين يبدأون صباحاتهم بصداع وسعال و اختناقب هل نصدق شعار الصحة للجميع، أو الحق في الصحة الذي ندرسه لأبنائنا داخل الفصول الدراسية، و نخرقه ليل نهار في الشوارع العامة؟ في كثير من الأحياء الشعبية تصطف المخابز و المطاعم أمام حاويات الأزبال العارية غيرالمنظفة دوريا، كما هو منصوص عليه في دفتر التحملات المتفق عليه بين مجلس المدينة و الشركات المعينة. التدبير التشاركي الذي نظمت من أجله أيام دراسة وندوات صرف عليها من المال العام لا أثر له في الواقع، وإلا فليست هنالك إشكالية محلية تحتاج إلى أقصى درجات التدبير التشاركي كإشكالية تدبير النفايات المنزلية. فالمواطنون دأبوا على عادات سيئة في التعامل مع أزبالهم، والشركات المعنية بالقطاع لم تبذل أي جهد في التواصل الإعلامي مع السكان، كما أنها لم تبرمج أية خطة ذات بعد اجتماعي تحسيسي لاحتواء معضلة بطرق أكثر عقلنة وبتعاون مباشرمع السكان والجمعيات المحلية. فهذه الشركات مشغولة بعائدات الميزان و كفى، فهي تقبض عن كل كيلوغرام من أزبال البيضاويين. إن مجلس مدينة الدارالبيضاء مطالب أن يحاسب بصرامة الشركات المعنية على أساس درجة نظافة المدينة و على أساس الالتزام الدقيق بدفتر التحملات، و إلا فإن المواطنين الذين يؤرقهم شبح القمامة المهدد لأمنهم الصحي، لن يجدوا مبررا مقنعا واحدا على الأقل يدفعهم لزيارة مكاتب التصويت. الدارالبيضاء ليست مدينة منكوبة؛ فالأوراش المفتوحة فيها كفيلة بأن تعيد إليها توازنها، و لكن نكبتها في أحزابها، و سياسييها الذين في غمرة السباق الماراطوني نحو الكراسي، يدمرون و يدوسون على كل شيء. و إذا كانت رحلة البحث عن الكرسي مشروعة في جميع الديمقراطيات، فإنها في الديمقراطيات التي تحترم نفسها و لا تخون شعوبها، رحلة ممتعة للطموحين من السياسيين و المواطنين معا، إنها رحلة تنبت أزهارا، و حدائق غناء، و تعبد طرقا صديقة للسيارات و الإنسان بدل الحفر الملغمة التي تهدد حياة الناس، و تجلب استثمارات تخفف من أزمة البطالة و القصة طويلة لكنها مشوقة تجعلك أمام منتخب برصيد حقيقي من الإنجازات التنموية. فهل تعيد الأحزاب النظر في أولويتها؟